x

عماد جاد وظائف الدولة عماد جاد الأحد 07-02-2016 21:17


كثُر الحديث مؤخرًا عن جرائم ازدراء الأديان، وبات هناك متخصصون من داخل تيار الإسلام السياسى ومن التيار السلفى وراغبى الشهرة السريعة من خارج هذين التيارين، فى ملاحقة الكتّاب، الباحثين والمفكرين مشرعين سيف «الازدراء» مستغلين مجالًا عامًّا جرى تديينه منذ مطلع السبعينيات، ودخلت الدولة عبر مؤسساتها فى عملية مزايدة مع جماعات الإسلام السياسى والتيار السلفى على «الدين» ومن الأكثر تدينًا، وهو الأمر المستمر حتى يومنا هذا، فمن نصر حامد أبوزيد إلى إسلام بحيرى وفاطمة ناعوت القائمة تطول.

وفى الوقت الذى يحاول فيه رئيس الجمهورية جاهدًا الدفع باتجاه «مدنية» المجال العام وتحديث الخطاب الدينى وتأسيس منهج جديد فى علاقة الدين بالدولة، فإن الميراث الثقيل ومقاومة أصحاب المصالح فى المؤسسات الدينية وتمسك بعض أركان الدولة بتوظيف الدين فى المجال العام وفى السياسة يعطل حركة والمجتمع باتجاه تنقية وظائف الدولة بكل ما هو مقحم عليها.

السياسة لعبة توازنات وتحالفات لا تخلو من المناورة والخداع، فقديما قال فيلسوفا اليونان (أرسطو وأفلاطون) إن السياسة ليست مجال عمل الرجل الفاضل، ومن بعدهما جاء مكيافللى ليضع نصائحه للحاكم فى كتاب «الأمير»، وجميعها نصائح باستخدام الخداع والغش والمناورة والمبادرة بالقضاء على الخصم، وغير ذلك من نصائح لا تزال صالحة لعالم السياسة.

إذن لا مجال للحديث عن قواعد أخلاقية للعمل السياسى، فهذا كلام إما نابع عن جهل أو خداع، فلا مجال للمزج بين الدين والسياسة، فالدين مقدس وثابت والسياسة تتسم بالانتهازية والتغير، والإصرار على المزج بينهما فيه ضرر شديد للاثنين، ففى المزج بين الدين والسياسة مساس بقداسة الدين وإساءة له، وفيه أيضا تكبيل للسياسة من أن تعمل وفق قواعدها المتعارف عليها، قد يرد البعض من أنصار هذا الخلط بأنهم يسعون لابتداع نموذج يمزج بين الدين والسياسة فيطهّر الأخيرة ويضع قواعد أخلاقية لها، والسؤال هنا يكون أعطنى تجربة واحدة فى العالم منذ التاريخ المسجل نجح الدين، أى دين، فى بناء نظام سياسى أخلاقى أو تمكن من تطهير السياسة والساسة، فى المقابل فإن كافة تجارب المزج بين الدين والسياسة أضرت بالدين وهزت صورته أمام الشعب، حدث ذلك فى أوروبا فى العصور الوسطى، وحدث فى العالم الإسلامى ويحدث اليوم فى مصر، فقد تسببت تجربة الإخوان والسلفيين بعد الخامس والعشرين من يناير فى بروز ظاهرة إلحاد فى مصر على نطاق أوسع مما قد يتصور البعض، والإصرار على مواصلة المزج أو الخلط بين الدين والسياسة سوف يؤدى إلى اتساع نطاق هذه الظاهرة ويدفع بمجتمعاتنا إلى السير فى طريق سبق أن سارت فيه المجتمعات الأوروبية التى اتخذت قرارها بالفصل، ليس فقط بين الدين والدولة، الدين والسياسة، بين الدين والمجال العام.

بعد صراع مرير بين رجال السياسة ورجال الدين، بين الملوك والأمراء والكنيسة، وبعد حروب دموية دامت سبعة عقود كاملة، نجحت أوروبا فى الوصول إلى المعادلة الذهبية التى حققت لهم النهوض، التقدم والاستقرار وهى معادلة الفصل بين الدين والسياسة، بين الكنيسة والدولة، وباتت قاعدة ذهبية وشرطًا مسبقًا لازمًا لأى نمو، تطور واستقرار. اليوم يوجد لدينا من يريد إعادة التجربة من جديد، يقول بأن لديه خصوصية تجعل النتائج المترتبة على هذا الخلط مختلفة أو مغايرة عما جرى فى أوروبا، ويطلب منا منحه الفرصة، يقول ذلك وتجاربه حولنا أتت بنتائج أكثر كارثية مما تحقق فى أوروبا، انظر إلى أفغانستان، إيران، السودان والصومال، انظر أيضا إلى حال البلاد التى يتصارع أهلها على هذه المعادلة (سوريا، ليبيا، اليمن والعراق).

لكل هؤلاء نقول للدولة وظائف حددتها تجارب البشر، ولها أدوار تتسع وتضيق حسب خبرة الشعوب وتجارب البشر، منها حفظ الأمن والاستقرار، توفير احتياجات الفئات الضعيفة فى المجتمع، تنظيم حياة المواطنين، إدارة بعض مجالات الاقتصاد، العمل على تحقيق الرفاهية وغيرها من الوظائف المرتبطة بحياة البشر على الأرض، وليس من بين وظائف الدولة أن تساعد المواطن على دخول الجنة، من وظائفها أن تعمل على إسعاد مواطنيها على الأرض وأن تعمل على أن يكونوا مواطنين صالحين، لكن أبدا لم ولن تكون من بين هذه الوظائف «إدخال المواطن الجنة» حسب رؤيتها أو تحديد خياراته الدينية، فتلك مسألة تخص الشخص ذاته من حقه أن يؤمن بما يشاء ومن حقه كذلك أن يكفر بما يؤمن به الآخرون، ويعتقد فيما يشاء وقتما شاء، والله سوف يحاسب الجميع على أفكارهم وسلوكياتهم.

نحن نحتاج شجاعة الاعتراف بهذه المعادلة، فالدولة كيان اعتبارى لا دين له، تحتضن مواطنيها وفق قاعدة المواطنة وعلى أساس المساواة فى الحقوق والواجبات، تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان والعقائد، فالدولة الديمقراطية هى التى تفصل ما بين الدين والسياسة ولا يخلط بينهما سوى نظم الحكم القمعية السلطوية والتى يحصل فيها رجال الدين على «ذهب المعز»، الكلمة الأخيرة لا تقدم وتحضر دون ديمقراطية ولا ديمقراطية دون فصل الدين عن الدولة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية