رغم أن خطواتها الأولى بدأت فى ظل وجود العمالقة، فإن حضورها ولباقتها وثقتها بنفسها المؤسسة على الثقافة، جعلت منها عملاقة هى الأخرى رغم صغر السن، لتحاور وهى بعد فى مقتبل العشرين من عمرها، نجوم الفن والأدب والسياسة، دون أن تستحوذ على كاميرا، ولا أن تشوشر على ضيف. لتحتل مكانة تفتح لها الأبواب لقلوب الجماهير فتظل بالذاكرة حتى اليوم، رغم سنوات عملها التى لم تزد على سبع سنوات فى التليفزيون المصرى.
قدمت ليلى رستم العديد من البرامج، فى مقدمتها برنامج «نجمك المفضل»، الذى استضافت من خلاله ما يقرب من 150 شخصية، تنوعت ما بين الفن والسياسة والأدب.
من أبرز ضيوفها فى الفن كان الفنان أحمد رمزى، الذى لا يزال التليفزيون المصرى يذيع بعضاً من أجزاء حوارها معه عند الاحتفال بذكرى افتتاح ماسبيرو، كانت ليلى تجلس فى الاستوديو وبجوارها النجم الشاب يرتدى قميصا أبيض، فاتحاً أزراره كاشفاً عن صدره الذى كان يضع به سلسلة بها خرزة زرقاء، فتسأله: «لماذا ترتدى هذه الخرزة؟» فيجيب: «والله المدام هى اللى جابتها عشان بتخاف علىّ من الحسد»، وترد المذيعة الرائعة ساخرة بأدب: «يا ختى عليه».
وتجمع ليلى رستم فى حلقة أخرى بين عملاقى الغناء العربى عبد الحليم حافظ، وفريد الأطرش، ليتحدثا عما يثار حول وجود منافسة عنيفة بينهما، فتسمع فريد يقول: «والله أنا أكن لعبد الحليم كل الحب ولا توجد منافسة بينى وبينه، لأن هناك اختلافا بين ما يقدمه كل منا»، فيرد العندليب: «طبعاً ما فيش مجال للمنافسة لأن الأستاذ فريد من الجيل اللى قبلى»، فتسارع ليلى لتخفيف الجو، قائلة إن كليهما نجم له مكانه فى قلوب الجماهير.
وفى نجمك المفضل تستضيف عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، لتتناقش معه بحالة من ثراء الفكر، وتزيد على الحلقة بهاءً بدعوتها شباب الأدباء، الذين صاروا فيما بعد رموز الأدب فى مصر والعالم العربى، ليحاوروا العميد معها، وكان فى مقدمتهم، عبدالرحمن الشرقاوى ونجيب محفوظ وأنيس منصور. ولعل هذه الحلقة من أمتع ما تمتلك مكتبة التليفزيون لأديبنا طه حسين، وتعد من كنوز التراث التليفزيونى.
أما انطباعها الشخصى عن عميد الأدب العربى، فهو أنه لم يقل إلا القليل من الذى كان يفكر فيه. هناك أيضاً حلقة عباس العقاد الذى تحترمه كعبقرى، وتعشقه كمفكر، ولا تتفق معه فى نظرته للمرأة، وتلتقى نجيب محفوظ فيتحاور معها أمام الجماهير، فتصفه بأنه الأديب الذى نجح فى فهم طبيعة الشخصية المصرية وتحليلها نفسيا بأسلوب عالمى. وتلتقى الزعيمة الهندية أنديرا غاندى، خلال زيارة لها لمصر، فتصفها بأنها زعيمة بسيطة لا تشعرك بالفارق عند الحديث معها.
وتتنقل ليلى رستم بين النجوم تحاورهم وتدع الجماهير تسألهم، وتستمع للإجابة، متقدة الذهن، فلا تفوت شاردة ولا واردة إلا وتسأل فيها. وعندما تشاهد حلقات «نجمك المفضل»، تتيقن من أن هذا العصر لم يكن عصر عشق الكاميرا للمذيعات، فالضيف هو البطل الأول، والكاميرا تركز على النجم.
من بين ذكريات ليلى رستم عن فترة عملها فى التليفزيون المصرى، تلك الحلقة التى قدمتها مع عدد من العلماء الألمان الذين نجوا من حوادث الطرود المفخخة التى تسلمها عدد من أقرانهم العاملين معهم فى مشروع إقامة حائط الصواريخ فى مصر فى الستينيات، وهى الحوادث التى تبين فيما بعد أنها بتدبير جاسوس ألمانى كان يعمل لحساب الموساد، وبعد إذاعة الحلقة، تسلمت ليلى رستم برقية وجدت بها تحذيراً من فتح أى طرد يرسل لها، وهو ما دأبت عليه إلى الحد الذى كانت ترفض فيه استلام أى طرود أو فتحها إلا بصعوبة.
«الإعلام السلطوى» توصيف لا تنكره ليلى رستم عن إعلام فترة الستينيات، مؤكدة أنه كانت هناك برامج موجهة تخدم الفكر السياسى للبلد وقتها وهو ما كانت ترفضه، إلا أنها اضطرت إلى التعامل معه. لكنها فى ذات الوقت لا تخفى إعجابها بعبد الناصر الذى تراه زعيما قلما يجود به الزمان، مشيرة إلى لقائها به مرة واحدة فى حفل زفاف ابنة عبد اللطيف بغدادى، لتكتشف من خلال الحديث معه عمق فكره وتواضع خلقه، كما تقول.
فى نهاية الستينيات بدأت مرحلة جديدة فى تاريخ ليلى رستم المهنى، عندما بدأت العمل فى تليفزيون بيروت أثناء إقامتها بها، لتقدم العديد من البرامج المهمة منها «سهرة مع الماضى»، و«بين الحقيقة والخيال» و«محاكمات أدبية».
ولا تنسى ليلى رستم فيما قدمته من حلقات فى برنامجها «سهرة مع الماضى»، لقاءها مع الزعيم اللبنانى كمال جنبلاط، الذى تصفه بقولها: «هناك أشخاص يكون حجمهم اكبر من بلادهم، وبالتالى يكون مصيرهم الاغتيال». وتؤكد ليلى رستم أن جنبلاط كان من كبار المثقفين إلى حد أنه لو حاول العالم اختيار أفضل عشرة مثقفين، لكان لابد أن يكون كمال جنبلاط واحدا منهم.
من بين حلقات «سهرة مع الماضى» التى أثارت الجدل، حلقة أعدتها وقدمتها عن مقتل السياسى اللبنانى رياض الصلح، الذى اغتيل عام 1951، وتحدثت فيها مع ابنته علياء، والدة الأمير الوليد بن طلال، التى هاجمت البرلمان والحكومة اللبنانية والقوانين التى أصدرتها، بشدة فى الحلقة، ولم تكتف بذلك بل وصفت البرلمان بقولها «إنه حظيرة أولاد الأكابر». فقامت الدنيا ولم تقعد، وتقرر وقف البرنامج، وحظر ظهور علياء الصلح، مرة أخرى فى برامج تليفزيونية.
فى عام 1980 عادت ليلى رستم إلى القاهرة، والتليفزيون المصرى وسط حفاوة بالغة من الجميع وقدمت وقتها برنامج «قمم»، الذى استضافت من خلاله شخصيات من رموز المجتمع المصرى من بينهم الدكتور مصطفى محمود ويوسف بك وهبى.
إلا أن البرنامج خضع لرقابة مشددة من قبل التليفزيون، مما دعاها إلى التصريح فى أحد الحوارات الصحفية معها، بأن ما شاهده الناس مجرد تقطيع مونتاج لا علاقة له بما قدمته هى فى الحلقات، مؤكدة على حذف العديد من الأسئلة والأجزاء المهمة، التى أجريت مع الضيوف.