x

محمد كمال ما بعد تقرير «جنينة» محمد كمال الأحد 17-01-2016 21:40


لن أناقش فى هذا المقال مضمون ما جاء فى تقرير المستشار جنينة، رئيس جهاز المحاسبات، أو تقرير لجنة تقصى الحقائق الذى رد عليه، فالموضوع الآن أمام البرلمان. وأتمنى أن يتم التعامل مع هذا الأمر بشكل هادئ، يوضح الحقائق ويفند المبالغات، ويحترم عقول المصريين، ويفوت الفرصة على كل من يحاول صنع بطولة وهمية من مؤيدى أو معارضى أى من التقريرين.

ولكن أكتب اليوم عن عدد من القضايا التى ترتبط بدور جهاز المحاسبات، وكيفية تفعيل هذا الدور، والقضاء على اللغط المستمر بشأنه، والمساهمة فى مكافحة الفساد.

القضية الأولى تتعلق باختصاص ودور جهاز المحاسبات، وهل هو دور فنى محاسبى Accounting أم دور رقابى سياسى Oversight، أى هل يتعلق بالمسألة المالية أم السياسية؟ غالبية دول العالم يقوم فيها جهاز المحاسبات بمراقبة إنفاق الأموال الحكومية، التى هى أموال دافع الضرائب لضمان الرشادة فى الإنفاق. أما الرقابة والمحاسبة السياسية فهى دور البرلمان المنتخب، الذى يراقب الحكومة ويقيم أداء السياسات العامة. ومعظم التجارب الدولية تجعل تبعية جهاز المحاسبات للبرلمان كى يساعده فى أداء اختصاصه الرقابى، مع احتفاظ الجهاز باستقلاليته فى القيام بدوره فى مواجهة السلطة التنفيذية.

أحد أسباب اللغط بشأن تقارير جهاز المحاسبات فى مصر أنها تخلط بين الدور الفنى والسياسى، بين الحسابات المالية وتقييم أداء الحكومة والسياسات العامة. هذا الأمر ليس مقصوراً على تجربة المستشار جنينة، فكثير منا يتذكر تقارير وتصريحات المستشار جودت الملط، رئيس الجهاز فى عهد الرئيس السابق مبارك، التى تحدث فيها عن الفجوة بين الحكومة والمواطنين، وسوء أحوال المستشفيات، والفشل فى تطوير التعليم، وضعف التبادل التجارى مع أفريقيا.. وغيرها من الأحكام السياسية.

حقيقة الأمر أن لعب هذا الدور السياسى ارتبط بشخصية عدد من رؤساء الجهاز مثل المستشارين الملط وجنينة (ومع الاحترام للمستشارين، لا أعرف الحكمة فى تعيين شخصيات قانونية لرئاسة الجهاز، فى حين تتولاها شخصيات ذات خبرات محاسبية أو مالية فى معظم دول العالم). هذا الخلط بين المالى والسياسى يعود أيضاً للقانون المنظم لعمل الجهاز، الذى صدر عام 1964 فى ذروة عملية التحول الاشتراكى وتوسع دور الدولة والتنظيم السياسى الواحد، حيث أعطى القانون للجهاز دوراً لا يتعلق فقط بالرقابة على أموال الدولة، ولكن أيضاً «متابعة أداء الأجهزة التنفيذية لمسؤولياتها»، وسار القانون الصادر عام 1988 على نفس النهج، وتحدث عن دور الجهاز فى الرقابة المالية، بالإضافة للرقابة على الأداء ومتابعة تنفيذ الخطة، وهى أدوار تتداخل مع دور البرلمان.

اختصاص الجهاز إذن يحتاج للمراجعة فى ضوء التطور السياسى والاقتصادى للبلاد، والسلطات الرقابية للبرلمان، والتجارب الدولية فى هذا الصدد.

هناك قضايا أخرى تحتاج المراجعة، منها رقابة جهاز المحاسبات على كيانات ذات طابع سياسى أو غير حكومى، مثل الأحزاب والصحف الحزبية والنقابات والأندية، وهو استنزاف لجهد الجهاز، ويمكن أن يقوم بهذا الدور كيانات أخرى مثل لجنة الأحزاب أو المجلس الأعلى للصحافة، مع تحويل المخالف للنيابة.

هناك قضية أخرى تتعلق بحجم جهاز المحاسبات، حيث يعمل به حوالى 12 ألف شخص، فى حين يعمل فى نظيره الأمريكى 3 آلاف شخص فقط، علماً بأن حجم الإنفاق الحكومى فى الموازنة المصرية يمثل نقطة فى بحر نظيره الأمريكى. ويطرح هذا الأمر مسألة الاستفادة من خبرة هؤلاء دون الوقوع فى أمراض البيروقراطية الكبيرة.

والقضية الأخيرة والأهم من وجهة نظرى تتعلق بحجم الحكومة ودور الدولة، فكلما اتسع هذا الدور ازدادت فرص الفساد وعدم الكفاءة فى الإنفاق. وبالتالى فإن الحكومة الأصغر هى الأكثر كفاءة والأقل فساداً.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية