x

أيمن الجندي تعلّق أيمن الجندي الأربعاء 20-01-2016 21:29


كان تعلقها به خارقًا، ومن النوع الذى لم أشهد مثله، على الرغم من قصص الحب التى أتيح لى أن أكون شاهدها. أى قصص أذكر وأى قصص أدع! أهذه المراهقة التى كانت تصغرنى بعام فى كلية الطب والتى وقعت فى غرام زميلها الوسيم، وحين هجرها فإنها حاولت الانتحار! أم تلك الطبيبة التى أحبت زميلى لدرجة الانهيار والتهافت! أم هذه العذراء التى كتمت حبها حياء وتقى حتى آخر العمر!

برغم ذلك يسعنى أن أقرر أن هذا التعلق لم يكن من النوع المألوف. لا أعرف واحدة جلست تبكى على باب الحبيب بمواء يقطّع القلب.

عن قطة أتحدث! ولعلك الآن تبتسم! ولعلك الآن تهزّ كتفيك فى استخفاف.

ولكن قبل أن تسخر منى دعنى أسألك: من قال إن قصص الحب ممتنعة بين الأنواع المختلفة من المخلوقات؟ ما الذى نعرفه، أنا أو أنت، عن هذا الكون الملغز؟ نأتى ونذهب لا نفسّر الطلاسم! بل لا ندرى حتى إنها طلاسم.

لم تكن أكثر من قطة بيضاء جميلة نشاهدها أمام باب العمارة. وكنت حين أخرج مع صديقى ألاحظ أنها دائمة الالتصاق به. فأخبرنى أنه فى يوم قائظ، اشتدت فيه الحرارة حتى راحت تلهث. فأحضر لها طبقًا من الحليب البارد، راحت تلحسه فى سرور يلمس القلب.

على مدى الشهور القادمة تطورت الحكاية. لكنها لم تعد طعامًا فقط. بل لعلها لم تكن طعامًا قط. والدليل أنها تموء أمام بيته فيظنها جائعة، فيحضر لها الطعام فتعافه، وتكتفى بأنها تلتصق به.

ولماذا كانت تبدى نفورا واضحا من زوجته، وكأنها منافستها على قلب الرجل؟ ولماذا كان أحيانا يزجرها، وربما يبعدها بقدمه فى غير رفق، فلا تزداد به إلا تعلقا؟ ولماذا لم تعُد تمكّن الذكور من نفسها؟ وإذا اقتربت قطة أنثى فإنها تكشر عن أنيابها وتطردها من العمارة شرّ طردة؟

وكنت أشاهد أحوالها متعجبًا! طابعها شبه البشرى! وكأنها إنسان محبوس فى إهاب قطة. هذا التعلّق الخارق لم تشتهر به القطط، وإنما الكلاب التى اشتهرت بالعاطفة الزائدة. وقديمًا قالت الجدات: «تأكل وتنكر مثل القطط». فلماذا لا تنكر؟ ولماذا هى بالذات تبدى كل هذا التعلّق؟ لا أنكر أنه فى لا وعينا الجمعى حكايات عن غموض القطط، ولذلك عبَدها القدماء. وهناك فى ألف ليلة وليلة حكايات عن ساحرات شريرات يحولن الحسناوات إلى قطط! هل يمكن أن يكون هناك أصل لهذه الأسطورة؟ أتراها امرأة وقعت فى غرام صديقى الأسمر الجميل؟

والذى حدث فى الليلة السابقة عصىٌّ على التصديق. فى لحظة ما ارتبك فيها الوعى، هاجمنى فيها الأرق ثم تلاه النوم المضطرب بعد تناول المنوم، استيقظت فيها على صوت نحيب متصل. قمت كالمأخوذ مغمض العينين باحثا عن مبعث الأنين. فتحت الباب متلصصا باحثًا عن الوتر الذى يمزقه الشجن، وفى الظلام المهيمن شاهدتها كأسطورة، حسناء مكتملة الحسن، مضيئة فى ذاتها، تخرج من إهاب القطة، وتنوح على باب صديقى.

وفجأة التفت نحوى، ورمقتنى بنظرة ملؤها التوسل. أغلقت الباب بسرعة وأسرعت إلى فراشى، محاولا إقناع نفسى أن الذى شاهدته ما هو إلا انعكاس أفكارى المضطربة.

وبالفعل فى الصباح التالى شاهدتها قطة طبيعية تتمطى فى كسل تحت أشعة الشمس الدافئة. كنت أحلم ولا ريب. وربما تلك هلاوس المنوم. ولكننى لم أستطِع أن أمنع نفسى من التساؤل: ماذا لو كان ما رأيته حقيقيًّا؟

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية