x

«ميت سهيل».. قرية تعيش على اقتصاد إيطاليا

الجمعة 08-01-2016 19:43 | كتب: ريهام العراقي |
ميت سهيل قرية و اهالي ابنائها في الخارج ميت سهيل قرية و اهالي ابنائها في الخارج تصوير : أيمن عارف

خلف جدران عالية تُحيطها أسلاك شائكة أمام ساحة واسعة، وداخل مبنى مكون من طابقين، يرقد أحمد صامتاً شاحب الوجه على أحد الأَسرة، يعالج من الكدمات المنتشرة فى جسده، يستمع إلى توجيهات المشرفة التى حذرته من محاولة الهروب مرة أخرى وإلا سيتم ترحيله إلى مصر.

لم يكن أحمد، ابن الرابعة عشرة، الوحيد الذى حاول الهروب من مركز الإيواء بمدينة ميلانو الإيطالية، للبحث عن أى فرصة عمل تساعده على إرسال نقود لتسديد ديون والده التى اقترضها جراء سفره، وإنما هناك العشرات غيره ممن تحفظت عليهم الشرطة الإيطالية داخل أحد مراكز الإيواء، أثناء تسللهم مع مجموعة من المهاجرين غير الشرعيين للعمل فى إيطاليا.

قد تصيبك الدهشة لحظة وصولك إلى قرية «ميت سهيل» التابعة لمركز منيا القمح بمحافظة الشرقية، هناك ترى أحدث موديلات السيارات والمبانى المبنية على الطراز الحديث، ويتنافس الأهالى على بناء القصور فى القرية التى هجرها شبابها منذ بداية التسعينيات من القرن الماضى بحثا عن فرصة عمل فى إيطاليا، لتحتل المركز الأول فى قرى الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا.

منذ 21 عاما خاطر حافظ القاضى الرجل الأربعينى بحياته، وهاجر من قريته إلى إيطاليا مع مجموعة من أصدقائه، لم يترك مهنة إلا وعمل بها هناك، إلا أنه رغم المشقة التى عاناها طوال عمله هناك لا يستطيع البقاء فى قريته وقال: «منذ ثلاثين عاما كانت أبواب الرزق مفتوحة أمام الجميع، وعندما سافر أقاربنا من القرية ظهرت عليهم النعمة من السنة الأولى، فخاطرنا بحياتنا وسافرنا إلى هناك، وتذوقنا المر لتوفير وديعة أملا فى إقامة مشروع فى قريتنا، إلا أنه بعد مرور خمسة وعشرين عاما، ما زالت قريتنا على حالها بل يتدهور حالها ولم يختلف فيها سوى استبدال البيوت الحديثة بالعقارات القديمة».

«ابنى سافر علشان يساعدنى فى تربية إخواته لكنه ما رجعش».. كلمات بسيطة لخص بها محمود السيد، والد أحد ضحايا الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا رحلة ولده القصيرة، الذى فارقه رغم أنه لم يستكمل عامه الخامس عشر «خرج محمد من القرية وكان عمره أربعة عشر عاما بعدما ضاق الحال بأسرتنا، وبعت كل ما أملك لدفع ثمن سفره للمهرب حتى يضع ابنى قدمه فى إيطاليا، عشنا أياما صعبة، وصبرنا حتى تتحسن أوضاعنا، إلا أن الشرطة الإيطالية ألقت القبض عليه هناك، ومع حداثة سنه تم التحفظ عليه داخل أحد مراكز الإيواء، وبعد مرور عامين تعلم خلالها أحمد مهنة، وحصل على عمل، وبعد أسابيع قليلة اتصل بنا وأخبرنا بإرسال شهرية على فترات منتظمة لتسديد ديونى، إلا أن عصابة تعرضت لمحمد أثناء عودته من العمل، وأودت بحياته ليرجع محمد فى نعش من إيطاليا دون أن أودعه».

يصمت السيد لحظات يمنع فيها تساقط دموعه، ويستكمل حديثه: «صبرنا سنين طويلة حاولنا تحسين ظروفنا لكن ربنا ما أرادش، ومش عارف دم ابنى فى رقبة الدولة اللى ما وفرتش احتياجاتنا ولا فى رقبتى اللى خليته يسافر عشان يرسم مستقبله فى بلد أجنبى».

أحمد عبدالمقصود، أحد أهالى القرية، أكد أن القرية تعيش على اقتصاد إيطاليا، من خلال دخل أبنائها من العمل هناك، فجميع الخدمات بالقرية جاءت بالجهود الذاتية لأهالى القرية، بعدما تخلت الدولة عن مسؤولياتها فى بناء البنية التحتية للقرية، وقال: «من يزر القرية لأول مرة ينخدع بسبب المنازل ذات الطراز الحديث، إلا أنه فى الواقع القرية محرومة من الصرف الصحى، والأهالى يلقون بصرفهم على الرشاح الذى ينتصف القرية ويستخدمه الأهالى فى رى أراضيهم مما تسبب فى انتشار الفشل الكلوى بين الأهالى، رغم أننا تبرعنا بقطعة أرض فى عام 2009 لإقامة محطة للصرف الصحى، إلا أن المشروع وقف دون إبداء أى أسباب».

مع صباح كل يوم جديد، تتلاحم أجسادهم الصغيرة داخل الفناء الضيق فى طابور الصباح لتحية العلم، تخطو أقدامهم إلى فصول دراسية تشققت جدرانها، وسقفها من الألواح الخشبية المتهالكة، تتساقط الأمطار على رؤوسهم فى فصل الشتاء أثناء اليوم الدراسى ولا يجدون سوى مقاعد خشبية مكسورة، لا تستوعب 50 تلميذاً، عدد التلاميذ فى الفصل الواحد.

رغم أن مدرسة «ميت سهيل» الابتدائية آيلة للسقوط، وتم إصدار حكم بالإزالة منذ 6 أعوام، إلا أنها تعمل فترتين، لأنه لا بديل لها فى القرية، وخوف الأهالى على حياة أبنائهم دفعهم إلى شراء قطعة أرض والتبرع بها لبناء مدرسة ابتدائية، قال أحمد فوزى أحد الأهالى: «مدرسة ميت سهيل الابتدائية عمرها يزيد على الخمسين عاما، لم يحدث فيها أى ترميم خلال هذه السنوات، لأن المدرسة مستأجرة من مجموعة من الأفراد أخذوا حكما باستلام المدرسة منذ 6 سنوات، فقام الأهالى بشراء قطعة أرض على مساحة كبيرة، إلا أننا لم نستطع الحصول على تصاريح البناء بحجة خلق كتلة سكنية جديدة على أرض زراعية».

وانتقد محمد صالح، أحد الأهالى، تصريحات نبيلة مكرم، وزيرة الهجرة، بأن الهجرة غير الشرعية ظاهرة تحولت إلى سرطان لابد من القضاء عليه، وطالب صالح بزيارة الوزيرة للقرى التى يهاجر منها شبابها وأطفالها ويعرضون حياتهم للخطر، وتوفير الحلول لهم بدلا من الحديث فى سائل الإعلام فقط، وقال: «السرطان الذى تتحدث عنه الوزيرة يفتح بيوت مئات الآلاف من الأسر، فى الوقت الذى لم نجد فيه يد الدولة تمتد إلينا، فقريتنا لا يوجد بها فرصة عمل واحدة، والقرية تعيش بالجهود الذاتية، وشبابنا وأطفالنا سافروا إلى إيطاليا هربا من الفقر، ولو كان هناك فرص عمل لهم ما عرضوا حياتهم للخطر وسافروا بطرق غير شرعية».

فى مدخل قرية «ميت سهيل» ترى مبنى من طابقين تتصدره لافتة مكتوب عليها مركز شباب القرية يرحب بالزائرين، المركز الذى تم تطويره عام 2004 فى إطار المرحلة الثالثة لا يوجد به سوى موظفيه فقط، ويخلو المركز من الأنشطة الرياضية فلا يوجد به سوى عدد من الكراسى ومكتب صغير وحصيرة بلاستيكية على الأرض.

أوضح زهدى إبراهيم، مدير مركز الشباب بالقرية، أن المركز توقفت أنشطته فى شهر أغسطس الماضى بسبب قرار المهندس خالد عبدالعزيز وزير الشباب، بخصوص ضم أى مركز شباب تقل مساحته عن 1500 متر ولا يضم ملاعب إلى أقرب مركز شباب له، ولذلك أصدرت مديرية الشباب والرياضة قرارا بضم المركز إلى مركز شباب «السعديين»، إلا أنهم طعنوا على قرار الوزير.

لا يقتصر حرمان قرية ميت سهيل على الصرف الصحى، أو مدرسة ابتدائية آمنة للأطفال بدلا من الآيلة للسقوط، أو مركز شباب يمارس فيه الشباب والأطفال أنشطته الرياضية وإنما حرمانهم من مستشفى مركزى يداويهم من الفشل الكلوى، على الرغم من مبادراتهم ببناء طابقين فى الأرض الفضاء المجاورة للوحدة الصحية.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية