بدأت أمس رسمياً فى لاهاى أعمال المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، المكلفة بمحاكمة المتهمين فى اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى السابق رفيق الحريرى. وشدد الكندى دانيال بلمار، المدعى العام للمحكمة، على أن المحكمة «لن تكون مسيّسة»، ورفض بلمار الرد على أسئلة حول موعد إصدار قرارات اتهام، مذكراً بأن أمامه مهلة 60 يوماً اعتبارا من أمس ليطلب من السلطات اللبنانية نقل ملف التحقيق والمشتبه بهم الذين هم حاليا فى عهدة القضاء اللبنانى، وأضاف: «كما أتوقع لن يكون هناك قرار اتهام واحد، بل عدة قرارات اتهام».
وقبيل ساعات من انطلاق أعمال المحكمة. قال بلمار، إن الجرائم التى وقعت فى لبنان «لم ترتكبها أشباح بل أشخاص»، آملاً فى أن يتوجه كل من لديهم معلومات عن تلك الجرائم إلى المحكمة لتقديم إفاداتهم، متعهدا بضمان حمايتهم.
وأوضح بلمار لقناة «العربية» أنه سيتم تقديم طلب فى أسرع وقت ممكن إلى السلطات اللبنانية لتسلم الجنرالات اللبنانيين الـ4 المتشبه بهم فى قضية اغتيال الحريرى، مؤكدا أنه لا يشكك فى استجابة السلطات اللبنانية لهذا الطلب.
من جهته، صرح الناطق باسم المحكمة بيتر فوستر بأنه من المقرر وصول الأعضاء العاملين فى المحكمة- وعددهم 305- إلى مدينة لايدشندام فوربرج الهولندية خارج لاهاى فى غضون الأسابيع المقبلة. وأعرب مقرر المحكمة روبن فينسينت عن أمله أن تكون المحكمة كاملة الجاهزية ومستعدة لبدء عملها فى غضون عدة أشهر.
وكان الحريرى و22 آخرون قتلوا فى تفجير انتحارى بشاحنة فى بيروت ألقى ساسة لبنانيون مناهضون لسوريا، من بينهم ابنه سعد الحريرى، باللائمة فيه على دمشق، بينما تنفى سوريا التهم، فيما لم يعلن المحققون بعد اسم اى مشتبه به.
وكانت المحكمة الخاصة بلبنان أنشئت فى 10 يونيو 2007 بموجب قرار لمجلس الأمن الدولى. وأثار التقريران الأولان للجنة التحقيق حول اغتيال الحريرى ضجة كبرى، إذ أشارا إلى وجود «أدلة متقاطعة» على ضلوع مسؤولين سوريين ولبنانيين فى الجريمة، بينما أورد أحد التقريرين أسماء بعض المسؤولين، إلا أن النسخة التى تضمنت الأسماء ما لبثت أن سحبت من التداول.
جاء ذلك فيما أكد وزير العدل اللبنانى إبراهيم نجار أن المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريرى ستكون «مستقلة»، مؤكداً استعداد بلاده لتسليم الضباط الـ4 للمحكمة إذا طلبت ذلك. من جانبها، قالت نازك أرملة الحريرى لـ»العربية» إن المحكمة الخاصة باغتيال زوجها والاغتيالات الأخرى فى لبنان «ستأتى بالحقيقة وستنصف رفيق الحريرى ورفاقه».
من ناحيته، اعتبر رئيس الوزراء اللبنانى فؤاد السنيورة المحكمة «بداية جدية» لوضع حدٍ لمسلسل القتل المتمادى الذى كان يتم من دون عقاب، متعهداً باستمرار تعاون لبنان مع المحكمة والتزامها بأحكامها.
بينما انتقد حزب الله استمرار توقيف الضباط الـ4 فى ملف اغتيال الحريرى، معتبرا أنه «تعسفى».
ومن المقرر أن يناقش مجلس الوزراء اللبنانى فى جلسته المقررة الخميس المقبل، نص مذكرة التفاهم التى ستوقع بين الحكومة، ومكتب المدعى العام فى المحكمة الدولية. ونقلت صحيفة «النهار» عن مصادر وزارية قولها إن المذكرة وزعت فى الجلسة الأخيرة للمجلس، وتم إرجاء مناقشتها نزولا على طلب وزراء المعارضة، ومنهم ممثل حزب الله وزير العمل محمد فنيش الذى طلب إعطاء الوزراء الوقت الكافى لدراسة تفاصيل المذكرة قبل توقيعها.
وعلى صعيد الإجراءات الأمنية، أعلن القائد العام لقوات الأمن الداخلى اللواء أشرف ريفى أن كل الوحدات العاملة فى أعلى درجات الاستعداد قبل عقد جلسات المحكمة الدولية. ومن المتوقع أن تقتصر الجلسة الأولى على إعلان انطلاق المحاكمة، لتنطلق بعد ذلك ورشة إعداد قاعة المحكمة وتسلم الوثائق والتقارير الخاصة بالقضية وبدء نقل الشهود والمتهمين.
وبأسلوبها الحذر المعتاد، جاءت تعليقات سوريا فى أضيق الحدود، حيث لم تشر وسائل الإعلام السورية لموضوع المحكمة، كما أن جو الرقابة والحذر الذى يسود قطاعات كبيرة من المجتمع السورى لا يشهد تطرقا للقضية إلا فيما ندر، بيد أن وزير الخارجية السورى وليد المعلم اكتفى بالقول «إنها قضية لبنانية داخلية»، فيما قال محام مقرب من الحكومة السورية رفض ذكر اسمه، إن «سوريا شأن البلدان الأخرى شغوفة بمعرفة من قتل الحريرى».
وبموازاة ذلك، توافدت منذ صباح أمس وفود شعبية وشخصيات على ضريح الحريرى فى وسط بيروت، للمشاركة فى احتفال لمواكبة انطلاق المحكمة الخاصة بلبنان.
يأتى ذلك فيما يستأنف مؤتمر الحوار الوطنى اللبنانى جولاته اليوم، فى ظل انشغال الساحة السياسية بموضوع المحكمة الدولية.