عندما قرر الخديو إسماعيل قبل 151 عاما من الآن، وتحديدا عام 1865، إنشاء كوبرى قصر النيل، قبل أن يبدأ تنفيذه فعليا عام 1869، لم يعرف أن هذا البناء العظيم، سيكون «قبلة» المصريين ليكون المنتزه الأول لديهم، ولم يعرف أيضا أنه سيتم إهماله على أيدى مسؤولى دولة أرادها فى وقت من الأوقات أن تصبح فرعا آخر لباريس.
تذكرت محافظة القاهرة منذ أيام هذا الكوبرى التاريخى، وبدأت تطويره فى إطار خطة متكاملة لتطوير القاهرة الخديوية، بعدما ظل مهملا لسنوات، لم تمنع عشاق القاهرة من الوقوف عليه، فهو ذلك البناء الذى يتوسط قلب العاصمة ويطل على أشهر معالمها، برج الجزيرة والأوبرا وجامعة الدول العربية والفنادق الكبرى وحديقة الأندلس.
يعود تاريخ إنشاء الكوبرى إلى عام 1865 عندما أصدر الخديو إسماعيل، أوامره إلى نظارة الأشغال بإنشاء أول كوبرى فى مصر للعبور على النيل، يصل بين القاهرة والجزيرة، ليبدأ العمل فى إنشائه عام 1869 أثناء بناء سراى الجزيرة، ووصلت تكلفته وقتها إلى 113 ألفًا و850 جنيها، وقامت شركة فرنسية ببنائه، ليكتمل بناؤه منتصف عام 1871 بطول 406 أمتار.
وفى إبريل 1871 كلف الخديو إسماعيل، شريف باشا ناظر الداخلية بالاتصال بالخواجة جاكمار، لعمل 4 تماثيل من الأسود، لوضعها فى مدخل ومخرج الكوبرى، واقترح جاكمار بدوره أن تكون تلك التماثيل متوسطة الحجم، وكلف لجنة من المثال أوجين جليوم والمصور جان ليون، لتتولى مهمة الإشراف على صناعة التماثيل، وخصص مبلغ 198 ألف فرنك للإنفاق عليها، وتم تصنيع التماثيل من البرونز فى فرنسا ونقلت إلى الإسكندرية ومنها إلى موضعها الحالى على مدخلى الكوبرى، ليلتصق لقب «أبوالسباع» بالخديو إسماعيل، ويصبح كنية لكل من يحمل اسم «إسماعيل»، وتظل الأسود حارسة للكوبرى حتى الآن.
ولم يقف الكوبرى عند التنزه، فكان لثورة 25 يناير كلمة أخرى، عندما شهد حشدًا هائلًا من الشباب المشاركين فى أحداث الثورة، ما أسفر عن مواجهات بين الشباب والأمن وقتها، يوم 28 يناير «جمعة الغضب»، ليعود بعدها المصريون ليقفوا على الكوبرى مجددا مطالبين بإسقاط حكم تنظيم الإخوان.
منذ أيام قليلة بدأت محافظة القاهرة تطوير الكوبرى التاريخى، بتكلفة 8 ملايين جنيه، وتركيب إضاءة جديدة لإعادة رونقه من جديد، وإزالة رسومات الجرافيتى الموجودة على مداخله، ووضع مواد لمنع إعادة الرسم عليه من جديد، ولننتظر عودة الكوبرى التاريخى.
لا يختلف كوبرى إمبابة عن قصر النيل «تاريخيا» كثيرا، ولكن الإهمال هو عنوان الكوبرى فذلك الكوبرى البديع فى تصميمه، أصبح الإهمال عنوانه، الذى لم تتغير إضاءته منذ سنوات، وطريق عبور السيارات غير ممهد بالمرة، بجانب تواجد ورش «السمكرة والدوكو» عند المخرج الأول له أمام المطابع الأميرية.
الدكتورة سهير حواس، مستشار جهاز التنسيق الحضارى، أكدت أن تطوير كوبرى قصر النيل كان ضروريا للغاية بعد إهماله لسنوات، مشددة على أن صيانة الكبارى يجب أن تتم سنويا، كما كان يحدث مع كوبرى قصر النيل منذ إنشائه.
وقالت «حواس» لـ«المصرى اليوم»: «إن كوبرى قصر النيل كان تتم صيانته سنويا، ويتم رفع الدهانات وصنفرة الحديد، ودهانها بمادة ضد الصدأ، ثم يعاد طلاؤها، وما حدث مع الكوبرى التاريخى خلال السنوات الماضية كان إهمالا واضحا، فلو تلف أى شىء على الكوبرى، يتم إهمالها دون إصلاح، مشكلتنا أننا نترك الأشياء لتتفاقم، حتى نبدأ إصلاحها»
وأضافت: «المشكلة أنه تتم صيانة الكبارى بطريقة المرمات، فيظهر عدم توافق بين الأصل والجزء الذى تمت صيانته، وفى علم الهندسة هناك ما يعرف بالصيانة الدورية الدائمة، والصيانة الوقائية، وصيانة الإصلاح، وهى الصيانة التى نستخدمها، فمفاهيم الصيانة غائبة عنا، والأولى بنا استخدام هذه المفاهيم لصيانة الكبارى، التى تعد شرايين الحياة».
وأشارت إلى أن الكبارى تعد منشآت يتم تزيين المدن بها، فهى ليست وظيفية بحتة.
وأكدت أن كوبرى قصر النيل تم تنفيذه على طراز (آرت ديكو)، ويجب أن يكون هناك صيانة وقائية سنويا له، على أن يتم ذلك لكوبرى إمبابة أيضا، مع تركيب إنارة ليلية جذابة لهذه الكبارى التاريخية لتعطى رونقًا للقاهرة بأكملها، وتكون من عناصر جمالها، مشددة على أن هناك إرادة سياسية حالية للحفاظ على هذه الكبارى وإعادة مجدها، بدليل بدء صيانة قصر النيل بعد سنوات من الاهمال.
وكشفت أن هناك خطوات جدية من قبل محافظة القاهرة، لإعادة تركيب كوبرى أبوالعلا، خلال المرحلة المقبلة، ليصبح ممشى على كورنيش النيل، أمام منطقة رملة بولاق وماسبيرو، لكن تنتظر موافقة وزارة الرى، التى طلبت إرجاء قرار إعادة التركيب، لحين انتهائها من دراسات مستفيضة عن الموقع الذى سيتم التركيب فوقه.