x

الجيش والثورة.. يد تحمل السلاح ويد تبنى الاقتصاد

آليات القوات المسلحة ظهرت فى الشوارع مساء «جمعة الغضب» لحماية المتظاهرين بـ«يسقط مبارك»
الأحد 24-01-2016 20:00 | كتب: داليا عثمان |
المتظاهرون فى ميدان التحرير يوجهون التحية لرجال القوات المسلحة «صورة أرشيفية» المتظاهرون فى ميدان التحرير يوجهون التحية لرجال القوات المسلحة «صورة أرشيفية» تصوير : محمد حسام الدين

تقترب عقارب الساعة من السادسة مساء يوم 28 يناير 2011، أحداث كثيرة تدور فى معظم شوارع المحافظات، تقف «القاهرة» والسويس والإسكندرية على رأسها، شباب يهتفون ويطالبون ويفرون من قنابل مسيلة للدموع ويهرولون لإنقاذ رفقاء «الثورة».. يصدر البيان «نزول الدبابات.. وحظر التجوال».. يهتف الجميع ولسان حالهم يقول:«إذن إنها حماية الجيش»، ليعلن بصوت عال «الجيش والشعب إيد واحدة».

نزول دبابات القوات المسلحة إلى شوارع مصر المختلفة لحماية شعب ثائر، مشهد راسخ فى الأذهان، لن يُمحى بمرور الزمن، «يسقط مبارك».. كلمتان كانتا على معظم الدبابات، سطرهما أبناء مصر، وهم متأكدون أنهم فى حماية جيشهم العظيم، منذ ذلك التاريخ وحتى الآن، نحو 1820 يوما، لم يترك الجيش الميدان، من حماية للثورة وحتى إطلاق مشروعات اقتصادية ضخمة حماية للدولة.

ملامح يوم 28 يناير «والمعروف بجمعة الغضب» جميعها كانت تشير إلى أن هذا المشهد واقع لا محالة، خاصة أن المشير حسين طنطاوى، وزير الدفاع وقتها، كان حريصا دائما على إعداد القوات المسلحة، وقبل 28 يناير، حرص على إعطاء توجيهات لكافة الجيوش والمناطق والأفرع الرئيسية للقوات المسلحة أن تكون على أعلى درجات الاستعداد والكفاءة.

ومع غروب شمس هذا اليوم، نزل الجيش، لتأمين المنشآت والأهداف الحيوية وأولها كان القصر الرئاسى بالعروبة، ثم انتشرت المدرعات لتأمين مبنى الإذاعة والتليفزيون، والوزارات، وهو ما لاقى ترحيبا شعبيا ضخما، وجاء نزول الجيش بهدف تأييد المطلب الشعبى وإدارة شؤون البلاد، خلال مرحلة انتقالية ومساندة جميع أجهزة الدولة فى تنفيذ التحول الديمقراطى.

القوات المسلحة اختارت الانحياز للشعب لتصبح جزءا أصيلا من الثورة ودعم تطلعات شعب مصر، وهو مبدأ رسخه الجيش مع الشعب منذ الوهلة الأولى، رغم محاولات التشكيك المستمرة ضد الجيش، وظل هذا المبدأ راسخا منذ نزول الجيش فى 28 يناير، مرورا بالمرحلة الانتقالية ثم عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى، وصولا إلى ثورة 30 يونيو، ووجود مرحلة انتقالية ثم انتخاب رئيس منتخب بإرادة شعبية وهو الرئيس عبدالفتاح السيسى.

على الرغم من عودة الجيش لثكناته بانتخاب رئيس مدنى منتخب عقب ثورة 30 يونيو، إلا أنه حرص على تحقيق التنمية فى البلاد وحماية الحدود الاستراتيجية للبلاد ترسيخا لمبدأ «يد تبنى ويد تحمل السلاح » ووفاءً بالعهد لشعبه بالتضحية من أجل الوطن.

«إن القوات المسلحة ملك الشعب المصرى وجزء منه ومهمتها حماية وتأمين الدولة، ومما لا شك فيه أن التاريخ سجل بكل الفخر والإعزاز كل ما قامت به القوات المسلحة المصرية».. بهذه الكلمات أكد أحد القيادات العسكرية آنذاك بصفة شخصية للمحررة العسكرية بـ«المصرى اليوم»، مؤكدا أن التاريخ سيسجل تلك الفترة ومدى حرص الجيش على حماية الشعب وتلبية مطالبه بالتزامن مع تحقيق التنمية للبلاد.

قامت القوات المسلحة بالعديد من الأعمال فى الشارع المصرى وحمايته من الانهيار وتمثلت الأعمال الرئيسية فى: انتشار التشكيلات والوحدات الفرعية بالميادين والمناطق المهمة بمحافظات ومدن الجمهورية، وتأمين أهداف السيطرة القومية والأهداف الحيوية والمنشآت المهمة والسفارات العربية والأجنبية، والأماكن الأثرية، إضافة إلى تأمين معسكرات الأمن المركزى والسجون المدنية ومديريات الأمن والتجمعات السكانية والتجارية والمخازن الأثرية والمدن الجديدة، فضلا عن العمل على احتواء المتظاهرين والتواصل معهم، وتأمين نقل وتوزيع الأموال من البنك المركزى إلى البنوك الفرعية بالمحافظات، والمدن براً وجواً، ومعاونة القطاع المدنى فى توفير ونقل السلع التموينية والمواد الغذائية.

وقد أكد ذلك البيان العسكرى الأول الصادر بتاريخ الأول من فبراير 2011، الذى أعلن فيه تفهمه لطلبات الثوار وتأييده الكامل لهذه الطلبات، وتعهده بعدم إطلاق النار على صدورهم، وأن واجبه هو حمايتهم، لذلك قام بالتأكد من انتظام عمل القطاعات والمنشآت الخدمية.

وأكدت مصادر عسكرية أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قام بإدارة شؤون البلاد فى كافة المجالات سعياً لاستقرار الدولة، وكان الهدف الأساسى للمجلس منذ الوهلة الأولى، هو تحقيق الاستقرار للدولة والعبور بها من تلك الفترة للوصول إلى تحقيق التنمية من أجل الحفاظ على الوطن فى ظل وجود مؤامرات، ومازالت موجودة حتى الآن للنيل من استقرار الوطن ووحدة شعبه، لكن الرهان الحقيقى هو الشعب وتحقيق التنمية.

وقالت المصادر، لـ«المصرى اليوم»: «لم يكن الجيش أبداً أداة قهر فى يد أى حاكم ضد شعب مصر، بل إن انتماءه الكامل لشعب مصر وترابها محافظاً عليها ومدافعاً عنها وعن الحق العربى، ومع قيام ثورة 25 يناير تفاعل معها بل أصبح جزءاً منها وأعلن ثوابته منذ البداية أنه يؤازرها ويدعم مطالبها»، مشيرا إلى أنه منذ اليوم الأول لنزول القوات المسلحة إلى الشارع بعد اندلاع ثورة 25 يناير، انحازت القوات المسلحة إلى جموع الثوار وقامت بتأمينهم والانضمام إليهم، واستجابت القوات المسلحة، متمثلة فى مجلسها العسكرى، لمطالب الشعب والشارع المصرى فى القبض على رموز النظام السابق ومسؤولى الفساد.

وأشارت المصادر إلى أهداف الثورة التى حققتها القوات المسلحة، وهى: الممارسة الديمقراطية للحياة السياسية الجديدة فى البلاد واستجابت القوات المسلحة ممثلة فى مجلسها العسكرى فى تحقيق هذا الهدف بأن وضعت نظاماً جديداً مُبسطاً لتشكيل وإنشاء الأحزاب الجديدة بلا تعقيدات بيروقراطية كما كانت من قبل، كما تم انتخاب أعضاء مجلس الشعب بديمقراطية لم يسبق لها مثيل تحت رعاية القوات المسلحة، وتم استكمال تنفيذ انتخابات مجلس الشورى، ثم رئاسة الجمهورية، طبقاً للخطة الزمنية الموضوعة لهذا الغرض وطبقاً لتوقيتاتها المحددة، فضلا عن استجابتها للعديد من المطالب الأخرى والتى كانت ضمن قائمة طالب بها الثوار والشعب المصرى.

وقالت المصادر: «غالبا ما تواجه الثورة تحديات وعقبات قد تعصف بها، فلولا كثيرا من الحكمة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، لفشلت الثورة فى تحقيق أهدافها فكانت التحديات متمثلة فى: التحديات السياسية والاجتماعية فكلاهما يؤدى إلى الآخر، والتحديات الموروثة من النظام السابق وهى تتعلق بظروف الفقر والبطالة وغيرهما من المشكلات الاجتماعية».

وأضافت: «كانت هناك تحديات مرتبطة بالمشكلات المستجدة مثل مشكلات العنف والبلطجة والمطالب الفئوية، وهى بالطبع ليست مشكلات مقطوعة الصلة بالمشكلات الموروثة، حيث كادت الفوضى أن تنتشر أيام الثورة لولا القوات المسلحة التى أخذت على عاتقها حماية الشعب وممتلكاته وحمايـة الممتلكات العامة وتصديها للخارجين على القانون».

واعتبرت المصادر أن التحديات الاقتصادية التى واجهتها القوات المسلحة، كانت «الميراث الاقتصادى السلبى» الذى نتج من ثلاثة عقود لحكم الرئيس الأسبق، والمتمثلة فى عجز مزمن بالميزان التجارى والموازنة العامة وفجوة مستمرة ما بين معدل الاستثمار والادخار، وانعكست تلك الأوضاع على تراجع معدلات الإنتاج المحلى للاستهلاك وتزايد معدلات الاستيراد، مما زاد من نفوذ لوبى المستوردين الذين احتموا بأداة الحكم لتكوين احتكارات فى ‏العديد من السلع الرئيسية.

وأوضحت أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة سعى آنذاك لعلاج تلك التحديات من خلال عدة سبل، منها وضع رؤية اقتصادية ذات أهداف معينة خلال فترة زمنية معروفة، وأولويات محددة شارك فى صنعها متخصصون من المجالات الاقتصادية المختلفة ترتكز على أساسيات معينة.

وشددت المصادر على أن القيادة العامة للقوات المسلحة اتخذت عدة إجراءات للمعاونة فى التنمية الشاملة للدولة ودعم الاقتصاد، وخاصة بعد ثورة 25 يناير، منها: قيام جهاز الخدمة الوطنية للقوات المسلحة بتوفير رغيف العيش والسلع التموينية (بأفران ومنافذ البيع للقوات المسلحة) فى شتى محافظات الجمهورية، ودعم الاقتصاد المصرى بإمداد البنك المركزى بقيمة 2 مليار دولار، لتحسين الاقتصاد المصرى والمعاونة فى التنمية الزراعية والحيوانية بإنشاء العديد من المزارع النباتية والحيوانية، والمعاونة فى حل مشكلة البطالة بإنشاء عدد من المصانع تستوعب عددا كبيرا من الشباب، والمساهمة بمليارى جنيه للمعاونة فى حل المشكلة السكنية وإنشاء عدد من المدن السكنية، ودراسة مطالب الأسواق الخارجية من السلع وتوفير مقومات التسويق والترويج لخدمات الصادرات الزراعية.

وأكملت: «ساهمنا فى العديد من مشروعات التنمية التى يتم تنفيذها بصفة خاصة فى مجال البنية الأساسية للدولة، لتشجيع الاستثمار الخارجى والداخلى، حيث تقوم بتنفيذ العديد من المشروعات، وهذا ليس على حساب الكفاءة القتالية للقوات المسلحة، وإنما تعتمد فى تنفيذ المشروعات على القطاع المدنى، وتتم تحت إشرافها لضمان دقة المواصفات المطلوبة، وكذا الالتزام بالخطة الزمنية للتنفيذ، وتتم مشاركة العديد من هيئات وإدارات القوات المسلحة لتنفيذ المشروعات التى تخدم الدولة».

وأكدت المصادر أن مشاركة القوات المسلحة فى تحقيق أهداف الثورة ينبع من كونها واحدة من أقوى مراكز الثقل فى بناء الأمة وبالتالى فإن أداءها لمهامها لا يعرف الفشل أو التقصير، وذلك انطلاقاً من ثقافة راسخة هى (النصر أو الشهادة)، وقال: «إن تداعيات الأعوام السابقة من عمر الثورة تؤكد أن القوات المسلحة لم ولن تكون أداة فى يد أحد بقدر ما هى رهن إشارة شعبها بكل فئاته سلماً وحرباً تؤدى واجبها دفاعاً عن الشرف والوطن كعهد العالم بأسره».

ولفتت المصادر إلى أن القوات المسلحة شريكة مع الحكومة المعينة تدعمها وتؤازرها فى مهامها حتى عبور المراحل الانتقالية التى مرت بها مصر إبان ثورتى 25 يناير و30 يونيو، وتحقيق الاستقرار المنشود، فهى ليست طامعة أو متطلعة للسلطة، وإن موقعها الدائم هو الدفاع عن أمن مصر القومى.

إن القوات المسلحة ظلت حريصة على تحقيق الاستقرار المنشود حتى الانتخابات الرئاسية الأولى، حيث سلمت الرئيس المعزول محمد مرسى إدارة شؤون البلاد فى 30 يونيو 2012، بالهايكستب وسط حضور العديد من قادة القوات المسلحة والعديد من الرموز السياسية، وقامت بتقديم النصح المتعدد للرئيس الأسبق محمد مرسى بضرورة الوقوف مع الشعب المصرى بأكمله، وعدم الانصياع وراء مكتب إرشاد جماعة الإخوان، ووقفت القوات المسلحة داعمة للحكومة آنذاك بعد محاولات مريبة من قبل الجماعة، إلى أن قامت الثورة الشعبية الثانية فى 30 يونيو 2013 واستدعى الشعب، جيشه مجددا، الذى وقف حاميا الإرادة الشعبية ومطالبها، واجتمع مع القوى الوطنية فى ذلك الوقت، وقام وزير الدفاع آنذاك الفريق أول عبدالفتاح السيسى، بالإعلان عن مطالب القوى الوطنية وأعطى للرئيس الأسبق مهلة لترك السلطة إلا أنه لم يستجب وبالتالى خرج القرار بعزله.

وأكدت المصادر أن القوات المسلحة حرصت على التعاون مع الشرطة المدنية لتوفير الأمن والأمان فى البلاد، لاستكمال عمليات مكافحة الإرهاب بسيناء، التى وقف ضدها الرئيس المعزول مرسى، وحمى الجيش خارطة الطريق التى وضعها المجس الأعلى للقوات المسلحة بعد اجتماع القوى الوطنية، وقام بتأمين الانتخابات الرئاسية، التى فاز بها الرئيس عبدالفتاح السيسى بإرادة شعبية عام 2014، وبالتزامن مع ذلك كان لدى القوات المسلحة رؤية متكاملة لمساهمة مع الدولة فى مشروعات التنمية ووسائل تحقيقها، والتى تكاملت مع الرؤية التى تبناها الرئيس عبدالفتاح السيسى، المطالب دائما بتنفيذ المشروعات التنموية التى يستفيد منها الشعب، بأقل تكلفة وفى أقل وقت، نظرا للأوضاع الاقتصادية الصعبة التى كانت تمر بها مصر.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية