«شُفت الموت بعيني، وافتكرت انى مش هارجع تاني لأولادي، وتكون نهايتي إن السمك ياكلني«.. بهذه الكلمات بدأ رضا أنور هتيمي، (42 سنة) أحد الناجيين من طاقم مركب»زينة البحرين«التي غرقت قبالة السواحل السودانية، حديثه لـ«المصري اليوم»، والذي كشف فيه عن اضطراره للسباحة لعدة ساعات في البحر الأحمر للنجاة بنفسه، قبل أن ينتشله «لنش» سوداني هو وأحد الصيادين وينقلهما للشاطئ.
حكى «هتيمي» قصة الرحلة الأخيرة لـ«زينة البحرين»، وقال: «بدأت رحلتنا يوم 23 يناير الماضي من ميناء برانيس بمحافظة البحر الأحمر، وكنا 17 شخص على المركب، واتجهنا للصيد في رحلة سروح، وفي منطقة (ماس بريت) بالقرب من الحدود السودانية كنا فارشين الشباك، وفجأة نتيجة شدة الرياح والأمطار انكسر هلب المركب ووقف المحرك، ونتيجة للرياح الشديدة زحفت المركب وطلعت على منطقة شعاب مرجانية واتشبكت فيها وانقلبت على جنبها، مننا اللي نط في البحر واللي مسك ألواح خشب ووقفوا عليها، واللي عام عكس اتجاه الرياح والأمواج علشان يرجع للشط أو يوصل لأي مركب».
وتابع الصياد الناجي «كنا في البحر، وكل واحد بيسبح بأكبر سرعة علشان ينقذ نفسه، ساعتها حسيت إني مش هأرجع ومش هاقدر أوصل للشط، لكن فكرت في أولادي وإني ممكن أموت هنا والسمك ياكلني ويعيشوا يتعذبوا بعدي، فكان عندى دفعة كبيرة علشان أعوم بكل قوتي وكان معايا صياد من دمياط كانت رجله مجروحه، بس كان عنده إرادة، فشجعنا بعض وعُمنا ساعات على أمل الوصول لأي جزيرة أو نقابل مركب، لأننا كنا عارفين إننا بعيد جدًا عن الشط، والحمد لله فوجئنا بلانش سودانى بيقرب مننا، وأنقذنا ونقلنا معاه لأقرب نقطة شرطة».
يتنفس «هتيمي» الصعداء وكأنه خارج لتوه من ماء البحر «أول ما وصلنا لنقطة الشرطة، نمنا على الأرض من التعب وكل اللي قدرنا نقوله لهم إن المركب غرقت وفيه صيادين عليها، فاتحركت لانشات للبحث عن المركب والصيادين، بس رجعت وقالوا إن مفيش حاجة في المكان اللي دليناهم عليه، ونقلونا بعدها للمستشفى، وحررنا محضر بوجودنا داخل المستشفى، وبلغوا السفارة المصرية، وزارنا مساعد القنصل، لكنه لم يهتم بنا ولم يسألنا عن احتياجاتنا أو يدفع تكلفة علاجنا، وتركنا وهو يؤكد أنه هيرجع تاني، وللأسف لم يحدث».
وتابع الصياد بحزن «الناس في السفارة المصرية بتصرفاتهم أكدوا للسودانيين إننا ملناش قيمة عند بلدنا، وسابونا في المستشفى أيام من غير أكل أو ملابس أو علاج، وكنا لسه بلبس الصيد اللي عُمنا بيه، واتصلنا بمساعد القنصل بعد 3 أيام نطالبه بالحضور والسؤال عن طلباتنا، فاتحجج بأنه مشغول بالبحث عن المفقودين، وبعد خمس أيام تعاطف معنا بعض المصريين اللي بيشتغلوا في المقاولات وفي المستشفى، وقدمولنا ملابس وأطعمة وفلوس علشان نشوف احتياجاتنا بعد تخلى السفارة عننا».
واتهم «هتيمي» السفارة المصرية بـ«التقاعس» في البحث عن المفقودين بعد الحادث مباشرة، على الرغم من إخطار الشرطة السودانية لها، وقال «السفارة ماتحركتش غير بعد ما بدأ الإعلام يتحدث عن الحادث وعن المفقودين والناجين، فزارنا مساعد القنصل علشان يتصور معانا من غير ما يقدم لنا حاجة، ولم تتحرك السفارة للبحث عن زملائنا إلا بعد فوات الأوان، بس هنقول إيه، إذا كانت السفارة لم تهتم بالأحياء هتهتم بالمفقودين والغرقانين».
وأضاف الصياد: «بعد انتهاء فترة علاجنا، سمحت لنا السلطات السودانية بالرجوع لمصر، وتوجهنا للمطار أنا وزميلى بمفردنا، ولم تهتم السفارة المصرية إنها تنقلنا، واكتفى المسؤولين بالحضور للمطار والتصوير معنا كأنهم ساعدونا على العودة، وده ماحصلش، ومصريين ساعدونا بفلوس لإنهاء أوراقنا في المطار، وهناك عرفنا إنه تم انتشال جثتين من الصيادين الغرقانين، ورجعنا للقاهرة بجثة واحدة والثانية هتيجي الأسبوع المقبل».
وقال «هتيمي» أنهما عادا القاهرة في الساعات الأولى من صباح الأحد، وتركا الجثة بالمطار ليتم تسلميها لذويها لأنها لصياد من دمياط، وأكد أنه يشعر أنه عاد من الموت «نفسى ماخرجش من بحيرة المنزلة واصطاد من أي مكان تانى لكن البحيرة سرقها البلطجية وأصحاب النفوذ، ولو رجعت زى زمان مافيش صياد هيخرج للبحر ويعرض حياته للخطر».
وطالب «هتيمي» الرئيس عبدالفتاح السيسي بالتدخل شخصيا والاهتمام بتطهير بحيرة المنزلة، وإعادة الصيد الحر والقضاء على التعديات والبلطجية المستحوذين عليها، كما طالب الرئيس بالتوجيه للبحث عن الصيادين المفقودين وإعادتهم أو إعادة جثثهم لذويهم قبل أن يأكلهم السمك.