عودة للحياة.. للصحافة وسوق السيارات.. لأصدقائى و«أحبائى» فى مختلف شركات السيارات المحلية والعالمية.. لقرائى الذين صنعوا اسمى وشهرتى ونجاحى فى مجال السيارات على مدار ما يقرب من ١٨ عاماً متواصلة.. لمقالى الأسبوعى فى الصفحة الأولى.. لـ«قلمى» الذى كنت أحمله فى يدى سنوات طويلة.. أكتب به ما يرضى ضميرى دون أن أكون معصوما من الخطأ أو التجاوزات مثل أى إنسان على هذا الكون.
سقط قلمى من يدى يوم أن أُجبِرت على مغادرة مكتبى فى أخبار اليوم (١٢ /١٢ / ٢٠١٢) بعد أن قضيت فى هذه المؤسسة العملاقة ما يزيد على ٢١ عاماً.. هى أجمل أيام وسنوات حياتى بالتأكيد.. كل «شبر» فيها يحمل لى «ذكريات حلوة» من الصعب نسيانها بسهولة.
مساء الاثنين الماضى عدت لأمسك «قلمى» من جديد.. بعد غياب طويل وفراق صعب.. ارتعش فى يدى لثوانٍ معدودة.. كأنه يعاتبنى أو يرغب فى البكاء بين أصابعى.. ولكن سرعان ما عاد لطبيعته وتماسكه وقوته.. وتجاوب معى ليسطر مشاعرى ويسجل أفكارى.. لنفتح معا صفحة جديدة.. أكثر إشراقاً ونجاحاً واستقراراً.
«المصرى اليوم».. اسم قرأته ملايين المرات واليوم أكتبه بقلمى لأول مرة.. لم أكن أخطط أبدا لأن يكون لى مكان ثابت أو بارز داخل جنبات هذا الصرح العملاق الذى فرض نفسه بقوة هائلة فى عالم الصحافة المصرية والعربية والعالمية خلال سنوات قليلة.. وسط ذهول الجميع.. وكأنه يتحدى موسوعة جينيس للأرقام القياسية !
من منا لم ينبهر بتجربة «المصرى اليوم».. من اليوم الأول عندما صدر عام ٢٠٠٤ .. وتابعنا جميعاً شكلاً ومضموناً جديداً تماماً على صحافتنا المصرية.. ومع الوقت ازدادت الجريدة قوة.. ووصلت مصداقيتها لأعلى المستويات.. وأصبح لا غنى عنها لدى ملايين القراء بمختلف أعمارهم وفئاتهم وانتماءاتهم.
بعد أن تركت مؤسسة أخبار اليوم فى نهاية عام ٢٠١٢ لم تكن لى أى رغبة فى العمل بالصحافة مرة أخرى.. كنت واثقا من أننى لن أمسك قلماً أو ألتحق بأى جريدة أخرى أبداً !.. وبالفعل خططت لحياتى الجديدة بشكل مختلف تماماً.. أقمت مطعما للمأكولات اللبنانية فى منطقة مصر الجديدة وكنت سعيداً جداً بشكل وأسلوب حياتى الجديدة.. بدون قلق أو مواعيد أو ضغوط نفسية من أى نوع.. كنت أعتذر عن عدم تلبية كافة العروض الصحفية التى تصلنى ما بين الحين والآخر من صحف ومجلات ترغب – مشكورة – فى ضمى لها.. ثم بدأت مرحلة القنوات الفضائية من أجل عمل «توك شو» للسيارات من خلالى.. ورفضت أيضاً مؤكداً للجميع أن علاقتى بالصحافة والإعلام انتهت بغير رجعة !
كانت محاولات أصدقائى من داخل سوق السيارات لعودتى من جديد مستمرة دون يأس منهم.. رغم أن إجاباتى كانت دائماً قاطعة ورافضة !.. إلحاحهم وإصرارهم كان غريباً وعجيباً.. دون يأس أو توقف.. كنت أحياناً أشعر بالخجل منهم.. والاستغراب بالتأكيد.. فمعظمهم من أصحاب المناصب الكبيرة والمؤثرة داخل شركات السيارات العاملة فى بلدنا.. وجميعهم – تقريبا – نال من قلمى الكثير من النقد والهجوم – وأحياناً التجاوز – ورغم ذلك لايزالون متمسكين بصداقتهم معى بعد أن تركت منصبى – وملحقى – بأخبار اليوم.. وأيضاً يبذلون جهداً خارقاً لإقناعى بالعودة.. ومواصلة مشوار العطاء فى صحافة السيارات.
والحقيقة أننى مدين لهؤلاء بشكر عميق وتقدير بالغ.. ليس فقط بسبب وقفتهم بجوارى فى السنوات الأخيرة.. ولكن أيضاً لما «إستحملوه» منى من نقد وهجوم طوال ما يقرب من ١٨ عاماً !.. فقد كنت – فى ملحق أخبار اليوم – أتجاوز بالنشر جميع الخطوط الحمراء مع الشركات والمسؤولين داخلها.. بصورة لم يجرؤ أى إصدار آخر أو صحفى على مجرد الاقتراب منها.. وكان أصحاب الشركات من كبار رجال الأعمال فى بلدنا.. ومختلف العاملين داخلها.. يتقبلون كل هذا منى.. «بمزاجهم» وليسوا مرغمين على ذلك أبداً.. كانوا يستطيعون إيقافى ومحاربتى ومقاطعتى.. ولكن هذا لم يحدث.. كانوا يعاتبوننى بهدوء ولطف – وأحياناً بغضب وعنف – ولكن دائما كانوا يؤكدون حبهم وتقديرهم لى..
وتفهمهم أننى أسعى دائماً للمصلحة العامة.. وحق القارئ.. وتحقيق المصداقية لجريدتى التى أنتمى إليها.. حتى لو صدرت منى أخطاء أو تجاوزات لم أكن – والله – أقصدها أو أخطط لها بنية سيئة.
وظهر معدن كل هؤلاء «الأصيل» بعد أن تركت مكانى بأخبار اليوم.. وظل معظمهم على اتصال دائم بى.. بل توطدت صداقتى ببعضهم.. دون مصالح أو حسابات.. وكانوا – بالفعل – من أهم الأسباب لعودتى من جديد لصحافة السيارات التى أعشقها وأحبها بالتأكيد.
«حكايتى» مع المصرى اليوم ينطبق عليها تماماً مقولة «لا تقل شئنا.. فإن الله شاء» التى سمعناها من «الست» أم كلثوم.. فقبل حوالى ثلاثة أشهر وافقت على إجراء حوار صحفى مع جريدة «الشروق» أحكى فيه عن مشوارى مع الصحافة وعالم السيارات.. وكان صديقى – وتلميذى – أحمد بهاء، الذى رشحته لعمل ملحق سيارات بالشروق عام ٢٠١٣ بعد اعتذارى عن عدم القيام بهذه المهمة.. كان يحاول إقناعى بإجراء هذا الحوار منذ أكثر من عام.. ووافقت تقديراً منى للصديق شريف المعلم الناشر والعضو المنتدب لجريدة الشروق.. والذى أعتبره أحد «ولاد الناس» المتميزين والمشرفين فى هذا المجال.. وبالفعل تم إجراء الحوار مع ملحق سيارات الشروق وتم نشره فى ١٠ صفحات على مدار خمسة أسابيع متتالية.. فى تلك الفترة كانت إدارة المصرى اليوم قد قررت إصدار ملحق سيارات.. وتم إسناد المهمة «الإعلانية» فيه للصديق عمرو الفقى، صاحب الامتياز الإعلانى الحصرى لـ«المصرى اليوم».. واقتادتنى المصادفة البحتة للجلوس مع عمرو بعد أن تدخل صديقان مشتركان لنا فى هذه الجلسة.. وكنت أشعر بأن اللقاء مجرد «دردشة» لن نخرج منها بأى اتفاق أو تلاق فى وجهات النظر.. وأعتقد أن عمرو نفسه كان لديه نفس الإحساس والانطباع قبل الجلسة !
فى أحد المطاعم بحى المهندسين كان اللقاء الأول مع عمرو.. ومعه المدير العام لشركة PAM MEDIA باسم الشويحى.. الساعة الأولى من اللقاء كانت مجرد كلام عن أحوال السوق وحكايات ودردشة عادية.. ثم دخل عمرو فى الموضوع فجأة قائلاً: «إيه رأيك تعمل ملحق سيارات أسبوعى فى المصرى اليوم.. انت أحسن واحد فى مصر.. وإحنا أحسن جورنال حالياً فى مصر؟».
كانت نسبة موافقتى على العرض المبدئى لا تتعدى ١٠٪ لحظة أن قال عمرو هذه الجملة.. لأسباب عديدة أهمها أننى كنت أشعر بأننى لا أزال غير مهيأ نفسياً لخوض مثل هذا التحدى الكبير مع جريدة تعتبر الآن عملاقة ولن ترضى إلا بـ «مُنتج» عملاق يحتل موقع الصدارة.. وهذا يتطلب جهداً خارقاً لا يتناسب مع «واحد زيى».. جالس فى منزلى – ومطعمى – وبعيداً عن سوق السيارات لمدة ثلاث سنوات !
بالإضافة إلى أن تجربة العمل بالصحف الخاصة كانت بالنسبة لى مخيفة وغامضة و«ضبابية» جداً.. فأنا قادم من خلفية «حكومية» لمدة ٢١ عاماً.. والانتقال للصحف الخاصة كان يتطلب أسئلة واستفسارات عديدة.. بعضها يملك عمرو الفقى الإجابة عنه.. والبعض الأخر لا يملك إجاباته إلا أصحاب الجريدة أنفسهم !
لم نتوصل لأى نتيجة إيجابية خلال اللقاء الأول.. وأرهقت الرجل بأسئلة وحوارات ومخاوف عديدة.. كانت كفيلة بأن يقول لى بـ«الفم المليان»: «من الآخر كده.. أنت مش عايز تشتغل أصلا وبتضيع وقتى».. ولكنه لم يقولها.. بل طلب منى تحديد موعد ثان لمزيد من النقاش والتفاوض و«الرغى» !
وفى نفس المكان.. اجتمعنا بعدها بـ ٧٢ ساعة وكنت قد بدأت أتحمس للفكرة.. وأشعر بأننى أرغب فى تحقيقها.. وقادر عليها بإذن الله.. وانتزع عمرو منى – بمهارته المعروفة - موافقة مبدئية بعد حوالى ساعتين من اللقاء، الذى أنهاه قائلا: «خلاص.. اجتماعنا القادم سوف يكون بحضور المهندس توفيق دياب الرئيس التنفيذى لـ«المصرى اليوم» لحسم كافة الأمور وإجراء الاتفاق النهائى».
التقيت توفيق دياب فى جلسة استمرت ما يقرب من أربع ساعات كاملة.. بحضور عمرو الفقى.. وكان توفيق عكس توقعاتى تماماً.. تخيلت أننى سأكون أمام شاب مغرور جداً.. يعرف أنه أحد ملاك أقوى جريدة خاصة فى بلدنا.. ورجل أعمال ناجح جداً فى مجال البترول.. ووقته «ضيق» وغير مسموح بالنقاش معه فى تفاصيل ولا وضع شروط ولا انتزاع اختصاصات وصلاحيات للمنصب !
أول جملة قالها لى توفيق دياب وهو يصافحنى مع بداية اللقاء.. تخيلوا كانت إيه ؟!: «أنا سعيد جداً إنى جاى أقعد مع خالد أباظة.. أنا من قراءك وأشد المعجبين بيك.. شرف ليا وللمصرى اليوم إذا اشتغلت معانا» !!
أنهى الصفقة كلها فى أربع ثوان فقط.. قبل أن نجلس على الكراسى كنت عايز أقول له: «خلاص أنا فى المصرى اليوم من النهاردة.. بكامل طاقتى وكل حماسى.. عايز الملحق يبدأ إمتى» !
الجلسة كلها كانت ودية جداً.. اتفقنا على كل شيء ولم نختلف فى جزئية واحدة.. قال لى إنه يتمنى أن يكون ملحق سيارات المصرى اليوم رقم «١» بالنسبة للقراء فى مصر بعد السنة الأولى على أقصى تقدير.. رددت ضاحكا: «بعد السنة الأولى ؟!!.. يا توفيق إحنا هانعمل أقوى صحافة من العدد الأول بإذن الله.. رقم ٢ ده أنا ما بعترفش بيه أصلاً» !!.
وخلال الجلسة.. استأذن توفيق عدة دقائق ثم عاد ومعه «المحمول» قائلا: «المهندس صلاح دياب عايز يكلمك» ومرة أخرى أشعر بجرعة رهيبة من الثقة والسعادة والرغبة فى العمل بأسرع وقت.. بفضل كلمات قمة فى الرقى والتواضع سمعتها من قائد مسيرة النجاح بالمصرى اليوم.. والذى قال لي: «سعادتى كبيرة جداً بانضمامك لنا فى المصرى اليوم.. كانت رغبتنا منذ عدة سنوات والآن تحققت.. أثق فى نجاحك بشكل لا تتخيله.. ستجد نفسك داخل بيتك وبين أصدقائك ولن أسمح بوجود عقبة واحدة تعرقل مشوار نجاحك معنا».
هذا هو صلاح دياب الذى كنت منبهرا بشخصيته ونجاحاته قبل أن أقابله أو أتحدث معه .. وكنت أسمع عنه كثيرا خاصة من أستاذى – ووالدى الروحى – إبراهيم سعده رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم سابقا .. وبالفعل لم أكن مخطئا أو مبالغا فى حكمى عليه.
الطريف أنه خلال نفس الجلسة التى تحولت بالتأكيد إلى «جلسة أصدقاء».. فاجأنا عمرو الفقى بسؤال موجه إلى توفيق.. ويبدو أننا كنا نسينا تماماً ما يتحدث عمرو عنه من شدة الود الذى كان يسود اللقاء.. وكان السؤال: «بالنسبة للأمور المالية وراتب خالد الشهرى.. لم نتحدث عنها حتى الآن ؟!..»
ورد توفيق بعد عدة ثوان: «أكيد مش هاعرف أتكلم فى الموضوع ده بعد أن أصبحت أنا وخالد أصدقاء من أول جلسة.. اتفقوا أنتم واللى خالد عايزه هايكون.. بالنسبة لى أنا هاكتب فى العقد أن خالد له كافة صلاحيات رئيس التحرير من الناحية الصحفية ولا يتدخل أحد فى عمله أو يناقشه أو حتى يراجع مقالاته أو المحتوى التحريرى للملحق بأكمله.. ويبقى بند الراتب حطوه انتم بمعرفتكم» !..
لم أكن أتمنى عودة «أجمل من كده» لصحافة السيارات.. جريدة عملاقة واستقبال دافئ وصلاحيات كاملة.. وفكر محترف.. وثقة رهيبة فى النجاح..وتعاون كامل من «كتيبة العمل» داخل أسوار قلعة «المصرى اليوم» بقيادة المدير العام فتحى أبوحطب.. يبقى دورى أنا وفريق العمل الصحفى المحترف الذى اخترته بعناية.. أن نحقق النجاح المنتظر منا من إدارة المصرى اليوم وقرائها المتميزين وشركات السيارات.. لنكون بالفعل رقم «١» فى بلدنا.. من العدد الأول وليس بعد سنة.. ولا شهر واحد