x

تهمة«ازدراء الأديان».. سيف فوق رقاب المبدعين وباب خلفي لـ«التطرف»

الخميس 28-01-2016 22:02 | كتب: وائل ممدوح, آيات الحبال |
إسلام البحيري إسلام البحيري تصوير : اخبار

«ازدراء الأديان» توصيف لفعل «مجرم» بحسب قانون العقوبات فى مادته رقم 98، التى تنص على معاقبة كل من يستغل الدين للترويج لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو التحقير أو الازدراء، بالحبس أو الغرامة، لكن الواقع يشير إلى أن المادة التى أدرجت لمواجهة تطرف الجماعات الإسلامية فى تحريضها ضد أصحاب الديانات المختلقة، باتت مصيدة لأدباء ومثقفين وباحثين، لمجرد تعبيرهم عن أفكار وآراء يرى فيها البعض تحقيراً وإساءة للأديان.

ورغم أن قانون العقوبات الحالى يعود إلى العام 1937، إلا أن الإضافة الخاصة بالمادة 98 كانت أدرجت فى عام 1982، لمنع تجريم استغلال الدين فى الترويج أو التحبيذ بالقول أو الكتابة، أو بأى وسيلة أخرى لأفكار متطرفة، بقصد إثارة الفتنة أو ازدراء دين سماوى أو طائفة من طوائفه، أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلم الاجتماعى، أما واقع الأمر فكان مخالفاً تماماً للسبب الذى وضع لأجله نص المادة، إذ حُمِّل المصطلح ما لا يحتمل، وبات تاريخ القضايا التى غيَّبت مفكرين وأدباء وباحثين خارج أوطانهم، ووضعت آخرين خلف أسوار السجن وفرقت بين أزواج وطاردت وكفّرت رموزاً تحت عنوان «ازدراء الأديان»، لم يتضمن حتى تعريفاً واضحاً لمفهوم «الازدراء»، بحيث لا يصطدم بالحق فى الحرية والتعبير عن الرأى الذى نصت عليه جميع الدساتير المصرية، وفقاً للمحامى الحقوقى حافظ أبوسعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان.

وأوضح أبوسعدة، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، أن الصياغة الفضفاضة لنص المادة 98 تفتح الباب أمام استخدامها خارج الإطار الذى تم تشريعها من أجله، وأضاف: «المادة أسىء استخدامها ليحاكم بموجبها مفكرون وأدباء وكتاب جاهروا بنشر أفكار رأى فيها البعض ازدراء للأديان، فى الوقت الذى لم يحاكم بموجبها أصحاب الأفكار المتطرفة الذين حرضوا على القتل والتخريب والتحقير من الديانات السماوية الأخرى».

وقال إن الاستخدام السيئ للمادة المعروفة إعلامياً باسم «قانون ازدراء الأديان» زاد من تعداد القضايا التى نظرتها المحاكم المصرية استناداً إليها، إلى الحد الذى صدر معه خلال الأسابيع القليلة الماضية حكمان بالحبس بحق الباحث والإعلامى إسلام بحيرى، والشاعرة فاطمة ناعوت، فى الوقت الذى ينظر فيه القضاء دعوى مماثلة، ضد المطرب الشعبى شعبان عبدالرحيم، وهو ما علق عليه أبوسعدة قائلاً: «اللى اتحاكم بالمادة دى إسلام بحيرى، وفاطمة ناعوت، ومن قبلهما فرج فودة ونصر حامد أبوزيد، وجميعهم من الكتاب والمفكرين، لكن اللى حرض ضد المسيحيين محدش حاكمه».

وحسب تقرير «حصار التفكير»، الصادر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فإن المشرع المصرى اعتبر نقد الأديان جريمة، واصفاً إياها تارة بالازدراء، وأخرى بالتحقير، سواء بقصد الإخلال بالسلم العام، أو بقصد الإهانة.

«المشرع عدد الجرائم المرتبطة بالتعبير عن الرأى فى مسائل دينية، فى عدد من مواد قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937، وهى المواد 98، و160، و161، وفقاً للتقرير نفسه، والذى أشار إلى أن هذه المواد اعتبرت جميعاً من مواد الجنح التى يعاقب عليها بالحبس، وهو ما يعتبر قيداً كبيراً على حرية التعبير عن المعتقد، ويؤكد على السياسة الجنائية التى يعتمدها المشرع المصرى، والتى تحمل عداءً صريحاً للحريات، وتعرب عن نزعة استبدادية وإرادة معاكسة لما يجب أن يكون عليه المجتمع الديمقراطى، حسب التقرير الذى وصف اختيار المشرع المصرى للعقوبات السالبة للحرية ومعالجة جرائم التعدى على الأديان بافتقاده مبدأ (الضرورة والتناسب)، باعتباره ضابطًا مركبًا لابد منه لتحديد التوازن فى مجال التجريم والعقاب، وبيان المصلحة المستهدفة من التجريم، حتى لا يصبح مجرد إيلام غير مبرر للأفراد، وهو ما يضع نصوص التجريم الخاصة بالتعدى على الأديان فى دائرة شبهة عدم الدستورية».

وقال إسحق إبراهيم، الباحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن معظم قضايا ازدراء الأديان تستند بشكل أساسى إلى 3 مواد من قانون العقوبات، هى المواد 98 و160 و161، مشيراً إلى أن المادة الأخيرة هى الأكثر استخداماً فى الدعاوى التى شهدتها المحاكم فى السنوات الماضية، وأوضح أنه فى كثير من الأحيان يضاف إلى المادة سالفة الذكر مواد أخرى متعلقة بالنشر أو إذاعة أخبار من شأنها تكدير السلم العام.

وأضاف إسحق: «الفكرة فى المواد الثلاث، خاصة المادة 98 أنها ذات صياغة فضفاضة وحمالة أوجه، فلفظ ازدراء غير معروف، ولم يوضح المشرع فيها حدود حرية الاعتقاد والتعبير وما يفرقها عن الازدراء». وقال الباحث المسؤول عن ملف حرية الدين والمعتقد فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن معظم مواد ازدراء الأديان الحالية فى قانون العقوبات مخالف للدستور، لأنها صادرت على حرية الرأى والتعبير التى أقرتها مواده، وأضاف: «ما تكشفه معظم الدعاوى أنها لا تستخدم لحماية الدين، وإنما لمعاقبة مواطنين على أفكارهم التى يمكن أى يرى فيها أى شخص إساءة للدين».

وأشار الباحث الحقوقى إلى أن آخر القضايا التى صدرت فيها أحكام بالإدانة ضد كل من الباحث إسلام بحيرى، والكاتبة فاطمة ناعوت، قضايا مبنية على آراء تم الإدلاء بها عن طريق النشر بالمخالفة للدستور، وقال: «إزاى يبقى الدستور مانع الحبس فى قضايا النشر وأنت بتحبس متهمين على خلفية قضايا لا يمكن تصنيفها إلا باعتبارها قضايا نشر؟».

وشدد على أن الأكثر خطورة من قضايا استهداف كتاب وإعلاميين تلك التى تستهدف أشخاصاً عاديين فى الأقاليم والصعيد، استناداً إلى نفس المواد، مشيراً إلى وجود عشرات القضايا التى لا تتوافر لمعظمها ظروف محاكمة عادلة، لخروجها من دائرة اهتمام وسائل الإعلام، وعدم حصول محامى المتهمين فيها على فرص عادلة للدفاع عنهم لأسباب مختلفة، مثل العادات والتقاليد والطبيعة المتحفظة لهذه المجتمعات، موضحاً تعرض محامى المنظمة لاعتداءات لفظية وبدنية خلال تصديهم للدفاع عن المتهمين فى بعض القضايا.

وتابع: «غالباً ما يحكم فى القضايا اللى تنظرها محاكم الأقاليم بالإدانة، بعكس القضايا التى تنظرها محاكم القاهرة، والتى ينتهى معظمها بالبراءة أو بقرار المحكمة عدم الاختصاص»، مستشهدا بقضايا اتهم فيها كل من الفنان عادل إمام، ورجل الأعمال نجيب ساويرس، والإعلاميين باسم يوسف وإبراهيم عيسى، بالتهمة نفسها، وقال إن جميع القضايا تم تحريكها بدعاوى مباشرة أو من خلال بلاغات للنائب العام، وانتهت بالبراءة، مشيراً إلى أن هناك اتجاهاً مختلفاً مع مثل هذه القضايا فى الفترة الأخيرة، ينتهى بالإدانة والحكم بحبس المتهمين مثل قضيتى إسلام بحيرى وفاطمة ناعوت، مبرراً سبب ذلك الاتجاه باتباع الدولة لنهج ونظام محافظ فى الفترة الأخيرة، على عكس ما يتم الإعلان عنه من مبادرات لتجديد الخطاب الدينى.

آلية تحريك دعاوى ازدراء الأديان تفتح المجال لتوسيع نطاق هذا النوع القضايا، من خلال دعاوى مباشرة أمام المحاكم المختصة، أو عن طريق بلاغات للنائب العام، من أى شخص يرى ارتكاب آخر جريمة ازدراء أديان، وهو ما أدى فى النهاية إلى نظر قضايا كالتى أدين على خلفيتها شاب قبطى من محافظة الدقهلية يدعى مايكل منير بشاى، بالسجن والغرامة، بعد نشره فيديو لحلقة من برنامج تليفزيونى ناقش فتوى «إرضاع الكبير»، عبر صفحته الشخصية بموقع «فيسبوك»، ما اعتبر ازدراء للدين الإسلامى.

وقضت محكمة الجنح الاقتصادية بالمنصورة على الشاب القبطى بالسجن سنة، وغرامة ألف جنيه، وعدم قبول الدعوى المدنية، وهو الحكم الذى خفف فيما بعد إلى السجن 6 أشهر.

ونبه الباحث إسحق إبراهيم إلى زيادة معدل القضايا المماثلة خلال السنوات الأخيرة، مشيراً إلى أن قضايا ازدراء الأديان المبنية على شكاوى فردية أو جماعية فى تصاعد مستمر منذ عام 2011، وقال إن عام 2015 شهد أكبر إجمالى لعدد قضايا ازدراء الأديان منذ قيام ثورة يناير. لافتا إلى أن الأمر يتطلب تعديلاً تشريعياً، يحد من الاستخدام غير المبرر لمثل هذا النوع من القضايا، وهو ما اتفق معه المحامى الحقوقى حافظ أبوسعدة، مؤكداً أن القانون فى حاجة إلى تعديل يتضمن تعريفاً واضحاً لمصطلح «ازدراء الأديان» وتحديداً للحالات التى تستحق التجريم بوضوح، مع غلق الباب أمام استخدامه فى دعاوى «الحسبة» التى يتم تحريكها من أى شخص يرى فى الإبداع والآراء الشخصية إساءة أو تحقيراً للديانات السماوية.

- «على المثقفين أن يقفوا أمام الهجمة ضد الفكر والتعبير، فهل يعقل أن يمنع الدستور المصرى الجديد الحبس قى قضايا النشر وتظل أحكام السجن بسبب الأفكار قائمة؟!»، هكذا بدأ الكاتب الصحفى صلاح عيسى تعليقه على حكم حبس الكاتبة فاطمة ناعوت 3 سنوات على خلفية اتهامها بازدراء الأديان.

وأشار إلى أن النص الخاص بازدراء الأديان، كان هدفه تجريم استخدام الإساءة للأديان بإثارة الفتن ولم يكن يتعلق بحرية الفكر والتعبير، وما يحدث حاليا هو تطبيق مادة قانونية فى غير ما خصصت له، وقال إنه بعد تراجع الأزهر عن رفع مثل هذه القضايا طبقا لبيان شيخ الأزهر الذى أكد فيه أن الفكر يرد عليه بالفكر وليس بالبلاغات، فأصبح من يقدم هذه البلاغات هم أصحاب مصالح ومن يحاول تشويه بعض الشخصيات، وطالب نقابة المحامين بالتصدى لمثل هذه البلاغات، التى تصادر على حرية الفكر والرأى.

وأبدى عيسى دهشته من أن تكون حيثيات الحكم على فاطمة ناعوت هى تكدير السلم العام، ما يوسع نطاق اتهامها ويعطى صورة سيئة للإسلام، بإظهار منتسبيه يسعون إلى تضيق الخناق على حرية الفكر والرأى.

مثقفون يرفضون المصطلح.. ويطالبون بتطبيق مواد الحريات فى الدستور
صلاح عيسى - صورة أرشيفية

«على المثقفين أن يقفوا أمام الهجمة ضد الفكر والتعبير فهل يعقل أن يمنع الدستور المصرى الجديد الحبس قى قضايا النشر وتظل هناك أحكام ضد الأفكار»، هذا ما قاله الكاتب الصحفى صلاح عيسى تعليقاً على الحكم بحبس الكاتبة فاطمة ناعوت 3 سنوات على خلفية اتهامها بازدراء الأديان.المزيد

أبرز المتهمين بـ«ازدراء الاديان»
إيناس الدغيدي - صورة أرشيفية

لم يتهم أو ترفع ضده قضايا، لكن تم تكفيره من قبل مشايخ الأزهر، بعد أن طالب بفصل الدين عن السياسة، وبسبب آرائه فى الشريعة الإسلامية، ما جعل جبهة علماء الأزهر تشن هجومًا شرسًا عليه وصل إلى حد إهدار دمه، واغتيل فى نهاية الأمر على يد متطرفين.المزيد

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية