x

جمال الجمل لو أن وطنك غرفة (ويندوز 3) جمال الجمل الأحد 31-01-2016 01:47


اللقطة الافتتاحية في فيلم room

(1)

كان يا ما كان، قبل أن أولد، كنتِ تبكين وتبكين، وأنت تشاهدين التلفزيون طوال اليوم، حتى تحولتِ إلى «زومبي»، حينها نزلت من السماء إلى الغرفة، عبر النافذة العليا، وسكنت بطنك، وكنت أركلك من الداخل، وبعد فترة قمت بالخروج وعيناي مفتوحتان، وأنتِ قطعتِ الحبل وقلتِ: مرحباً يا جاك

(2)

«جاك» طفل صغير يبلغ الخامسة هذا الصباح، ولد داخل جدران غرفة لم يخرج منها أبداً، ولا يعرف أن هناك عالماً آخر خارجها، فقد اختطف «نيك العجوز» فتاة اسمها «جوي»، وأنجب منها جاك في غرفة خفية لم تخرج منها منذ 7 سنوات، وليس فيها أية فتحات إلا باب مصفح يفتح برقم سري لا يعرفه إلا نيك، ونافذة صغيرة في السقف بنفس مساحة شاشة التليفزيون الموجود داخل الغرفة.

(3)

هذه الحبكة الغريبة هي موضوع فيلم «غرفة» المرشح لجوائز أوسكار هذا العام، والفيلم مأخوذ عن رواية للكاتبة الكندية من اصل أيرلندي «إيما دونيو»، التي استلهمت روايتها أصلا من عدة حوادث هزت العالم عن حوادث الاختفاء القسري، وهي قضية سنعود إليها بالتفصيل في مقالات لاحقة، لكن ما يعنيني الآن هو الربط بين نافذة السقف، وشاشة التليفزيون، فهما (بالإضافة إلى حكايات ونصائح الأم) نوافذ التعلم المادية الوحيدة في حياة الطفل الذي انكمش عالمه داخل حدود ومفردات هذه الغرفة الصغيرة، حتى أنه يبدأ يومه بتحية كل مافيها: «صباح الخير أيها المصباح، صباح الخير أيتها النبتة، صباح الخير ايتها السجادة، صباح الخير يا دولاب الملابس، صباح الخير أيها التلفزيون، صباح الخير أيها الحوض، صباح الخير أيها المرحاض، صباح الخير يا ثعبان البيض ( حيث كان يلضم مع أمه قشر البيض في خيط طويل تحول إلى لعبة مسلية أطلقا عليها «ثعبان البيض»).. صباح الخير جميعاً».. هكذا كانت الغرفة هي الوطن (room is home)

جوي وجاك مع "ثعبان البيض" – نحتاج إلى تاريخ ولو كان من القشر

(4)

طبعا لم يكن بالإمكان التفكير في رواية مثل هذه قبل ظهور التليفزيون، كنا سندخل في فاصل حضاري وزمني يأخذنا إلى جزيرة روبنسون كروزو وأجواء دراما الفاصل الزمني مثل «رسالة إلى الوالي»، فالطفل كان يطل على وجه العالم ومفرداته من خلال التليفزيون معتبرا أنه مجرد شكل فني لافرق بينه وبين رسوم الكارتون، وحكايات الأم عن «أليس في بلاد العجائب»، كما كان يطل على الزمن من خلال تعاقب الليل والنهار عبر النافذة الزجاجية في السقف، كانت نظرة جاك إلى سماءه المستطيلة وتأملاته فيها تذكرني بأجواء بأغنية «النجوم هي نوافذ السماء» التي أحبها بصوت الأخوة أميس، وكنت أتوقع أن أسمع موسيقاها، أو توظيف كلماتها في الحوار، وكلمات الأغنية حوار بريء بين طفلين، يسأل الأول عن النجوم التي تلمع الليلة في السماء بينما كانت أمس آفلة، فيقول الثاني: النجوم هي نوافذ السماء، حيث تطل الملائكة منها لتطمئن على الأطفال مثلي ومثلك.

(5)

كانت جوي طفلة تقريبا عندما تم اختطافها، فلم تكن قد تجاوز السابعة عشر، لكنها لم تفقد رغبتها في الحياة، ولما بلغ جاك الخامسة، كانت جوي قد قررت إشراكه في الكفاح من أجل الحرية، كان داك غاضبا لأن كعكة ميلاده بلا شموع كما يشاهد في التليفزيون، وهذا يعني أنها ليست كعكة ميلاد حقيقية، زلما حدثته أمه حدثته عن العالم الخارجي لم يستوعب ذلك وصرخ كاذبة كاذبة.. النار ستحرق ثوبك، وبدأت أمثلة التقريب من خلال التليفزيون حتى استطاع التعرف على الفرق بين الصورة الحقيقية للعالم الخارجي وبين رسوم الكارتون البعيدة عن الواقع، كما تناقشا بعنف عن ورقة شجر كانت عالقة فوق نافذة السقف، وقالت الأم: عمرك الآن خمسة أعوام، يعني أنت كبير بما يكفي لتفهم حقيقة العالم، يجب أن تفهم، لا يمكنك أن تستمر في العيش هكذا، عليك أن تساعدني لنتحرر من هذه الغرفة القذرة.

غضب الطفل أكثر، ودافع عن وطنه الوحيد: لا.. إنها ليست قذرة، هل يمكنني أن أعود لعمر الرابعة مرة أخرى؟

نظرت الأم إلى نافذة السقف، واهتدت إلى فكرة تناسب طفلها أكثر وسألته: هل تذكر كيف أن أليس لم تكن دائما في أرض العجائب؟، وأنها ذات مرة سقطت إلى أسفل وأسفل في عمق حفرة؟.. أنا أيضا سقطت إلى هنا ولم أكن في الغرفة منذ ولدت.. أنا مثل أليس... كنت فتاة صغيرة اسمي جوي، وكنت أعيش في منزل مع أمي وابي، وأنت كنت ستناديهما جدي وجدتي، المنزل كان في العالم، وكانت لدينا حديقة خلفية، وأرجوحة، كنا سنتأرجح أنا وأنت في الأرجوحة ونأكل المثلجات..

- قاطعها جاك: هل كان المنزل في التلفزيون؟

* الأم: لا يا جاك منزل حقيقي وليس في التلفزيون، أرجوك اسمع بقية القصة: كان عمري 17 عاما، كنت أسير عائدة إلى المنزل..

- وأنا أين كنت؟

* كنت لا تزال في السماء، حينما اعترض طريقي (نيك العجوز) وإدعى أن كلبه مريض ويحتاج إلى مساعدة، وخطفني وحبسني في هذه الغرفة من 7 سنوات.. هل تفهم؟

- هذه القصة مملة.

* هذه هي القصة التي أريد منك أن تفهمها الآن، يا جاك، العالم كبير جدا، لدرجة لا تصدقها، والغرفة مجرد جزء قذر منه

- جاك باكيا: الغرفة ليست قذرة..!

ولما أغفت أمه في الظهيرة نظر إلى الضوء المنساب من نافذة السقف وأخذ يشيد بالكائنات القليلة في عالمه الضيق الحميم، ويلعب من انعكاسات ظل النافذة على الحائط.

انعكاسات ظل النافذة على الحائط

وغدا نواصل

....................................................................

(طلة )

ليل ونافذة تضاء
تقول إنك تسهرين
أني أحسّك تهمسين
في ذلك الصمت المميت:
ألن تخف إلى لقاء؟

(السياب)

جمال الجمل

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية