هل يعرف القارئ أن ما حدث فى مصر فى 25/1/2011 ثورة، وأن الجيش المصرى أطاح بالرئيس حسنى مبارك فى 11/2/2011، وأن الجيش المصرى أطاح أيضاً بالرئيس محمد مرسى فى انقلاب عسكرى فى 30/6/2013؟
هذا وكثير مثله سخفٌ وجهل وغرض أو مرض أقرؤه فى الحديث عن أوضاع مصر فى السنوات الخمس الأخيرة. كنت فى لبنان مع ذكرى الثورة الشبابية، وعدتُ وقد تجمعت لى عشرات التعليقات من الميديا الغربية ودور الفكر والبحث، ورأيت أن أقرأها كلها فى إجازة نهاية الأسبوع.
أعرف الوضع المصرى كما لا يعرفه أى «خواجة»، ولا أدّعى لنفسى معارف كثيرة، إلا أننى أعرف مصر وأهلها، فهى لى سدرة المنتهى من دون أن أنتمى فى حياتى إلى أى حزب سياسى أو جمعية.
الرئيس حسنى مبارك قاد مصر 30 سنة من دون مغامرات سياسية أو عسكرية، وكانت علاقته طيبة بالدول العربية ودول العالم كله، وهو كان يكره إسرائيل فلم يزرها سوى ساعة واحدة عندما اغتيل إسحاق رابين، وكان الإسرائيليون يأتون إليه فى شرم الشيخ، وقد سمعته يشتمهم فى أحاديثنا الخاصة.
عندما بدأت التظاهرات فوجئ الرئيس مبارك كثيراً، فقد كان يعتقد بأنه لا سبب للشكوى، وقد خدم بلاده عسكرياً ورئيساً، ولعله اعتبر التظاهرات من نوع نكران الجميل، واستدعى اللواء عمر سليمان، رحمه الله، وسأله: الناس عاوزة إيه؟ قال اللواء سليمان الذى كنت أثق به ثقتى بنفسى: عاوزينك تمشى. ورد الرئيس مبارك: أنا عاوز أمشى. وجاء بعد ذلك خطاب الرئيس معلناً استقالته الذى قرأه اللواء سليمان.
الجيش المصرى لم «يقلب» الرئيس وإنما تدخل بعد استقالته لحفظ الأمن. والجيش تدخل مرة ثانية وللسبب نفسه بعد ثورة الشعب المصرى على رئيس من الإخوان المسلمين ارتكب نظامه من الأخطاء فى سنة ما لم يرتكبه نظام حسنى مبارك فى 30 سنة.
كيف تكون تظاهرات ملايين المصريين ضد نظام حسنى مبارك «ثورة»، وتظاهرات «مليونية» أكبر عدداً ضد الإخوان المسلمين «انقلاباً»؟ هذا علمه عند أساطين الميديا فى الشرق والغرب، فما يريدونه هو استمرار الخراب لتستفيد بلادهم وإسرائيل على حسابنا.
المشير عبدالفتاح السيسى انتُخِب رئيساً فى غياب منافس قوى، وهو يملك مؤهلات كثيرة للحكم مع خلفيته المهنية وعمله فى المخابرات العسكرية، ثم قائداً للقوات المسلحة ووزيراً للدفاع، وثقافته عالية فهو خريج كلية أركان حرب الولايات المتحدة، كما أنه حتماً إنسان مؤمن.
ما سبق صحيح ومثله أن كل أحكام الإعدام فى عهد السيسى لم ينفذ واحد منها. إلا أننى لست اليوم أكتب دفاعاً عن الرئيس المصرى، فأنا ضد أى قيود على حرية العمل السياسى والرأى، ومصر لن تكون بلداً ديمقراطياً فى غيابها. أيضاً لا أحد يقبل أن يختفى الناس، وبعضهم مجرد ناشطين على الإنترنت، ليظهروا فجأة وليتحدثوا عن تهديد وتعذيب وحرمان من حق وجود محامٍ للدفاع عنهم.
أسجل ما سبق من دون أن أنسى أن «المختفين» يعودون، فلم أسمع بعد عن معارض معروف قُتِل ودُفِن ولم يرَه أحد.
أربط هذه التجاوزات بالحرب على الإرهاب، وأصرّ على أن تنتهى عندما ينتهى، ثم أقول إن الوضع فى مصر اليوم أفضل منه قبل خمس سنوات، وقبل ثلاث سنوات، فأنتظر أن تعود مصر إلى دورها المحورى وسط المجموعة العربية، لأن الحذر ليس سياسة ناجعة.
نقلاً عن جريدة الحياة اللندنية