x

اسلخوا جودت الملط

الجمعة 27-02-2009 00:00 |

أعرف، وأنتم أيضا تعرفون، أن الجهاز المركزى للمحاسبات مهدد بالزوال، وأنا على يقين بأن دوره سيتقلص فى السنوات المقبلة، فغضب أحمد عز ليس سهلا، وفضح الحكومة ليس أمراً هيناً، وطلقات جودت الملط أصابت القلوب وهزت مقاعد، أبت طوال سنوات على الاهتزاز، حتى الزلازل لم تحركها.

فالمُشرع أو البرلمان الذى ألغى جهاز المدعى العام الاشتراكى، وجعل الإشراف القضائى على الانتخابات شكليا، ووضع مواد دستورية تجعل الرئاسة تسير فى اتجاه واحد، مازال موجودا وقادراً على تحويل الجهاز المركزى للمحاسبات إلى مجرد مبنى يحتوى على آلاف الموظفين العاطلين عن العمل، يجمعون ما يريده سادة الحزب الوطنى ويطرحون النهب العام من حساباتهم، ويضربون عرض الحائط بالفساد والمفسدين، ويقتسمون اللعنات مع زملائهم فى الحكومة.

ألُغى جهاز المدعى العام الاشتراكى مع أن مصر كانت أحوج ما تكون لدور هذا الجهاز الذى حقق إنجازات عظيمة حتى الساعات الأخيرة من عمله، وتوارى رئيسه المحترم جابر ريحان خلف حائط النسيان، ودخل دائرة معتمة يسكنها كل من أخلص فى هذا الوطن، فهل كان هذا الجهاز فى حاجة للإلغاء فى الوقت الذى أعاد فيه المليارات إلى البنوك، وأدار بشفافية ونزاهة ملف رجال الأعمال المتعثرين؟!

وحتى عندما كان يلفظ أنفاسه الأخيرة ظل الجهاز يعمل على هذه الملفات بمنطلق وطنى، ناسيا أنه بعد لحظات سيكون فى رماد الأيام. فهل كان إلغاء الجهاز ضرورة لنواكب العصر، ونتماشى مع اقتصاد السوق أو الاقتصاد الحر المتخاصم والمعادى لكلمة الاشتراكى؟ ألم يكن من الأجدر بمجلس الشعب والسلطة الحاكمة إعادة هيكلة جهاز المدعى العام الاشتراكى وتوسيع دوره وتغيير اسمه المستفز لحراس الليبرالية الجديدة فى بلدنا، وتسميته باسم المدعى العام الاقتصادى مثلا؟

وإذا كانت السلطة وجدت حلاً سحرياً يضمن لها تدفق الاستثمارات بإلغاء جهاز المدعى الاشتراكى، فإنها ستجد ألف سبب لتقليص أو حتى إلغاء الجهاز المركزى للمحاسبات. ألم يقل أحد الوزراء قبل أيام إن جودت الملط يتجاوز دوره، وأن دور الجهاز لا يزيد على عمل حسابات الدولة، ورد عليه رئيس الجهاز ردًا محترمًا؟ ألم يعترض أحمد عز وحده، على قانون الرسوم القضائية وصاح: «هنعدله هنعدله» وتم التعديل فعلا، وهو الآن يقود معركة منظمة ومرتبة ضد جهاز المحاسبات ورئيسه؟

ألا تدل المعارك الطاحنة، والاتهامات، والغمز واللمز ضد جودت الملط، على النية السيئة تجاه هذا الجهاز، حتى إن الأمر وصل إلى أن يصف أحد الوزراء الجهاز بأنه «جهاز أم على»، ثم ما يشيعه البعض من أن الملط يفعل كل هذا لكى يكون رئيسا للوزراء؟

ألا يدل الردح على قرب إنهاء دور الجهاز فى الرقابة على ميزانية الدولة والإنفاق العام، وكشف ثعابين الفساد، وفضح المفسدين، والإمساك بموطن الداء، والابتعاد التام عن تقييم أداء الحكومة، لأن التقييم ليس من اختصاصه رغم أن القانون 144 يعطيه كل الحق فى ذلك؟ وإذا كان تقييم أداء الحكومة ليس من اختصاص جهاز المحاسبات فمن اختصاص مَنْ إذن، أم أن البعض يعتقد أن الحكومة مُنزلة وفوق مستوى التقييم والرقابة؟

الغريب أن كل الذين هاجموا تقارير الجهاز لم يأتوا بكلمة ترد على اتهامات رئيس الجهاز، لأن الصادقين وحدهم يأتون بالبراهين، وهذا ليس وقت الصادقين، ومن الأفضل هدم الجهاز وسلخ جودت الملط.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية