x

أحمد المسلمانى شتاء الخروج.. هيكل وكيسنجر الوقْفة (13) مع الأستاذ (1-2) أحمد المسلمانى الإثنين 01-02-2016 21:30


«لن أنسى أحد الضباط الأمريكان.. رآكَ يا مولاى فى إحدى الحفلات.. فلم يملك نفسه وهتف: (فليحفظ الله الملِك).. وبعدها قال: إنه لم يكن يتصوّر أن يأتى يومٌ يهتف لأحد الملوك، وهو الذى وُلِد جمهوريًا متعصبٍّا.. وقال لى: إننى لم أهتفْ حتى لروزفلت نفسه.. ولكن مَلِككم هذا رجل عظيم»

«يا مولاى.. لقد علّمتَ مصرَ كيف تحبك من يوم أن تفتحت عيناكَ على نور الدنيا.. فكنتَ وأنتَ أميرٌ طفلا لا تترك فرصةً لتُظهِر فيها عطفكَ على بنيها إلاّ أظهرتَه».

■ محمد حسنين هيكل يمتدح الملك فاروق، من مقال «فى عيد جلوسك يا مولاى»، روز اليوسف العدد 830 الصادر فى يوم الخميس 11 مايو 1944.

( 1 )

فى ذلك الشتاء القارص من عام 1974.. كان قرار الرئيس السادات بإبعاد الأستاذ هيكل عن الأهرام.. لم يكن الأستاذ يعرف أن «آخر مقال» هو «المقال الأخير».. وأن «شتاء الأستاذ» سيوازى «شتاء الطبيعة».

( 2 )

ربّما يتوجّب الوقوف قليلاً عند آخر مقالات الأستاذ، والذى نشرته الأهرام فى أول فبراير عام 1974.. بعنوان «الظلال والبريق».. ذلك أن عددًا كبيرًا من السادة القراء.. ربما ذهبوا إلى تصديق الصورة التى رسمها «الأستاذ» حول انبهار السادات بهنرى كيسنجر، وحول إعطاء السادات لكيسنجر المكانة التى لا يستحقها.. وعن استقبال السادات لكيسنجر بحفاوة شديدة فى الوقت الذى كان فيه كيسنجر يمُدّ إسرائيل بالسلاح.

إن مجمل كتابات هيكل تذهب إلى أن السادات كان ينبغى له ألا يجلس مع كيسنجر وحده.. وأن الرهان على كيسنجر كان خطأً فادحاً.

( 3 )

الحقيقة ببساطة هى أن الأستاذ هيكل هو الذى طلبَ من السادات ومن مصر كلها أن تراهن على أمريكا.. وقد عرضْنا ذلك فيما قبل، ثم إنه منْ طلبَ من السادات ومن مصر كلها أن تراهن على هنرى كيسنجر.. وهذا ما نعرضُه الآن.

فى مقاله الأخير «الظلال والبريق».. يتحدث الأستاذ عن ظلال نيكسون وبريق كيسنجر.. وكيف أن نيكسون فى غروبٍ وأن كيسنجر فى شروق.. وأن الذى يحكم أمريكا ليس نيكسون وإنما هنرى كيسنجر.. فالرئيس الأمريكى لم يعد موجودًا تقريبًا.. وكيسنجر هو صاحب القول الفصل والقرار الأعلى.. وأن سلطاته تفوق سلطات الرئيس.

امتدح «الأستاذ» الوزير الأمريكى.. وتحدث عنه بإعجابٍ شديد.. قال إن كيسنجر الذى نجح فى حلّ معضلاتٍ كبرى.. يمكنه أن ينجح فى حلّ معضلة الشرق الأوسط.. وأن بريق كيسنجر يستعيد بريق كينيدى ويتجاوز ظلال نيكسون.

( 4 )

يقول الأستاذ هيكل فى آخر مقالاته بالأهرام مبشرًا ومروجًا لأسطورة هنرى كيسنجر: «عندما بدأ دور كيسنجر.. ارتفع إلى الآفاق الشاهقة بسرعة.. لأن الحاجة كانت ماسّة إلى نجم.. وكانتْ فى هنرى كيسنجر كل مواصفات النجوم.. كان مفكرًا لديه شىء يريد أن يقوله».

«القوة الأمريكية هائلة لمن يريد الإمساك بمفاتيحها، أو يقدر على ذلك.. والرئيس الأمريكى عاجز ومشلول بالفضيحة.. إذن فإن كل المفاتيح فى يد كيسنجر». «لقد نجح كيسنجر فى موسكو، ونجح فى الصين، ونجح فى فيتنام، وحصل على نصف جائزة نوبل.. وحصل فوقها على كل أسطورة نجاح».

«نحن هنا.. أمام رئيسٍ أمريكى تلفّه ظلال الشبهات والاتهامات.. ثم نحن هنا أمام وزيرٍ للخارجية.. فيه وهج النجاح ووهج النجوم».. «كيسنجر الآن أكبر من الرئيس الأمريكى.. وهو خارج ولاية الكونجرس».

( 5 )

هكذا كان الأستاذ هيكل على يمين الرئيس السادات طيلة السنوات الأربع.. إلى أنْ جاء الشتاء الصادم.. فَرَاحَ هيكل ينتظر حتى رَحَلَ السادات.. ليبدأ العِقاب.

يقول الأستاذ هيكل: إن فكرة كتاب خريف الغضب قد جاءت على ذهنه منذ اللحظة الأولى لدخوله المعتقل فى سبتمبر 1981.. وهو ما يُعدُّ اعترافًا بـ«الموقف الانتقامى» لا «الموقف المعرفى».. والرغبة فى تحطيم الصورة.. لا قوْل الحقيقة.

إن الخروج من عرش الأهرام إلى ظلمات المعتقل قد أصاب «الأستاذ» بالكثير.. سقط علم السياسة.. واختلط علم التاريخ بعلم العقاب.. وطغى «شتاء الخروج» على «خريف الغضب»!

( 6 )

لقد مضَى الأستاذ هيكل فى عملية نفسيّة معقدة.. تحولت معها بعض «الضلالات» المحاطة بروعة اللغة وبلاغة السرد إلى حقائق.. أو أشباه حقائق.

إن جانبًا من الصدمة النفسية التى عَصَفَتْ بالأستاذ.. قد تبدّى فى نسيان الأستاذ لما كتب.. ثم إلصاق آرائه بالآخرين.. ثم القيام بنقدها ونقد أصحابها.. بعد أن نجحت عملية «غسيل الأفكار».. ونقل الملكية!

ولقد أسفر هذا الارتباك الفكرى عن ظاهرة مركزية فى المشروع الصحفى عند «الأستاذ».. إنها تلك المعادلة السائدة: هيكل ضد هيكل.

غدًا الجزء الثانى بمشيئة الله

حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية