بعيدا عن «الكبار» وقيادات القوى السياسية المختلفة فى مصر، تختلف أحيانا الرؤية الخاصة بقاعدة الأحزاب والتيارات السياسية المختلفة، تتضح بصورة أوضح نظرة شباب كل تيار سياسى لأقرانه فى باقى التيارات، يحمل معظمهم رؤى مختلفة عن اتجاهات القوى التى ينتمون إليها، ينتقدونها، وبعضهم يحمل تساؤلات وعلامات استفهام عديدة تجاه مواقفها.. وأيضا يشكون من صعوبة فرص الترقى، والوصول بسبب سيطرة الجيل «القديم» على أغلب المناصب، يضعون سيناريو خاصاً بمستقبل مصر خلال عامى 2010 و2011.
«القيادات خلقوا قطيعة سياسية بين القوى المختلفة، لكن إحنا كشباب بنتعامل بمبدأ مختلف».. هكذا يقول حسام يحيى الذى لا يزيد عمره على 19 عاما، عند حديثه عن رؤيته لمستقبل الحياة السياسية فى مصر، حيث لديه قناعة خاصة بأن شباب التيارات السياسية يستطيعون رسم خريطة مختلفة لمستقبل الوطن خلال العامين المقبلين، لكنه رغم ذلك لا يختلف كثيرا عمن هاجمهم ووصفهم بـ «القيادات»، فانتماؤه السياسى والدينى إلى جماعة الإخوان المسلمين جعله يكتسب نفس عداواتها مع بعض الأحزاب السياسية، وأيضا نفس معتقداتها فى التعامل مع الآخر: «أنا كشاب منتمٍ للإخوان المسلمين، لدىّ رؤيتى للحياة السياسية فى مصر، وأرى أن جماعة الإخوان دائما ما تتحمل وتتعامل بمنطق الأم الكبيرة للحركات السياسية، لكننى أجد أن هناك بعض الأحزاب السياسية التى تتعامل بتعال شديد مع الجماعة، مثل حزبى التجمع والناصرى، فهما تحديدا لديها موقف سلبى للغاية تجاه الإخوان، وأرى أن شخصاً مثل رفعت السعيد رئيس حزب التجمع من المفترض أن يحترم تاريخه».
إيمانه الكامل بمبادئ الجماعة، لم يمنعه من طرح بعض الأسئلة التى لا يجد لها إجابات حتى الآن، مثل موقف الإخوان المسلمين من شخص د. محمد البرادعى المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية، والمرشح المحتمل الحالى لرئاسة الجمهورية: «أدعم البرادعى منذ بداية دخوله الحياة السياسية فى مصر، لكن موقف الإخوان منه فى البداية كان فيه بعض التجاهل، وكان هناك موقف عدائى تجاهه من بعض الأشخاص، وأعتقد أن السبب فى الدعم المفاجئ من الجماعة له هو (شغل سياسة)، فوجئت بأن هناك قيادات ثانوية داخل الجماعة يهاجمون البرادعى كأفكار وليس كشخص، خاصة إن هو علمانى أو كده، لكن الهجوم كان بسبب موقفه من العراق، وحاليا نفس الأشخاص يدعمونه دون أى تبرير، ولا أظن أنهم سألوا: ماذا حدث فى موضوع البرادعى، ولماذا دعمناه؟ وهذا بسبب البيرواقراطية».
عمله الدؤوب مع الجماعة، ومشاركته فى جميع أنشطتها، لا يمنحانه – من وجهة نظره – فرصا كبيرة للارتقاء فى سلم الجماعة، والوصول إلى مناصب عليا، والتى أصبحت حكرا فقط على القيادات و«الكبار» - كما يطلق عليهم -: «الإخوان جزء من المجتمع المصرى، وفيهم نفس السلبيات والإيجابيات، والقيادات عندنا مش بيدوا الفرصة للشباب إنهم يكبروا، الوضع سيئ حاليا، بس زمان كان أسوأ».
خلافا لانتخابات مجلس الشعب عام 2005، يتوقع يحيى أن يقل عدد مقاعد الإخوان فى مجلس الشعب هذا العام، بحيث لا يزيد على عشرة مقاعد: «من المستحيل أن يحصل الإخوان على 88 مقعدا كما حدث عام 2005، لكن الإخوان سينزلون الانتخابات بعدد كبير من المرشحين، حتى لو لم ينجحوا فسيقومون بتسجيل ما يحدث فى العملية الانتخابية».
الزيارة التى قام بها محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين لحزب التجمع اليسارى، قد تنتج عنها اتفاقيات ومصالح مشتركة بين جيل القيادات، لكن العداوة والاختلاف المستمر باق بين الجيل الأصغر. هيثم شرابى – 35 عاما – واحد من شباب حزب التجمع، الذى يرفض بشكل قاطع التعاون مع «الجماعة» بأى شكل من الأشكال.
لم يكتف شرابى بذلك فقط، لكنه يحمل فى داخله قناعة خاصة بأن «الإخوان» يدخلون فى أى تنظيم سياسى لـ «يركبوه» على حد وصفه: «الإخوان دائما قبل أى انتخابات يأتون لزيارة القوى السياسية الموجودة على الساحة، بهدف توصيل رسالة داخلية وخارجية تؤكد قدرتهم على التواصل مع الجميع. من المحتمل أن يتم التنسيق مع الإخوان فى مرحلة معينة فقط، لكن يستحيل أن يستمر ذلك على المدى البعيد، لأن شعارهم فى انتخابات 2005 كان (مشاركة لا مغالبة)، وتفسيرى للشعار أنهم يريدون المشاركة فى انتخابات الشعب للحصول على عدد من المقاعد، دون المغالبة فى الحكم، والتجارب بين الإخوان والأحزاب أثبتت فشلها».
يرى شرابى نفسه كواحد من الجيل الجديد فى الحزب أنه أكثر وعيا بـ «ألاعيب» الإخوان المسلمين من الجيل القديم: «بقينا عارفين المطبخ، والتحالفات والتربيطات اللى بتتعمل»، يختلف شرابى مع بعض قوى المعارضة السياسية التى تدعو إلى مقاطعة انتخابات مجلس الشعب والانتخابات الرئاسية «التزوير بيتم عندما يقرر المواطنون المقاطعة، إنما المشاركة تضمن تواجدا فى الشارع، والحزب الذى يقاطع لا يمكن اعتباره حزبا، ومعنى ذلك أنه لا يوجد له تواجد أو تأثير فى الشارع، على سبيل المثال حزب الجبهة قرر أن يقاطع الانتخابات، لكن الحزب نفسه ليس له التواجد المؤثر فى الحياة السياسية، يكفى أنه من وقت ظهوره على الساحة السياسية تم تقسيمه مرتين وثلاتة».
وعن موقفه من د. البرادعى يقول شرابى: ترشيح البرادعى قانونيا وهم، والسؤال هو بعد تجميع المليون توقيع كما طلب البرادعى ماذا سيحدث؟ وماذا سيفعل بها؟، ما دعا إليه البرادعى هو نفسه ما تدعو إليه المعارضة منذ سنوات، وكنت أتمنى أن يعمل مع الأحزاب، بدلا من عمله منفردا.
الناشطة السياسية إسراء عبدالفتاح «29 عاما» العضوة السابقة بحزب الغد، التى استقالت رسميا فى ديسمبر الماضى بعد خلافات مع الحزب: لا أحد يستطيع توقع المستقبل فى مصر، لأننا بلد أشخاص وليس مؤسسات، نحن نستيقظ صباحا لنفاجأ بأن عدد محافظات مصر زادت محافظتين كحلوان و6 أكتوبر. تعمل إسراء حاليا كعضو أساسى فى حملة جمع المليون توقيع لبيان التغيير الذى أعلنه البرادعى، ودافعت عبدالفتاح عن تعاون البرادعى مع جماعة الإخوان المسلمين: «لولا وجود الإخوان، ماكناش قدرنا نوصل لربع مليون توقيع فى شهر واحد»، وعن توقعها لمستقبل الحياة السياسية فى مصر هاجمت إسراء حزبى التجمع والناصرى ووصفتهما بأنهما أصبحا «تاريخ قديم»: «الوفد يحاول التعاون مع البرادعى، لكن الناصرى والتجمع ليس لديهما استعداد للتعاون، بالإضافة إلى أنه ليس لهما أى تأثير فى الشارع».
وعن رأيها فى حملة «مصر كبيرة عليك» التى أطلقها د. أيمن نور ضد ترشيح جمال مبارك لرئاسة الجمهورية، قالت عبدالفتاح: «أعجبنى اسم مصر كبيرة عليك، وأعتقد إنه مناسب للموضوع، لكننى لا أفضل أن تكون الحملة ضد أشخاص، إنما يجب أن تكون ضد مؤسسات وإدارة ونظام، فمثلا إذا جاء جمال مبارك من خلال دستور سليم يعطى الحق للمستقلين فى التنافس معه، وأيضا من خلال انتخابات نزيهة تسمح لجمال وللمرشحين الآخرين بنفس الفرص، فأهلا بجمال فى ساحة المعركة وأهلا به رئيسا إذا اختاره الشعب، لكنى ضد أن تعطى الدولة لجمال مبارك وما يمثله الحزب الوطنى من أشخاص بعض التسهيلات التى لا تعطيها لمرشحين آخرين مثل أيمن نور وحمدين صباحى». بالإضافة إلى أن «مصر كبيرة عليك»،
من الممكن أن يكون رأى شخصى لى أو لأيمن نور، وحتى تنجح هذه الحملة يجب أن تكون لها استراتيجية محددة تقوم عليها». وانتقدت عبدالفتاح دعوة نور لإحياء حملة «ما يحكمش» مرة أخرى: «إذا كنت تريد ما يحكمش» فلماذا أعلنت عن حملة «مصر كبيرة عليك»، وأضافت «من العشوائية أن نعمل فى 7 آلاف حملة بأسماء مختلفة ولها نفس الهدف فى النهاية».
واختلفت عبدالفتاح مرة أخرى مع نور بسبب توجيه الأخير اللوم للبرادعى لرفضه دعوة ممدوح قناوى، رئيس الحزب الدستورى، ليتولى موقع رئاسة الحزب بدلا منه لكى يستطيع خوض انتخابات الرئاسة: «مختلفة مع د. أيمن لأن البرادعى كان واضحا وقال إنه لن يخوض الانتخابات فى ظل هذا الدستور، ولو خاضها عن طريق الحزب الدستورى فلن تُحل المشكلة، لأن الوضع سيظل كما هو عليه ولن يستطيع المستقلين خوض الانتخابات من خلال نفس الدستور».
«أنا بتوقع إن انتخابات الشعب نتيجتها هتكون الله أعلم، زى ما قال الريس» هكذا علق بيتر نبيل «34 عاما» على مشاركة حزب الوفد الذى ينتمى إليه فى انتخابات الشعب المقبلة، يعمل نبيل كمهندس كمبيوتر، ويشارك فى نشاطات حزب الوفد كعمل تطوعى منذ أكثر من 10 سنوات: «ليست لدى مشكلة فى أن يكون هناك تحالفات حزبية بين الوفد والقوى السياسية الأخرى مثل الوطنى مثلا، وهذا شىء ليس محرما فى عالم السياسة طالما لا يسبب ضررا بمصالح البلد»، ويضيف نبيل «إحنا كشباب يعمل فى السياسة، دورنا يتشابه مع منتجى السينما، نقدم ما يريد الجمهور رؤيته، وحتى الآن لم يحدث اتفاق على موقف نهائى سواء بالمقاطعة أو المشاركة فى انتخابات الشعب، لكننى بشكل شخصى سألتزم بموقف حزبى».
يعتقد نبيل أنه لا يمكن الحكم بشكل قاطع على مستقبل انتخابات الرئاسة العام المقبل: «كل الأمور مازالت غير واضحة، وهناك متغيرات سريعة تحدث، مثل صعود صورة البرادعى وانحسارها مرة أخرى، رغم حماسى لشخصه فى البداية لأنه من المفترض أنه يعبر عن التيار الليبرالى، لكنه اختار التعاون مع الإخوان، واكتشفت أنه أيضا يعطى كل تيار الكلمات التى يريد سماعها».
ناصر عبدالحميد «28 عاما» عضو بحزب الجبهة، وأحد أعضاء الجمعية الوطنية للتغيير، يرى أن مقاطعة انتخابات الشعب المقبلة هو القرار الأمثل: «التزوير الذى حدث فى الشورى، يؤكد أننا لابد أن نقاطع انتخابات الشعب»، وهاجم ناصر ائتلاف المعارضة المكون من أحزاب الوفد والتجمع والناصرى والجبهة: «ائتلاف أحزاب المعارضة فكرة ليست مجدية أو فعالة».