x

طارق الشناوي فيروز (عابرة الأجيال) وأشواك النجاح القاتلة! طارق الشناوي الإثنين 01-02-2016 21:18


عاشت فيروز أكثر من سبعين عاما عرفت الشهرة والنجاح والتألق وحظيت عن جدارة بلقب معجزة بعد أن فتحت لها السماء أبوابها على مصراعيها، وكأنها تستنفد كل رصيدها فى خمس سنوات فقط من عمرها كطفلة وبعدها لم تعرف سوى الظل، من المؤكد أن الحسرة ظلت ترافقها حتى النهاية، من الذى سرق منها الفرحة، هل منحها القدر كل شىء فى لحظات ثم ضن عليها بعدها بكل شىء وقال لها نكتفى بهذا القدر.

الناس كانت حريصة أن تظل الطفلة هى الطفلة هم كبروا لأن هذه هى سنة الحياة إلا أنهم لم يرضوا لها ان تكبر مثلهم، لم يستطيعوا أن يقهروا زحف السنين على وجوههم ولكنهم استطاعوا أن يحتفظوا بظل من طفولتهم على وجه فيروز، كلما شاهدوها اكتشفوا أن المعجزة قد تحققت على الشاشة فهم لا يزالون مثلها أطفالا، صنعت مشاعر الناس الإيجابية والمغرقة فى الحب حاجزا نفسيا صلدا لم تستطع فيروز القفز فوقه أو اختراقه وأبت مشاعر الناس أيضا أن تسمح لها بإيجاد ثغرة للوصول إليهم، يريدون فقط الطفلة رغم أنها وصلت إلى عتبة المراهقة محتفظة بجمالها وخفة ظلها وأضيف لها بدايات الأنوثة، إلا أنهم لم يريدوا فقط سوى الطفلة فكانت الأنثى فيروز فى صراع مع الطفلة فيروز انتهت المعركة بهزيمة الأنثى على الشاشة بعد أن لعبت بطولة أكثر من فيلم كلها أكدت الهزيمة.

ربما لم تكن دوافع أنور وجدى مكتشفها من أجل الفن فقط ولكن التاجر الشاطر قرر أن يجرب بيع بضاعة مغايرة للجمهور، هو أراد أن يقدم للشاشة الكبيرة نموذجا شرقيا يحاكى به مصريا الطفلة الأمريكية شيرلى تمبل، قانون السينما المصرية منذ منتصف الثلاثينيات قائم على محاكاة النموذج الأمريكى، وربما أيضا أراد أن يثبت للجميع أن النجاح يساوى أنور وجدى، خاصة أن الكثيرين كانوا يرون أن ليلى مراد هى سر النجاح وليس أنور وجدى، فكان الرد عمليا ومباشرا بإطلاق صاروخ فيروز، فحلقت فى السماء إلى ذروة جماهيرية لم يطاولها أحد، ثم دفعت ثمن الصراع على موهبتها بين أبيها الذى أراد أن يأخذ نصيبه من النجاح أيضا وبين أنور وجدى الذى كان يرى أنه الوحيد الذى يملك كتالوج فيروز ولا أحد غيره يستطيع أن يفك طلاسم الشفرة وعلى والدها أن يرضى بالفتات ولكن الوالد كان يرى أنها الفرخة التى تبيض ذهبا لأنور وجدى فلماذا لا يأخذ هو النصيب الأكبر من الذهب.

أنور وجدى هو الفهلوى القادر على أن يحدد الهدف الذى يريده ويحققه، فلقد صعد مثلا فى منتصف الأربعينيات على أكتاف ليلى مراد منذ أن أقنعها ببطولة فيلم (ليلى بنت الفقراء) والذى حمل من بعده لقب كاتب ومنتج ومخرج، كانت ليلى هى الاسم الأكبر فى عالم السينما وبالمناسبة لو حسبنا فارق العملة مع الزمن لاكتشفنا أنها لا تزال تحتفظ بلقب الأغلى ولكن أنور وجدى جاء بتلك الطفلة لكى يقول للجميع أن النجاح يساوى أنور وجدى.

كل الظروف كانت مهيأة لكى تنطلق وهى تردد (معانا ريال معانا ريال ده مبلغ عال ومش بطال)، ويستمر التألق مع الطفلة ولكن كما أن للدواء الشافى أعراضاً جانبية والفيتامينات إذا أخذنا منها جرعات كبيرة تؤدى إلى مخاطر صحية، النجاح الطاغى كذلك قد يصبح سببا فى تراجع الفنان ويتحول من باقة ورد تطوق عنقه إلى خنجر لذبحه، عندما يجد نفسه قد أصبح مثل من يقفز الحواجز إذا لم يحقق فى القفزة التالية رقما أعلى يتعثر ويخرج من التسابق مثخنا بالجراح وهو ما عاشته فيروز!.

كثير من المبدعين تعرضوا لضربات مشابهة مع اختلاف الدرجة والنوع، مثلاً الكاتب المغربى الراحل محمد شكرى صاحب رواية «الخبز الحافى» التى حققت شهرة استثنائية فى العالم حيث ترجمت إلى 39 لغة ولا تزال تقف فى الصدارة على مستوى أرقام البيع، كان «شكرى» يعانى من حالة النجاح المفرط والتى صنعت جبلاً شاهقاً منع العيون من رؤية أى إبداع آخر برغم أنه كتب «الخبز الحافى» عام 72 وعاش بعدها 32 عاماً محاولاً أن يقهر «الخبز الحافى» بأعمال أدبية تفوقها شهرة دون جدوى!

كان الكاتب الكبير يقول متهكماً الأطفال فى الشارع لا ينادونى شكرى بل يقولون «الخبز الحافى» صار بينه وبين الرواية عداء سافر يشعر أنها تسحقه فيكتب غيرها ليقهرها فيكتشف أن القراء لا يزالون يسكنهم «الخبز الحافى» وانتهت حياته بعد أن قدمت السينما الرواية فى فيلم أخرجه الجزائرى «رشيد بن حاج» ومات قبل عرضه بينما عاشت رواية «الخبز الحافى».

كان الشاعر السودانى الراحل الهادى أدم الذى حقق شهرة عريضة فى العالم العربى قبل أكثر من 45 عاما يرفض أن يُلقى قصيدته «أغداً ألقاك» فى اللقاءات العامة أصبح معادياً لتلك القصيدة بعد أن غنتها أم كلثوم من تلحين محمد عبدالوهاب، كان يشعر أنه تم اختصار كل دواوينه فى عدد محدود من الأبيات الشعرية وكثيرا ما كان يغادر منصة أى حفل يدعى إليه لو أصر الحضور على أن يلقى إليهم «هذه ليلتى».

أتذكر أن الراحلة القديرة «سناء جميل» كثيراً ما كانت تعزف عن إجراء الحوارات الصحفية بسبب تكرار سؤالها عن دوريها نفيسة فى «بداية ونهاية» وحفيظة فى «الزوجة الثانية» كانت تشعر بألم نفسى عندما ترى بعض الزملاء يحاولون تكثيف مشوارها العظيم فقط فى نفيسة وحفيظة، وهو أيضا نفس ما عاناه حمدى أحمد بسبب دوره فى (القاهرة 30) محجوب عبدالدايم.

تجاوز النجاح يصبح أحياناً أصعب بكثير من مواجهة الفشل ولدينا نجوم كانت آفتهم هى النجاح وليس النسيان كما يقول أديبنا نجيب محفوظ «آفة حارتنا النسيان».. يبدو أن حارة المبدعين آفاتها هى أن الناس على العكس لا تريد أن تنسى. رحلت فيروز قبل أن تحتفل بعيد ميلادها 73 بأسابيع قليلة ولكننا لم نعترف سوى بالطفلة فيروز التى عاشت فى وجدان خمسة أجيال من الأطفال ولا تزال حية ترزق على كل شاشات الفضائيات!!

(خارج النص)

■ مهرجان الأقصر للسينما العربية والأوروبية يزدرى فاطمة ناعوت، لا يعلم الكثيرون أن فاطمة عضو مجلس إدارة فى مؤسسة (نون) التى تقيم المهرجان وأنها دائما توجه لها الدعوة لحضور الفعاليات، هذه المرة لم يكتفوا فقط بتجاهلها بل حرصوا على أن محو اسمها من كل النشرات حيث تذكر أسماء كل أعضاء (نون) ما عدا فاطمة، مأساة مصر الحقيقية ليست أبدا فى محام يقيم دعوى حسبة قضائية ضد كاتب أو مخرج حتى لو انتهى الأمر بحكم السجن، كانت وستظل المأساة فى أن قطاعا وافرا من المثقفين، قلوبهم مع فاطمة فقط فى أحاديثهم الخاصة بينما هم على استعداد لتقديم دمائها قربانا للنظام!

■ هذه هى المرة الأولى التى أسافر فيها بدون أن أطبع قبلة على خد أمى، قبلت صورتها وشعرت أنها تومض فى قلبى، لم تغادرنى أمى طالما لا يزال فى القلب نبض.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية