أصاب الارتباك البنوك ووكلاء السيارات وشركات عقارية عقب إصدار البنك المركزى قراره بألا يتجاوز إجمالى أقساط القروض الممنوحة من البنوك إلى الأفراد لأغراض استهلاكية نسبة 35% من الدخل الشهرى للعميل، ومنها قروض البطاقات الائتمانية، والقروض الشخصية، وقروض السيارات، فيما رفع المركزى النسبة إلى 40%، بشأن قروض الإسكان الشخصية.
وذكر المركزى، فى بيان، أنه لاحظ اتجاه البنوك لتنمية محفظة القروض لأغراض استهلاكية، ما شكَّل نسبة مرتفعة فى محافظ قروض البنوك، مع عدم تناسب معدل أقساط القروض لأغراض استهلاكية مقارنة بالدخل مع قيمة القروض الممنوحة، وتراوح تلك النسبة فى بعض البنوك ما بين ٥٠% و٦٠%، ما يؤدى إلى رفع معدل المخاطر ويؤثر على جودة المحفظة وزيادة معدلات التعثر.
وقال مصدر رسمى بالمركزى لـ«المصرى اليوم» إن قرار البنك «نهائى»، وأشار إلى منح عدد كبير من البنوك تمويلاً لعملاء دون مراعاة حساب المخاطر، وتساءل: «هل يجوز لمواطن راتبه 10 قروش أن يمنحه البنك قرضاً بقسط شهرى 7 قروش؟».
واعتبر المصدر قرار المركزى ليس بدعة، وقال: «إن جميع دول العالم تضع حداً أقصى للقروض مقارنة بالدخل». ونفى تأثير القرار على قطاعات التمويل العقارى وقطاع الإسكان. وأكد أن القرار لا يستهدف توجيه أموال البنوك والقروض إلى مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى، المعنية بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة. وقال: «البنوك لا تعانى أزمة سيولة، وفلسفة القرار نابعة من حساب المخاطر على قروض الأفراد».
وكشف جورج سمير، مدير قسم إدارة تمويل قروض السيارات بأحد البنوك الخاصة، عن وقف عدد كبير من البنوك تمويل السيارات والإسكان، بسبب قرار المركزى «المفاجئ»، مؤكداً أن القرار سبَّب ارتباكاً داخل البنوك بسبب تدنى الحد الأقصى لنسبة القرض مقارنة بالدخل.
وقال سمير لـ«المصرى اليوم»: «وفقاً لقرار المركزى فالمواطن الذى يصل دخله إلى 4 آلاف جنيه لن يحصل على قرض يزيد قسطه الشهرى على 1400 جنيه، أى 50 ألف جنيه تقريباً، تسدد خلال 5 سنوات، وحال شرائه سيارة سوف يواجه مشكلة كبيرة، لأن القرار سيجبره على دفع 70% من قيمة السيارة». وأشار إلى أن معظم قروض السيارات تُمنح لموظفى الحكومة، وهم من أصحاب الرواتب الضئيلة، نظراً لأن أقصى رقم يكتب فى شهادة مفردات الراتب 1200 جنيه (الراتب الأساسى)، ما يعنى أن قرض الموظف لن يزيد قسطه الشهرى على 300 جنيه. ولفت إلى أن الشريحة المتاحة حالياً هم الذين يزيد راتبهم على 10 آلاف جنيه شهرياً، وهم نسبة ضئيلة للغاية.
وقال أحمد وحيد، مسؤول مبيعات بأحد البنوك: «لجأت بعض البنوك الخاصة إلى حيل تستهدف الالتفاف على القرار، منها زيادة مدة القسط الشهرى إلى 10 سنوات لتقليل القسط، بما يتناسب مع قرض الشقة أو السيارة». وأبدى تخوفه من فتح قرار المركزى باباً خلفياً لبعض العملاء لتزوير شهادات مفردات الراتب، بالاتفاق مع جهات العمل، لزيادة الراتب الشهرى والحصول على أعلى نسبة من القسط الشهرى.
وأشار إلى أن هناك عاملين بقطاع المبيعات فى البنوك يشعرون بالقلق على مستقبلهم الوظيفى، بعد توقف القروض الخاصة بالسيارات والإسكان، وقال: «حين يأتى طلب من عميل للحصول على قرض ينزل أحد أفراد المبيعات والتسويق لمقابلة العميل، للتأكد من هويته وطبيعة عمله». ولفت إلى أنه بعد توقف القروض بدأت بعض البنوك تسريح مسوقيها.
فى المقابل، قال محمد أنور، مدير معرض سيارات لـ«المصرى اليوم»: «قطاع السيارات يعانى ركوداً واضحاً بسبب ارتفاع الأسعار، تزامناً مع تغير أسعار صرف العملات، مقارنة بالقوة الشرائية المتدنية للعملاء»، معتبراً أن قروض البنوك ساهمت فى الحفاظ على السوق. وأشار إلى أن قرار المركزى دفع بعض المعارض إلى المحافظة على مخزون السيارات، ووقف حجزها، لحين كشف توجهات القطاع المصرفى. ولفت إلى محاولة بعض المعارض التخلص من السيارات المخزنة لاسترداد أموالها لشراء شحنات كبيرة.
وأشار إلى أن المعارض كانت تمنح العميل مساحة تقسيط تقدر بـ75% من سعر السيارة، مقابل دفع 25% مقدم شراء، وتقسيط المبلغ المتبقى مع أحد البنوك، مؤكداً أن قرار المركزى دمَّر قطاع السيارات بشكل كامل.
وقال يحيى شوكت، باحث عمرانى، لـ«المصرى اليوم»، إن سياسة الإسكان فى مصر تحتاج هيكلة بشكل كبير لتشمل كافة الفئات التى يجب أن يشملها الدعم التى تستحق الحصول على قروض تمويل لشراء عقارات. وأوضح أن برنامج التمويل العقارى الذى يتبناه المركزى هو فى الحقيقة ليس لمحدودى الدخل، ولكنه لمتوسطى الدخل، الذين يملكون دخلاً ثابتاً ويستطيعون إثباته بشهادات من جهات العمل، وهو أمر لا يستطيع عدد كبير من المواطنين فعله.
وأشار شوكت إلى أن 20% من المواطنين يمثلون «الأكثر فقراً» وفق الإحصائيات، مؤكداً أن دخل هذه الشريحة لا يتجاوز 1400 جنيه للأسرة، وليس الفرد الواحد، ما يخرجه من بند المستحقين للدخول فى مبادرة التمويل العقارى. ولفت إلى أن تبنى الدولة مشروع الإسكان المتوسط بسعر 135 ألف جنيه رقم كبير بالنسبة لفئات كثيرة، وكذا بالنسبة للقدرة على الوفاء بالأقساط المستحقة، وطالب بتقليل تكلفة الشقق التى تشيدها الحكومة، والعودة إلى تشييد شقق بمساحات 63 متراً صافياً لمحدودى الدخل، لتشملهم مبادرات التمويل العقارى.
وأوضح أن ما يقرب من ثلثى المصريين لا يستطيعون إثبات دخلهم من جهة عمل رسمية، وبالتالى هم خارج مظلة التمويل العقارى. وطالب بتقسيم سياسة الإسكان إلى 4 شرائح، على أن يكون من بينها شريحتان للإيجار من خلال الجهات الرسمية، سواء بناء شقق حكومية وتأجيرها بنظام التمويل العقارى، أو تشييد شقق بتمويل حكومى وتأجيرها لمحدودى الدخل.