x

عبد المنعم سعيد مبادرة د. عمرو حمزاوى عبد المنعم سعيد السبت 06-02-2016 21:17


الأحوال فى مصر لا تُعجب كثيرين، ولذلك كثرت المبادرات لإصلاح الحال، وبعضها جاء من المعارضة، والبعض الآخر من الخارج، والبعض الثالث من أحزاب ومعلقين، وأخيراً فإن حديث الرئيس عبدالفتاح السيسى مع الأستاذ عمرو أديب فى برنامج «القاهرة اليوم» صار هو الآخر مبادرة لكثرة ما فيه من أفكار. عندما يحدث ذلك عادة يكون معناه أن هناك العديد من المهتمين، بل نزيد أن هناك جماعة كبيرة قلبها على مصر، وتشعر بالقلق إزاء ما يحدث فيها، ولحسن الحظ أن لديهم من الأفكار ما يحل عقدها الراهنة، أو هذا ما يشيرون إليه.

فاتحة المبادرات جاءت من الدكتور عمرو حمزاوى، والتى جاءت بمشاركة مع «مايكل ماكفول»- الذى قيل إنه مستشار للرئيس أوباما- ونُشرت فى «واشنطن بوست» الأمريكية تحت عنوان: «كيفية إنقاذ مصر». وبغض النظر عن مكان النشر، والصحبة فيه، فإن محتوى المبادرة يقوم على حزمة من المطالبات كلها تقع على عاتق السلطات المصرية، فهى التى عليها «إطلاق سراح المعتقلين»، وتطبيق العدالة الانتقالية، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، وإلغاء قانون التظاهر، والسماح لكل القوى السياسية بالمشاركة فى مناخ سياسى مفتوح بعيداً عن العنف. لاحظ هنا أن المبادرة تأتى من سياسى كان عضواً فى البرلمان، وقاد حزباً، «الحرية»، وكان له باع فى السياسة المصرية خلال السنوات القليلة الماضية وحتى ما قبلها. هنا فإن هذه الخبرة الكبيرة- والعلم الغزير- لم تشفع فى أن تكون المبادرة تشمل ما هو أكثر من طرف واحد، والذى يبدو أنه يتحمل المأزق المصرى الحالى. هنا لا يوجد حتى حوار مع السلطات العامة يبدأ برفضها أن هناك معتقلين فى مصر، وإنما هناك مَن ارتكبوا جرائم بعينها يمارس فيها القضاء دوره. المبادرة هنا لا تجد ما يستحق البحث، أو حتى التمييز بين ما كان تلفيقاً، وما يعبر عن حقيقة واقعة. فتح المناخ السياسى لكل الأطراف البعيدة عن العنف لا يدفع بالحقائق إلى مقدمة الصورة، وهو أن هناك عنفاً جارياً بالفعل، وأنه خلال عام 2015 فإن هذا العنف قد قتل 715 شرطياً، وجُرح منهم أكثر من 18 ألفاً، وكل ذلك غير القتلى والجرحى من القوات المسلحة والمدنيين. هذه المعلومات تبدو نوعاً من تحصيل الحاصل، ودون ذكرها فإن العنف سوف يكون ظاهرة «سلطوية» محضة. وحتى إلغاء قانون التظاهر يبدو معلقاً فى الهواء حيث لا يأتى أمر بعده، وكأن القانون صدر كنوع من الرياضة القانونية، وليس لأن هناك واقعاً مرعباً فى مصر، وهو أن استمرار التظاهرات يعنى حالة من الشلل الكامل فى الدولة والمجتمع، وتحقيق نبوءة الكاتب الأمريكى «مايكل حنا» من مؤسسة «سينشرى» أن تكون فى مصر حالة من حالات عدم الاستقرار المستدام بدلاً من السعى نحو «التنمية المستدامة». الواقع أن هناك تحفظات كثيرة على قانون التظاهر، بما فيها تلك التى يعرضها المجلس الوطنى لحقوق الإنسان، ولكن القضية لم تعد إلغاء أو تعديل قانون التظاهر، وإنما ما الذى سوف يحدث بعد ذلك للأمن والاقتصاد والمجتمع؟

الخطوة السياسية الكبرى فى مبادرة د. حمزاوى هى الدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة، وكأن هذه الانتخابات لم تحدث منذ فترة قصيرة، وأياً كانت الملاحظات عليها، فإنه لا يوجد ما يجزم أن الساحة المصرية قد تغيرت بحيث أن انتخابات جديدة سوف تفرز نتائج جديدة. سوف نترك التكلفة جانباً، ولكن لا يوجد تصور لانتخابات جديدة إلا فى إطار صفقة يتصورها د. حمزاوى تعيد الإخوان المسلمين مرة أخرى إلى الساحة السياسية، وهو ما يشير إليه الحديث عن «المناخ» و«مشاركة كل الأطراف». هنا لا يوجد حديث مع الإخوان، ولا مع الشعب المصرى فى هذه المسألة، وإذا تركنا الجدل حول عنف الإخوان جانباً، فإن التحريض عليه من الوضوح بحيث لا يمكن تجاهله. كيف تكون هناك مبادرة إذن للإصلاح السياسى فى مصر وكل المطالب العملية موجهة إلى طرف واحد، ولا يوجد فيها مشروع لمستقبل مصر، وفى نفس الوقت تريد إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، فلا كان هناك دستور، ولا انتخابات رئاسية، ولا انتخابات نيابية، ولا مواقف شعبية فى جانب، وللإخوان وحلفائهم من جانب آخر.

د. عمرو حمزاوى هنا يمثل أطرافاً ليبرالية، ولذلك ربما لم تكن صدفة أن برنامج «النقاط العشر» الذى طرحه الحزب المصرى الاقتصادى والاجتماعى، بالإضافة إلى مبادرات أخرى، لا تختلف كثيراً فى الشكل ولا فى المضمون. ليس هكذا تكون المبادرات التى لا تكون كذلك إلا عندما تعرف التوازن فى التزامات أطراف متعددة، كذلك تعرف أنه لا يمكن أن تكون هناك مبادرة ناجحة وهى تقوم فى جوهرها على سحب الشرعية من سلطة شعبية منتخبة، ولمَن لا يعرف منتصرة أيضا!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية