لا أرى منطقا فيما يفعله الممثل الأسمر ويل سميث من مقاطعة حفل توزيع جوائز الأوسكار لأن المرشحين ليس من بينهم سود، فلا يفترض في هذه الجائزة أن تكون لها «كوتا» مبنية على أساس عنصري، فمعيار الجودة في فن السينما هو الفيصل الوحيد، أو هكذا يفترض إذا ما استبعد التمييز الإيجابي لصالح السود.
ولا أتفهم أيضا الضغط الجماهيري من أجل حصول ليوناردو دي كابريو على جائزة أوسكار هذا العام، على الرغم من أنه أدى دورا جيدا في فيلمه كعائد من الحياة، وتحمل في ظروف تصويره الكثير من المعاناة التي لا يتصدى لها إلا ممثل مخلص لفنه.
لكن دي كابريو بالتأكيد قدم فيما مضى أدوارا أفضل بكثير من هذا الدور، ولو كان يستحق جائزة لاستحقها عن أدوار سابقة على دور العائد للحياة، وعلى أي حال لا أرى أن يأتي الحصول على جوائز الأوسكار على سبيل الترضية وجبر الخواطر، وإنما أيضا على أساس الجودة الفنية المجردة من أي اعتبارات غير قياسية.
لكن قوة الضغط الإنساني والأخلاقي التي استخدمها ويل سميث في الحالة الأولى، وقوة الضغط الشعبي التي يستفيد منها دي كابريو في الحالة الثانية أقوى بكثير من القدرة على تجاهلها، فهي قوة من النوع الذي ينشئ حقوقا من العدم ولو لم يكن لها أساس.
فرغم سلامة موقف لجنة الأكاديمية في انتقاء مرشحين على أسس فنية، لا يمكن لها أن تواجه الجدل الذي يطرحه سميث، لأنها حينها ستواجه موجة أكبر من التعاطف مع جدله من شأنها أن تحول اللجنة إلى سيد أبيض يجلد ظهور العبيد السود في مزارع القطن في فيرجينيا، وتحول المبدعين السود إلى عبيد لم تحررهم تعديلات الدستور ولا القوانين ولا أحكام الصناعة الجائرة.
ولو لم تمنح اللجنة جائزة لليوناردو دي كابريو، لوضعت نفسها في مواجهة مع الضغط الجماهيري الذي رغم أنه بنى حكمه على أساس عاطفي بحت، فهو على صواب بحكم القوة التي يملك أن يفرضها على صفحات التواصل الاجتماعي، ولو على حساب المعايير الفنية.
وهكذا، لا يدور الحق مع دورات العاطفة ولا مع دورات الغلبة الجماهيرية دائما، لكن من قال إن الحق هو الفيصل دائما؟
نحن في زمان يملك الحق فيه من يملك القوة على السوشيال ميديا، ومن يملك القدرة على حشد المتعاطفين أكثر من غيره، وليذهب الحق المطلق المجرد الذي أهدر الفلاسفة أعمارهم في تعريفه إلى الجحيم، ما دام أصحاب الحقوق وأنصارهم يخشون مواجهة الحق الغالب بصحيحه وصوابه الذي يظل صحيحا وصوابا ولو اختلف عليه الجميع، ولو اتفق الجميع على نقيضه.
أرى ألا تلتفت لجنة الأوسكار للضغط الذي يفرضه ويل سميث، ولا للضغط الذي يثيره أنصار دي كابريو، وأن تمضي في طريقها لفرض معايير فنية مطلقة لا تخضع لا لهذا ولا لذاك، وإنما تخضع لما يصلح الفن ويعلي من شأنه.
وإذ بقيت في هذا المقال مائة كلمة وقد انتهى كل ما يمكن أن أقوله عن أزمة ويل سميث ودي كابريو في جوائز الأوسكار هذا العام، فلا بأس أن أملأ ما تبقى من المقال الذي حاولت فيه قدر الإمكان الابتعاد عن الكلام عن ذكرى ثورة يناير خشية التورط مع الحق في مواجهة الصوت العالي للأغلبية التي تملك منابر الكلام على السوشيال ميديا، بكلام أقل أهمية واتصالا مما سبق بما سبق.
فقد زرت هذا الأسبوع متحف الحيوان في حدائق حيوان الجيزة، ووجدته مثالا رائعا على العمل الجاد في صمت، فهو متحف على مستوى عالمي يحوي آلافا من الحيوانات المحنطة والآثار الحيوانية النادرة، وبعد سنوات من إغلاقه وإهماله تم تجديده وأعيد افتتاحه قبل افتتاح قناة السويس الجديدة بأيام، وأدعو كل مهتم أن يستغل أيام الإجازات في زيارته لما فيه من فائدة ومتعة.