x

نادين عبدالله أزمة قانون الخدمة المدنية نادين عبدالله الثلاثاء 19-01-2016 21:28


عادت مجددًا واشتعلت أزمة قانون الخدمة المدنية مع مثول القوانين أمام مجلس الشعب للتصويت عليها. وبعكس الكثير من القوانين التى تم إقرارها بلا صخب كثير، أثار هذا القانون جدلا واسعًا، خاصة أن لجنة القوى العاملة بالبرلمان رفضته بالإجماع، أو على الأقل طالبت بتعديل بعض مواده. ومن ضمن جملة أسباب جعلت موظفى الدولة يحتجون عليه، ثم دفعتهم مؤخرًا إلى الضغط على نواب البرلمان حتى لا يقروه، نجد أمرين يشكلان أزمة كبرى: يتعلق الأول بانخفاض معدل الأجور حيث سعى القانون إلى تقليل فرص نموها مستقبليًا عبر تقليص الزيادة السنوية إلى 5% فقط من الأجر الوظيفى مع عدم ربطه بمعدلات التضخم، الأمر الذى سيؤثر سلبًا على الوضع المالى لقطاع من الموظفين. أما الثانى فيتعلق بمنح الرؤساء المباشرين فى العمل مزيدا من السلطات فى تقييم الموظفين وتوقيع الجزاءات عليهم من دون ضوابط تضمن موضوعية التقييم.

إحقاقًا للحق، قناعتنا هى أن إصدار هذا القانون يعتبر خطوة جيدة نحو إصلاح الجهاز الإدارى للدولة، فليس من عاقل يقف أمام إصلاح هذا الجهاز البيروقراطى الذى أصابه الكثير من العطب، فبات تطويره ضرورة ملحة أيضًا للنمو الاقتصادى. فعليًا، للقانون بصيغته المقترحة إيجابيات كالأخذ بمفهوم التنمية البشرية، واستحداث مجلس للخدمة المدنية (رغم تحفظنا على طريقة تكوينه)، ونظام لتقييم أداء الموظفين، إلا أن مأخذنا الأساسى يتعلق بفلسفة إعداد هذا القانون، وطريقة إصداره. فمن ناحية، تغفل فلسفة إعداده أثر تردى ظروف العمل، وتدهور منظومة العمل ذاتها (حيث يفتقر العديد من المصالح إلى التطوير) على سوء أداء موظفى الدولة. ومن ناحية أخرى، عكست طريقة صدوره نوعًا من التحدى للموظفين. فمن البداية رفضت الدولة التفاهم أو التفاوض مع الروابط أو النقابات المعبرة عنهم، وعلى رأسهم موظفو الضرائب، واعتبرت أن إنزال قانون من شأنه التأثير على المستحقات المالية للموظفين هو أمر واجب السمع والطاعة، وكأننا فى عصر غير العصر. أما الأغلبية البرلمانية المشكلة مؤخرًا، فقد صدرت عنها بعض التصريحات المؤيدة لصدور القانون رغم كل «القلبان» المثار بشأنه، فأثارت- بلا مبرر- غيظ الكثيرين.

فعليًا، لو كانت الدولة اتبعت منذ البداية الأساليب البديهية المتبعة عند إصدار قانون يمس أصحاب مصالح بعينها، لكانت تلافت «العطلة» والضجر والاحتجاجات. فالطبيعى أن يتم مشاركة أصحاب الشأن، والحوار أو التفاوض معهم. بالقطع، «معهم» تعود على من يمثلونهم بحق وليس بشكل صورى. فالتفاوض مع من يمثل الموظفين (أو العمال) نظريًا ويمثل الحكومة عمليًا، هو أمر غير مفيد ولا لازمة له. بالتأكيد لم يكن مطلوبا من الدولة أن توافق على كل شىء، بل كانت فقط مطالبة بالتواصل مع أصحاب الشأن. نعم، يمكن أن ترفض الدولة بعض المطالب، أو تعد بتنفيذ بعضها فى المستقبل، لكن من الصعب أن ترفض مشاركة أصحاب الشأن، وتحصل على موافقتهم فى آن واحد! واليوم الكرة فى ملعب البرلمان، فماذا يفعل؟ هل سيتحرك بنفس منطق «دعم الدولة» أو قراراتها، وكأنه ممثل عنها وليس عن الشعب، أم ينجح فى الوصول إلى هذه الصيغة الوسطية التى طال انتظارها، فيوازن بذلك بين حاجة الدولة إلى إقرار قانون ينظم عمل موظفيها ويضمن كفاءتهم، وبين حاجة هؤلاء إلى إيصال صوتهم؟ قريبًا سنعرف.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية