x

عبد الناصر سلامة الأزهر.. المفترَى عليه عبد الناصر سلامة الأحد 10-01-2016 21:45


لو أن جامعة الأزهر عبر تاريخها، قبل 1000 عام، كان بين خريجيها متشدد أو متطرف واحد من كل كلية، لكان لدينا الآن عشرات الآلاف من المتطرفين والإرهابيين فى مصر، من خريجى هذه الجامعة العريقة، إلا أنه وبمراجعة كل قضايا التطرّف والتشدد والعنف، فى العصر الحديث على الأقل، بدءاً من قضية الفنية العسكرية، فى سبعينيات القرن الماضى، مروراً بالتكفير والهجرة، وبعد ذلك الناجون من النار، ثم الجهاد، والجماعة الإسلامية، وحتى القاعدة، وداعش، وبيت المقدس فيما بعد، ربما لم نجد بين كل المتهمين مَن يُعدُّون على أصابع اليد الواحدة من الأزهر.

السبب فى ذلك هو أن طالب الأزهر قد درس المناهج الوسطية بمعنى الكلمة، أما غيره من طلاب الجامعات الأخرى المتهمون فى القضايا سالفة الذكر، فقد اعتمدوا فى أحكامهم على أئمة متشددين، وكتب صفراء أكثر تطرفاً، لا يتعامل معها الأزهر، من قريب أو بعيد.

الأكثر من ذلك أن المتشددين والمتطرفين على السواء ينظرون طوال الوقت إلى خريج الأزهر على أنه موال للنظام الرسمى للدولة، أكثر من ولائه للدين، وأنه يتساهل فى أمور عقيدته، وأن مناهج الأزهر ليست على القدر الكافى من معالجة قضايا العصر، وأن الأزهر يتهاون بشأن تطبيق الشريعة الإسلامية، إلى غير ذلك من اتهامات، تؤكد الفجوة الواسعة بين علماء الأزهر كدارسين متخصصين، وبين هؤلاء من مدَّعِى البحث والاجتهاد.

وبالعودة إلى القضايا الجنائية والإرهابية، سالفة الذكر، سوف نجد أن كل المتهمين فيها، سواء من الطلبة أو الخريجين، كانوا من الكليات العملية بالدرجة الأولى، من جامعات القاهرة، والإسكندرية، وعين شمس على التوالى، قبل إنشاء الجامعات الإقليمية، ومن كليات الهندسة، والطب، والصيدلة، أيضاً على التوالى، قبل التوسع فى كليات أخرى، بما يؤكد أن دراسة المواد الشرعية، سواء فى المعاهد الأزهرية، أو فى جامعة الأزهر، كانت هى الحصن الحصين لحماية الدولة المصرية من التطرّف عبر تاريخها، وليس العكس.

الدليل على ذلك هو أن كل الجامعات قد أفرزت متطرفين على كل المستويات، باستثناء جامعة الأزهر، بل الأكثر من ذلك أن المتهمين الأساسيين فى قضية الفنية العسكرية، إضافة إلى قتلة الرئيس الراحل أنور السادات «خلال العرض العسكرى» كانوا من كليات ليست مدنية أصلاً، سواء كانوا طلبة كما فى القضية الأولى، أو خريجين كما فى الثانية.

الأمر الآخر هو أنه لا وجه للمقارنة بين الأداء الخطابى على المنابر لخريجى الأزهر، وأداء الآخرين من غير الأزهر، وإلا لما اتجهت الدولة إلى ضم كل المساجد فى منظومة الأوقاف، لمواجهة هذا الوضع، الذى يمكن أن تختلط معه الأوضاع، بين ليلة وضحاها، فى غياب علماء الأزهر، وهو ما يسعى إليه البعض الآن، فى صور خبيثة، إعلامية، وسياسية.

الغريب فى الأمر الآن، وتحت مسمى «تجديد الخطاب الدينى»، أن يصبح الاجتهاد مرتعاً لكل مَن هبَّ ودبَّ، لمأجورين تارة، ومهووسين بالشهرة تارة أخرى، اعتماداً على كتب صفراء من هنا، أو أخرى لمستشرقين ومُشكِّكين من هناك، فى الوقت الذى لن يُسمح فيه أبداً لغير المتخصص عسكرياً مثلاً بأن يفتى فى شؤون الجيش، أو غير المتخصصين أمنياً بالتنظير فى الأمور الشُرطية، أو غير المتخصصين طبياً بإجراء عمليات جراحية، أو غير المتخصصين قضائياً بنظر القضايا، حتى لو كانت تتعلق بتنظيم الأسرة، أو حتى لغير المتخصصين فى الصرف الصحى مثلاً بالإفتاء فى مجريات الصرف.

ما الذى جرى حتى تهون علينا العقائد إلى هذا الحد، الذى خاض فى الرسل والصحابة والتفسير والأحاديث، وما الذى جرى حتى يمكن التفريط فى دور الأزهر، والتغاضى عن محاولات النَّيْل منه، جهاراً نهاراً، بهذا الشكل، فى الوقت الذى تمثل فيه هذه المؤسسة العظيمة قيمة دينية، وأدبية، وعلمية، وحتى سياسية، بمختلف الدول والقارات، فى أنحاء العالم، وكأننا نحن فقط فى مصر، الذين لا نعرف قدرنا، بما يُذَكِّرنا بالمقولة المأثورة: «لا كرامة لنبى فى وطنه».

كل المؤشرات أيها السادة تؤكد أن الأزهر- بطلابه، وعلمائه، ومعاهده، وجامعه، وجامعاته، ومبعوثيه فى الخارج، والطلاب الأفارقة، والآسيويين، والأوروبيين، المبتَعَثين فيه، ومجمع بحوثه، إضافة إلى شيخه الجليل- هو ما تبقى لنا من عزة وكرامة بين الأمم، وهو ما يُوجب علينا بذل كل الجهد للحفاظ على هذه العزة وتلك الكرامة، وذلك بالتصدى لمحاولات الإساءة إليه، ولعلمائه، أما إذا كان ما يجرى حالياً، وما يُحاك به من مؤامرات، يأتى فى إطار اتجاه عام، لحاجة فى نفس يعقوب، فالله خير الماكرين.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية