x

وليد الشارود كتاب من «الدنا» وليد الشارود الأحد 24-01-2016 16:35


لا غرابه في أن تذهب إلى المكتبة لتلتقط كتاباً من على أرففها لتقرأه، كذلك فلن يستهجنك أحد إذا ذهبت إلى الثلاجة لتأخد منها شيئاً لتأكله أو تشربه، إلا أن المنطق السليم لا يدفعك إلى أن تفتح الثلاجة لتلتقط منها شيئاً لتقرأه!! ربما قد يصبح من المعتاد فعل ذلك خلال السنوات القليلة المقبلة إذا ما استجاب العالم للأفكار العجيبة والمذهلة التي ينتجها علماء يستمتعون ببرمجة الجينات بدلاً من برجمة شرائح الكمبيوتر.

من هذه الأفكار تحويل الكتب من صورتها الورقية أو الالكترونية التي إعتدنا عليها إلى صورة «جينية» يتم فيها تحويل الكلمات والجمل والصور والرسوم التخطيطية إلى شفرات على جزئ الدنا (DNA) الشهير والذي يحمل جينات الإنسان وغيره من الكائنات الحية، بهذه الطريقة فإن الكتاب يتم حفظه في أنبوبه يتم وضعها في الثلاجة أو الفريزر لحين الحاجة إلى قراءته.

هذا الاكتشاف يعكس إمكانية إستخدام «الدنا» كوسيلة لحفظ المعلومات إعتماداً على إمكانية تشفيره وهو أمر غير مستغرب حيث أن هذه هي فلسفة «الدنا» في حمل الجينات، فهو يتكون من أربعة مركبات أساسية تسمي بالقواعد النيوكلوتيدية ونرمز لها بالأحرف Aو Tو G وC، وتختلف الجينات عن بعضها البعض في عدد ما تحتويه من هذه القواعد وفي طريقة ترتيبها وراء بعضها البعض في كل جين، وكذلك الكمبيوتر الذي يتم فيه تشفير الكلمات والأرقام في صورة تتابعات من رقمين 0 و1، وما فعله صاحب إبتكار تحويل الكتاب إلى «دنا» وهو البروفسيور «جورج تشرش» من جامعة هارفارد هو أن قام بتحويل الصورة الالكترونية للكتاب والمكونه من هذه الشفرة الرقمية إلى شفرة جينية من قواعد نيوكلوتيدية، وإستخدم ذلك في إنتاج 70 بليون نسخة «جينية» من كتابه «إعادة الخلق» (Regenesis).

لو تأملنا هذا الاكتشاف من زاوية أخرى، فإننا قد نستدل منه على أن الخلية الحية تعمل كجهاز كمبيوتر توجد شفراته على «الدنا»، وهو الأمر الذي عالجه البروفسور «دنيس بري» من جامعة كامبرديح في كتابه «البرمجية المبتله» (Wetware) والذي وجد صعوبة بالغة في اقناع دور النشر بقبوله ونشره حيث أن بعض الخبراء ظنوا أن به الكثير من المبالغة في أن الخلية وما بها من جزيئات مثل «الدنا» تعمل كبرمجيات أو سوفت وير داخل البيئة المبتلة بالخلية، إلا أن هذا الظن قد تجاوزته بخطوات بعيدة الأفكار المبدعة لعلماء قاموا بمزج خبراتهم في علوم الكمبيوتر مع علوم البيولوجيا والوارثة، حيث يقومون بإستخدام الدنا في أعمال الكمبيوتر (DNA computing) لكي يقوم بحل مشكلات رياضية عميقة، أو أداء عمليات حسابية بسيطة مثل حساب الجزر التربيعي للأرقام، أو القيام بتشخيص السرطان وإعطاء علاج مناسب له، بل أن هؤلاء العلماء عادوا أطفالاً ليمرحوا مع الدنا في لعبة الأورجامي الشهيرة، حيث يستخدمون جزيئات الدنا في صنع أنابيب وأشكال نانونية الحجم ويتوقعون إستخدامها في تطبيقات متنوعة في الطب والصناعة.

أبرز العلماء الباحثين في كمبيوتر الدنا يعملون بمعهد وايزمان بإسرائيل والبعض منهم أنتقل إلى معاهد علمية بأوربا لمواصله أبحاثهم، وذلك بالإضافة إلى باحثين أخرين في الجامعات والمراكز البحثية الأمريكية، ونحن في مطالع عام جديد يحدونا الأمل بأن يشارك العلماء المصريون والعرب في هذا المرح العلمي المفيد.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية