x

أيمن الجندي حان وقت الصلاة أيمن الجندي السبت 30-01-2016 21:43


تلقيت من المهندسة العراقية المُقيمة بالقاهرة «ريم العبدلى» هذه القصة المؤلمة، التى تعبر عن مأساة أهلنا فى العراق، داعياً المولى عز وجل أن يرفع الغمة:

كيف لى أن أصف إحساس الموت البطىء حين يزور قلب امرأة. بدأ قرص الشمس يودع السماء حين همستْ له بذعر: «يجب أن نرحل الآن».

إنهم يدخلون البيوت، يقتلون الرجال، يستبيحون شرف النساء بأمر ما يدّعون أنه دينهم!

حملتْ رضيعها بين يديها، وخرج وراءها مُنكَّس الرأس يُمسك بيديه طفليه، كلاً فى يد.

بدأت الظلمة تنزل لتغطى المدينة المنكوبة. بدأوا بالمشى فى الحارات الضيقة حتى وصلوا إلى الشارع الرئيسى. نظرت إلى سلسلة الجبال البعيدة.

يجب أن تعبر هذه الجبال لتصل إلى الناحية الأخرى، تمشى بعدها عدة أميال حتى تدخل مدينة آمنة. عبروا الناحية الأخرى من الطريق. الشارع صامت تماما. والمدينة ميتة. لا لون غير الأسود.

سمعت أصواتا من بعيد. عرفت أنهم يجوبون المدينة يبحثون عن ضحايا جدد. بدأت تهرول وهى تحتضن وليدها، أصبحت كالمجنونة. تتطاير من عينيها دموع الجزع، فقدت أحد نعليها، لم يعد هناك وقت لتسترجعه، أصبحت تجرى حافية. وتحفز زوجها أن يُسرع. لا تلتفت للوراء. ليس هناك وقت لهذا. ولا تريد أيضا أن ترى مَن يطاردها.

فى اتجاه الجبل منطقة رمال، ثم منطقة عشب تؤلم قدمها الحافية. الظلام كان حالكا. اقتربت من بضعة بيوت طينية ومسجد صغير. لم يبق سوى أميال وتصل الجبل. استغرقوا ست ساعات دون توقف. أصبحت الثالثة صباحا، يجب أن تسابق الوقت لتصل إلى الجبل قبل الفجر. الدنيا صارت أكثر ظلمة حيث أحلك الساعات قبل الفجر. انعدمت الرؤية تماما سوى من فانوس معلق فى المسجد يضوى من بعيد.

وفجأة انتبهت أنها نسيت طفلها الذى تحتضنه بقوة. نسيت أن ترضعه. نسيت أنها تحمله أصلا. شعرت ببرودة قاسية بين يديها. قرَّبته لتسمع أنفاسه.

لا صوت..

تحسَّست صدره وجدته ساكنا. لا يعلو ولا يهبط. ليس فيه أى شىء يدل على الحياة. ولا تستطيع أن ترى وجهه فى الظلمة. حتى القمر بخل ببصيص من نور لترى ملامحه. هى السبب. نسيت أن تطعمه. ربما اختنق. مات. وقفت تصرخ دون صوت. حمله زوجها. لم تسمع إلا انسكاب الدمع على وجه طفله.

همس لها: «إنه ميت. لا يوجد متسع من الوقت لدفنه». أخذت تضرب على وجهها وتنتحب بصوت مختنق.

مشيا باتجاه النور الذى يضىء فى المسجد الصغير وهى تسحل نفسها سحلاً، حافية القدمين، تنضح الدماء من كعبها، لكنها لم تشعر بالألم. فالألم فى قلبها أكبر.

وصلا المسجد. قال للشيخ الكبير: «مات رضيعنا، ويجب أن نرحل قبل طلوع الشمس. إنهم يجوبون المدينة بحثا عن أى حى».

سكت الشيخ. استغرقه الحزن. قال زوجها: «سأرحل إلى الجبال وحين يأتى الصبح ادفن طفلنا قرب المسجد».

حمل الشيخ جثة الطفل كأنه ملاك نائم، وضعه فى زاوية، ووعدهما أنه سيدفنه صباحا.

اختفيا عن ناظريه فى اتجاه الجبل. ذهب الشيخ ليتفقد الوليد الميت، فإذا بعينيه مفتوحتان. وعليه علامات العطش والجوع. هرع ليجلب كأس ماء. سقاه. بدأ يصرخ. أحضر له قليلا من لبن. شربه بنهم. كان جائعاً برداناً مغشياً عليه ولم يكن ميتاً.

حمله الشيخ إلى الخارج وشرع يتأمل الفجر المنبثق. حان وقت الأذان. حَىّ على الصلاة. يا مسلمين تعالوا.

لكن المسلمين لم يأتوا..

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية