«ما حد يقدر يوقف بكرة فى السكة/ ولا حد يقدر يرجع بكرة لمبارح/ شبابنا طالع وباقى على الضلام تكة/ والظلم ينزاح/ ونرتاح من زمن قارح».. أبيات شعرية وجه من خلالها الشاعر الكبير، سيد حجاب رسالته لشباب المثقفين، كاشفاً عن دورهم فى ثورة جديدة هى الثورة الثقافية التى أصبحت ضرورة لعودة الروح للثقافة فى مصر بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو. وقال حجاب فى الحلقة الخامسة من سلسلة حوارات «المصرى اليوم» حول المشهد الثقافى وتأثره بالمشهد السياسى، إن الشباب يجب ألا يستسلموا للعصا الأمنية الغليظة والعبيطة التى تواجه ثورتهم الناشئة، لأنها هى الوحيدة القادرة على مواجهة الفكر الإرهابى فى مصر. وبدأت الجريدة سلسلة حواراتها حول المشهد الثقافى فى مصر وتأثره بالمشهد السياسى وارتباطه بالمشهد العربى، بالشاعر والإذاعى الكبير فاروق شوشة، أمين عام مجمع اللغة العربية، الذى أثار جدلا واسعا فى الوسط الثقافى والسياسى، ثم التقت الكاتب الكبير محمد سلماوى، رئيس اتحاد الكتاب العرب، مروراً بالدكتور علاء عبدالهادى، رئيس اتحاد كتاب مصر، ثم الناقد الدكتور أبوالفضل بدران، رئيس هيئة قصور الثقافة.
■ كيف ترى المشهد الثقافى فى مصر حالياً؟
-للأسف الثورة لم تصل إلى السلطة فى مصر، والآن ونحن فى معركة مفتوحة ضد الإرهاب لا يمكن أن نعتمد على المواجهة الأمنية للإرهاب، بل يجب أن يكون هناك مواجهة ثقافية تجفف منابعه، والتى تعتمد ثقافة التنوير لمواجهة كل ما جاء إلينا من ثقافات جافية رعوية بدوية قادمة إلينا من الصحراء، وهناك رؤى للنهضة الثقافية منها ما طرحه جابر عصفور حول أن تكون هناك استراتيجية شاملة، بحيث تجمع كل المؤسسات والوزارات التى من شأنها التواصل مع الجمهور لإحداث ثورة ثقافية ضرورية لمواجهة الإرهاب وتجفيف منابعه، كما أننا ينبغى أن نبدأ من الداخل بتجفيف كل المنابع التى تغذى الإرهاب من خلال تنقية مناهج التعليم الأزهرى من كل آثار هذه الموجات الزاحفة إلينا، ثانيا المعالجة الاجتماعية للعشوائيات الحاضنة للإرهاب، بمعنى أنه لابد أن الحصول على الحقوق الاجتماعية والحقوق الثقافية هو ما يجفف منابع الإرهاب.
■ ومتى وكيف تقوم ثورة ثقافية حقيقية فى مصر؟
- لقد بدأت بالفعل الثورة الثقافية فى ميادين التحرير، لقد ظهر جيل من الشباب يرفض الوصاية عليه، مثل الفن ميدان وروابط وغيرها، وهذا الجيل لا يقبل إلا ما يقبله العقل، وهذه النقطة هى التى تنطلق منها الثورة الثقافية، وقد قال «كانط» إن «حرية الإنسان تبدأ من حريته فى استخدام عقله»، وقد وجد لدينا شباب يستخدم عقله، وعلينا ألا نحبطه وألا نقهر أو نرسخ مفهوم الأمن فى التعامل معه على حساب الحقوق والحريات، ولكن لحماية الحقوق والحريات.
■ لكن هذه ثورة لم تنجح فى النزول للشارع وفتح حوار معه بلغته وتتعلق بهمومه؟
- غير صحيح، الناس فى الشارع منذ 4 سنوات فى حالة نقاش مفتوح، ولم يعودوا يقبلون كل ما يقال، وهذا ما وضح بشكل كبير فى حالة الانتخابات الأخيرة للبرلمان وعدم الإقبال على التصويت، ما يعنى انصرافهم عن هذه السلطة التى تحاول أن تقهرهم، فرفضوا المشاركة فى هذه اللعبة الزائفة.
■ هذا الانصراف كان له طابع سياسى لا طابع ثقافى؟
- من يرد قراءة الأمر بشكل صحيح، يكتشف أن ما حدث هو الانصراف الكامل عن التيارات الإرهابية المتأسلمة من الإخوان وحزب النور، وأيضاً عن لعبة المال السياسى والدولة العميقة التى تحاول أن تدير العملية التشريعية القادمة.
■ لكن كيف نصل إلى الثورة الثقافية كما كانت فى الستينيات، التى كشفت عن الكثير من الشعراء والروائيين فى الساحة؟
- هذه الأشياء لا تصنع وإنما تنبت من الأرض ومن الظروف الاجتماعية والسياسية التى نعيشها، وقد أعطتنا ثورة يناير الكثير من الشعراء المجيدين والمهتمين بالفن والروائيين والمسرحيين الجدد.
■ ماذا عن بناء جيل مثقف واع من النشء؟
- نحتاج رؤية سياسية صحيحة ونحن نبنى نهضة ثقافية قادمة، لابد أن نعد النشء إعدادا صحيحا، فكل المناهج التربوية فى العالم تهدف إلى بناء الشخصية التكاملية، بإيقاظ العقل النقدى فى النشء، فى مراحل التعليم الأولى، ومن سن 14 يبدأون يعودونهم على ما يسمى أساليب المحاكمة العقلية التى تجعله يملك العقلية النقدية، ليقبل ويرفض من خلالها، بعكس ما يحدث عندنا، فنحن نعتمد منهجاً لتكوين شخصية متوائمة لا شخصية متكاملة، يعتمد على التلقين والحشو، فى الوقت الذى يؤكد فيه الدستور على أن الهدف من العملية التعليمية هو بناء الشخصية الوطنية المصرية، وأن يكون مبنيا على أسس المنهج العلمى، وإذا حققنا هذا سنكون أسسنا لمستقبل تعليمى وثقافى سليم، كما أننا فى حاجة إلى الانفتاح على كل ثقافات العالم المتقدم، والانفتاح أيضا على أصولنا الثقافية فى نفس الوقت، لن يحدث التقدم إلا بإعمال العقل فى علوم النقل، وبانفتاح العقل على علوم العصر.
■ هل نحن فى حاجة إلى الاستفادة من الحالة الثقافية فى بعض تجارب الدول العربية، بعدما كانت القاهرة عاصمة الثقافة العربية؟
- هذه الدول لها طبيعتها الخاصة المتعلقة بعدد سكانها وتكوينها الاجتماعى والاقتصادى والسياسى المختلف، لكن نحن طبعاً فى حاجة للانفتاح على الثقافة فى كل الوطن العربى، لكن فى نفس الوقت علينا أن نكون نحن، فنحن كنا دائماً سباقين وروادا من أيام رفاعة رافع الطهطاوى إلى أيام طه حسين وحتى أيام المشد.
■ لكن البعض يتحدث عن أن مصر أصبحت دولة مثقفين بلا ثقافة، أقصد الثقافة التى تصل للجمهور؟
- دائما الثقافة هى شغل المثقفين، لكن لو تتحدث عن نشر الثقافة فهى مهمة من مهام أى دولة، ونحن الآن فى دستورنا الحالى نؤكد أن الثقافة حق لكل مواطن، وعلى الدولة أن توفر الحصول على موارد الثقافة له دون النظر لقدراته المالية أو موقعه الجغرافى، وهذه النقاط التى تحددها مواد الدستور فى التعليم والثقافة هى الكفيلة بنهضة الدولة ثقافيا وتعليمياً، ولكن حتى الآن الثورة لم تصل إلى الدواوين حتى تستوعب ضرورة العمل على المشروع الثقافى والمشروع التعليمى اللذين نص عليهما الدستور، لأن الثورة مازالت فى الشارع وفى نفوس الناس لكنها لم تصل إلى السلطة، فالسلطة مازالت تقع حتى الآن فى أيدى أصحاب الرؤى الاقتصادية القديمة وأصحاب الرؤى الثقافية القديمة، وأصحاب الرؤى الإعلامية القديمة.
■ فى بعض أحاديثك قلت إن السيسى لم يقابل المثقفين الحقيقيين؟
- لم أقل هذا بالضبط، لكنى قلت إن السيسى قابل مثقفين كثيرين زائفين، وقلة منهم هم الحقيقيون، فكثير منهم ينتمون لأى نظام، ولا موقف شخصى لهم، ولا انتماء حقيقى للجماهير، انتماؤهم لأنفسهم وللسلطة التى تحقق مصالحهم، لكن رغم هذا قابل قلة من المثقفين الحقيقيين، لكن كثيرا من المثقفين الحقيقيين لم يقابلهم بعد، ولو أتيحت لى مقابلة السيسى، سيكون طلبى ببساطة شديدة أن تحظى مصر بالمكانة اللائقة بها، وأن تكون بلدا سيدا يحكمه شعب سيد، وإذا كان هيكل قال على السيسى إنه رئيس الضرورة، فأنا أقول عليه هو فارس الحلم الشعبى، والشعب اختاره ليحقق أحلامه، ومن هنا عليه أن يفهم أن هذه الأحلام لن تتم بإرادته وحده، فبالضرورة أن تتم بالمشاركة الشعبية الشاملة، ويجب أن يجمع من خلفه شعبه حتى يحقق أحلامه فى ثورة 25 يناير المتمثلة فى الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، ولن يتم هذا إلا من خلال الشعب وفى القلب من الشعب شبابه.
■ من وجهة نظرك لماذا لم يقابل السيسى المثقفين الحقيقيين حتى الآن، وبماذا ستخبره لو أتيحت لك المقابلة؟
- بالنسبة لماذا لم يقابل المثقفين الحقيقيين فهذا أمر يسأل عنه هو ومن معه من الدائرة المحيطة به، هو رجل نزيه ووطنى وحسن النوايا لحد بعيد، لكننى لا أعرف له برنامجاً ولا رؤية، فهو لم يعرض على برنامجا ولا منهجا اقتصاديا ولا ثقافيا ولا رؤية للمستقبل، ومازالت كل الأمور تسير بقرارات فوقية لا يستشار فيها الشعب المصرى.
■ لماذا لا يخرج المثقفون من خندق المؤسسات الثقافية الرسمية بتقديم مبادرات لنشر الثقافة؟
- المثقفون مهمتهم إنتاج الثقافة حتى لو كانت وزارة الثقافة غير مهمومة بالثقافة، وهذه عادتها فى عصور كثيرة، ولكن نأمل أن تعود الوزارة لاهتمامها بالثقافة، خاصة فى ظل وجود حلمى النمنم وزيراً للثقافة، الذى له طموح ثقافى تنويرى حقيقى، فالمثقفون همهم الأساسى إبداع الثقافة وهذا عملهم، وهناك جيل جديد يحاول بشدة الوصول للناس، مثل مجموعة الفن ميدان، مجموعة روابط، والمسرح الحديث، لكنهم يواجهون بعصا غليظة للدولة العبيطة، وليس العميقة.
■ لكن هل ينجح هؤلاء الشباب؟
- الشباب بالتأكيد سينجحون «ما حد يقدر يوقف بكرة فى السكة/ ولا حد يقدر يرجع بكرة لمبارح/ شبابنا طالع وباقى على الضلام تكة/ والظلم ينزاح/ ونرتاح من زمن قارح».
■ من الأشياء التى تشكل خطراً على الثقافة والشباب والذوق العام هى الأغانى الهابطة المنتشرة فى كل مكان؟
- لقد قال ابن خلدون جملة عبقرية جداً وهى: «إن آخر ما يكتمل فى صناعة العمران هو صناعة الموسيقى والغناء، وأول ما ينهار مع انهيار العمران هو انهيار صناعة الموسيقى والغناء»، ولو نظرت فى هذه المقولة ستجدها صحيحة جداً، لو نظرت إلى نهضتنا الغنائية ستجدها بدأت مع محمد على والشيخ المسلوب والبعثة التى أرسلها للأستانة حسب الله لدراسة الموسيقات العسكرية، ثم أصبح لدينا عبده الحامولى ومحمد عثمان وسيد درويش والقصبجى وعبد الوهاب ووصلنا إلى ذروة نهضتنا الغنائية مع ذروة نهضتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى الفترة الناصرية فى ستينيات القرن الماضى، لكن بعد النكسة وعودتنا من جديد إلى جيب الاستعمار بعد الانفتاح الاستهلاكى، بدأ الانهيار فى صناعة الموسيقى والأغانى.
■ أنت تقصد أن السادات كان سبباً فى انهيار الثقافة والفن فى مصر؟
- لا أقصد أحداً، أنا أتكلم عن قوى اجتماعية، فالسادات جملة عارضة فى تاريخ مصر والسيسى جملة عارضة فى تاريخ مصر، وجمال عبدالناصر جملة عارضة فى تاريخ مصر، لكنها طويلة نوعاً ما، أما مبارك فهو جملة عارضة مملة وهابطة فى تاريخ مصر، فمصر أكبر من كل من قادوها والوحيدان اللذان أدركا قيمتها فى حكامها هما محمد على وجمال عبدالناصر، ما عدا هذين لم يدرك قيمتها أحد، فالانحطاط فى الأغانى تم كما ذكرت مع الانفتاح الاستهلاكى بداية من الأغنية الشبابية وصولا للأغنية الشعبية وأغنية الميكروباص، ثم أغنية التوك توك وأغانى المهرجانات فى الفترة الأخيرة، نحن فى آخر مراحل انحطاطنا الموسيقى والغنائى، وهناك بشارة من جيل جديد يبدع رغم العوائق التى توضع فى طريقه.
■ ماذا عن دور اتحادات الكتاب والمؤسسات الجمعيات الثقافية الأهلية فى النهوض بالثقافة؟
- مطلوب فى الفترة القادمة أن تعمل هذه الاتحادات والنقابات والجمعيات على توحيد صف جمعياتها العمومية، لتقف كجماعات ضغظ لتحقيق النهضة الثقافية، ففى أوروبا لم يعد هناك اكتفاء بالتمثيل النيابى لأنه لا يمثل جماهيره الحقيقيين، ولذلك وجود جماعات ضغط أمر يعيد الوضع المقلوب فى الثقافة والسياسة والاقتصاد وغيرها.
■ لكن ما هو دور جمعية المؤلفين والملحنين التى ترأسها فى حماية الأغنية تحديداً؟
- هى جمعية تأسست سنة 1945 لحماية حقوق المؤلفين والملحنين، والارتقاء بالمهنة، وهذه الجمعية أصابها ما أصاب القوى الناعمة فى مصر من هبوط وتدنٍّ فى الفترة الأخيرة، ونحن حاليا نحاول إعادة دورها والارتقاء بالموسيقى.
■ هل وصل الأمر لانعدام الأفكار الجديدة لدى البعض لدرجة إعادة إنتاج أفكار أعمال فنية قديمة حققت نجاحا وشهرة لدى الناس، وأكبر مثال على ذلك قضية ليالى الحلمية المثارة حالياً؟
- كل جيل من حقه أن يبدع ما يشاء كيفما يشاء، ويعبر عن أبناء جيله فيما يقدم لعالمهم وواقعهم، والمشكلة فى قضية ليالى الحلمية أن المسلسل يعبر عن رؤية جيل مختلفة بالضرورة عن رؤية الجيل الحالى، فهى تعبر عن الجيل الذى تربى فى حضن الناصرية، والذى رأى حصار الناصرية، ووقف كأنه يحمى هذا الانسحاب من المشروع الناصرى، مدافعاً عن القيم الأصيلة فى هذا المشروع، وهذه ليست مشكلة فى هذا الجيل، فالجيل الحالى له مشاكله المختلفة اجتماعيا ودراميا وفنيا بكل الأشكال، وهنا أقول إن الحريات ليست مطلقة، فلو أن أيمن بهجت قمر له نفس فكر أسامة أنور عكاشة يمكن أن نفهم هذا، لكن تخيل أن شخصا عبقريا لم تلده ولادة ولم يحدث مثله فى التاريخ، آت ليقول لك أنا أرغب فى تأليف الجزء الرابع من ثلاثية نجيب محفوظ، فلابد أن تسأله لماذا وأنت بنى آدم مثل نجيب محفوظ، يجب أن تقوم بتأليف الثلاثية الخاصة بك أو قم بعمل يوضح موقفك الخاص، اصنع فنك الخاص الذى لا يعتدى على أفكار ورؤى الغير.
■ كيف ستواجه الأمر مع أيمن بهجت قمر، وأنت رئيس جمعية المؤلفين والملحنين وصاحب تتر المسلسل؟
- أنا رفضت الفكرة، فيما يخص الاستعانة بأغانى التتر، وذلك دفاعاً عن الملكية الفكرية، لأنى قدمتها لعمل من تأليف الأستاذ أسامة أنور عكاشة وإخراج الأستاذ إسماعيل عبدالحافظ، وهما من كنت أقف معهما على نفس الأرض الفكرية الخاصة بجيل الستينيات، وهذه التترات لهذا العمل كما هو، أما من يريد أن يطرح عملاً مبنيا أو غير مبنى على ليالى الحلمية، فليقدم طرحه الخاص به بتتراته وخاصة أن أيمن ليس شاعرا ضعيفاً، بل هو أكثر شعراء جيله موهبة.
■ كنت من لجنة الخمسين التى أعدت دستور مصر، فلماذا وضعتموه بـ«حسن نية»؟
- الدساتير لا تبنى إلا بحسن النوايا مصحوبة بالعزيمة الصادقة لتحقيقها، فلا يوجد مجتمع يضع دستورًا بسوء نية لـ«يخزوق» نفسه، كأنه يصنع لنفسه مقالب، والدستور الحالى هو أول دستور فى تاريخ مصر يمثل فيه كل فئات المجتمع، تمثيلا مجتمعياً شبه كامل، وتم الاتفاق على كل مادة بنسبة تفوق الـ70 %، وكل الدساتير كانت تتم تمثيلا لإرادة حاكم أو فئة حاكمة أو تحالف طبقات حاكمة، وهذا الدستور هو الممر الإجبارى للمستقبل، وأى تجاوز لهذا المسار سيؤدى إلى دمار البلد ومستقبل أولادنا، والمضحك أن كل من يريد تغيير الدستور دخل انتخابات البرلمان طبقا لهذا الدستور، وأن نسبة من الذين دخلوا البرلمان يريدون تغيير إرادة الأمة كاملة مع أنهم لا يمثلون إلا نسبة لا تتعدى 25% من هذه الأمة، وهذا ما يعنى أن ديكتاتورية واضحة تمارس من هؤلاء النواب ضد الشعب الذى اختارهم.
■ لكن كان لك اعتراض على بعض المواد فى الدستور؟
- اعترضت على المادة الثانية التى تنص على أن مصر دولة إسلامية، لأنها كلمة فضفاضة ولا تعنى شيئاً، فالدولة لا تصوم ولا تصلى، وبالنسبة للمادة التى تتعلق بأن الأزهر حامى اللغة العربية هذه جملة غير سليمة فكل من استبعدوا من الأزهر هم من رفعوا شأن اللغة العربية مثل طه حسين، فهو لا يخرج أديبا وإنما يخرج فقيها، ففكرة أنه يحمى اللغة العربية فهذه مقولة مغلوطة تاريخياً فهو لم يقدم للعربية أديبا كبيرا إلا من خرج عن عباءته.
لن يكون دخول للحداثة إلا بفصل السلطة الدينية، وأنا ضد أى محاكمة للفكر والتعبير واستعمال العقل لأى شخص.
■ ما رأيك فى عدم وجود مثقف فى البرلمان غير الكاتب يوسف القعيد الذى تم اختياره فى قائمة تعيينات الرئيس؟
- علينا أن نسلم مقدمًا بأن هذا البرلمان الذى حصل على موافقة ضئيلة، لا يمثل الشعب، وإنما يمثل قلة من يسيرها رأس المال السياسى وأجهزة الدولة التنفيذية، وبالتالى من المتوقع أن يكون البرلمان مشروعا لاضطراب اجتماعى جديد لا مشروعاً لاستقرار اجتماعى، وأن يخوض فى مخاطر دستورية لا أول ولا آخر لها، وعلينا كجماهير شعبية أن ننظم أنفسنا فى مجموعات ضغط مختلفة (قانونية - صحية - اجتماعية..إلخ) لنكون قوة ضغط على هذا البرلمان الذى يعد تمثيلا أعرج وأعوج لإرادة الشعب، ومثل هذه الروابط تنشط الدور السياسى والثقافى، بالإضافة إلى انتخابات المحليات كما وضع فى بنود.
■ كيف ترى تجربة الإخوان المسلمين فى حكم مصر؟
- مشروع الإخوان كان كله اختراعًا من عالم افتراضى من تأسيس حسن البنا، اختزل القرآن كله فى قول الله تعالى: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم»، واعتبر نفسه هو المعبر عن الإسلام، وغيره ليسوا بمسلمين، فضلا عن السيفين اللذين وضعهما تحت المصحف كأننا فى دار حرب لا فى دار سلام، ولهذا حين تحقق لهم النزول بعالمهم الافتراضى إلى أرض الواقع كان مصيرهم الفشل لعدم اتساق فكرهم ومشروعهم مع الواقع والتاريخ.
■ لكنك كنت من طلائع الإخوان؟
- كان ذلك منذ 60 عاماً، وكنت فى سن الثالثة عشرة من عمرى، ولم أستمر فى البقاء معهم، حيث كنت مكلفًا بتوزيع منشور للجماعة ضد اتفاقية الجلاء التى حققها الرئيس عبدالناصر وقتها، وكان الجلاء حلمنا جميعا، فقررت الخروج من الجماعة ولم أعد لها مرة أخرى، لم أتحمل التناقض فى أفكارها ورفضها لحلم مصر الذى نادى به الآباء والأجداد فى شعار «الاستقلال التام أو الموت الزؤام».