مستخدما أشرطة سينمائية نادرة صورها الأخوان «لوميير» منذ إحضارهما اختراع الكاميرا السينمائية إلى مصر إلى جانب لقطات تاريخية نادرة ومدفوعا بالرغبة فى توثيق التاريخ المصرى بالصوت والصورة قدم الدكتور مدكور ثابت مؤخرا كنزا من اللقطات النادرة التى جمعها على مدى ما يزيد على سبع سنوات اضطر خلالها للاستدانة لعمل فيلم يلخص اسمه مضمونه وهدف «ثابت» من تقديمه «سحر ما فات فى كنوز المرئيات»..
وعن الفيلم الوثائقى ورحلة السنوات السبع لتقديمه تحدث ثابت لـ«المصرى اليوم» : الفكرة بدأت لدى بمجرد توفر أشرطة أثارت فضولى وانتباهى، إلى جانب ولعى الشخصى بتاريخ مصر الحديث والذى كان العامل المؤثر والكبير فى تقديمى للفيلم،
حيث اختلط الاثنان ليدفعانى لخوض هذه الرحلة الشاقة والكبيرة التى لم تكن مجرد رحلة بحث وإنما معاناة فى كيفية الوصول إلى أماكن الوثائق السينمائية، فهذه الأشرطة صورتها كاميرا «لوميير» منذ اختراعهما السينما حيث كانت مصر محظوظة بأنها إحدى الدول التى تم التصوير بها عبر هذا الاختراع فى بداياته، وصحيح أنها أفلام قد شوهدت بعد تصويرها فى أوروبا،
لكن التوصل إليها فى مصر كان معدوما إلى أن قامت السيدة «ميشيل أوبير» وهى مسؤولة باتحاد أرشيفات السينما فى العالم ومسؤولة عن جمعية الأخوين «لوميير» بزيارة إلى مصر، وشاهدت خلال تلك الزيارة شريطاً لم يكن جيدا فى الحقيقة، ويحمل الأشرطة الأولى التى صورت فى مصر، فثار اهتمامى بضرورة الحصول على هذه الأشرطة، وتولد اهتمام أكبر بداخلى ببقية الأشرطة السينمائية والمرئية فى مصر.
وعن المقابل المادى الذى دفعه للحصول على هذه الأشرطة النادرة قال ثابت: لا أنكر أنه تمت مجاملتى فيما يتعلق بأسعار هذه الأشرطة، والمعروف أن هناك متوسطاً للأسعار، فسعر الدقيقة الواحدة يصل أحيانا إلى ما يقرب من 10 آلاف جنيه استرلينى، وكان يمكن أن يصبح ذلك عائقا أمامى ولجهدى الذى أقوم به، لكن «ميشيل أوبير» حين شعرت بالنوايا الثقافية لدى تعاطفت مع موقفى وتوسطت لدى مجلس الأخوين «لوميير»،
وحصلت على النسخة على شريط سينمائى 35 مللى مقابل ما يتراوح بين 10 – 15 ألف دولار، وهذا فى الحقيقة رقم لا يساوى دقيقة واحدة من الأشرطة العادية، كذلك فى بقية مواد الفيلم تم التعاطف مع تجربتى، ولا أنكر موقف الدكتورة هدى جمال عبدالناصر بمجرد أن علمت بجدية التجربة التى أقدم عليها، فهى لم تتقاض مليما واحدا كمقابل لما استعنت به من الأشرطة التى تمتلكها.
وحول عدم توصله للقطات لبعض الأحداث التاريخية المهمة أوضح ثابت: معالجتى لبناء الفيلم وتكوينه الفنى اعتمدت على ما يتم توفره من أشرطة، وليس على التاريخ وما يستلزمه من هذه الأشرطة لرصده، وكنت أعمل وفق توفر الشريط السينمائى لواقعة تاريخية ما، والذى كلما توصلت إليه خلال فترة الإعداد للفيلم كنت أسرع لوضعه فى السياق، وقد يكون هناك ما يجب أن يسبقها تاريخيا لكنه غير متوفر سينمائيا،
فكنت أمر عليه دون أن أتوقف عنده، وكان تقديمى للفيلم وما ذكر فيه منفذا بتعليق الفنانين محمود الجندى ومحمد وفيق هو تعبير عن التجربة وأن ما تحمله ليس تسلسلا تاريخيا، وإنما وفق ما تم التوصل إليه، كما أننى اعتبر الفيلم نفسه نموذجاً للدعوة إلى البحث والحصول على بقية المدفون والمختفى سينمائيا من تاريخ مصر.
وعن المدة التى استغرقها الفيلم حتى خروجه إلى النور ذكر ثابت: المدة لا تقل عن 7 سنوات، ورغم أننى كنت مسؤولا عن أكثر من موقع مرتبط بالسينما كان أحدها المركز القومى للسينما،
إلا أن هذه الخطوة لم تخرج إلى النور إلا بعد ابتعادى عن هذه المواقع، لأن تقديم مثل هذا الفيلم لا يتحقق إلا بالمبادرات والجهود الشخصية التى يتحمل صاحبها كل تبعاتها المالية والفنية مثل التجربة التى بدأتها والتى يصعب أن تبدأ من خلال جهاز حكومى، وأعترف بهذا رغم أننى كنت أحد هؤلاء المسؤولين الحكوميين، فقد كنت رئيسا للمركز القومى للسينما، لكن كان من الصعب وضع هذا الجهد الذى لا تعرف له بداية أو نهاية لكى يوضع فى أوراق وميزانية، حتى لو مسؤول إنتاج قطاع خاص فقد يحجم عن تقديم مثل هذا الفيلم، ربما لو أننى من أصحاب شركات السينما ما كنت قد خضت هذه المغامرة التى هى تجربة لا يعرف مردودها المالى،
وكيف كنت سأضمن توفر صديق مثل أسامة الشيخ وأحمد بهجت، وبالتالى عنصر المغامرة كان لابد من تحمله، والنتيجة أننى لم أخسر بل كسبت التجربة نفسها. وعن تكلفة الفيلم الإجمالية قال: لا أعرف حتى هذه اللحظة رقما نهائيا لتكلفة الفيلم، ولا أعرف إن كانت التكلفة الإجمالية مليونا أو مليونين أو ثلاثة ملايين، لأننى توليت تمويله مثل التلميذ معتمدا على مبدأ «الحصالة»،
أى كلما توفر لدى ما يمكن أن أمول به هذه التجربة أتخذ خطوة فيها، ولم يكن لدى «نوتة» أدون فيها ما يتم صرفه وفى المرحلة التى استدنت فيها دينا كبيرا ظهر لى أسامة الشيخ وكان حماسه هو الدافع الحقيقى للتكملة، وعرفنى الشيخ على الدكتور أحمد بهجت الذى فوجئت بحماسه الكبير لاستكمال التجربة وإنهاء الفيلم،
ولولا ذلك ما قمت بسداد الديون ولا استطعت استكماله، فعلى سبيل المثال حين سددت «دريم» دينى لشركة الاستديوهات والمعامل دفعت 150 ألف جنيه فقط، بخلاف ما أنفق على تكلفة الخامات وعمليات إعادة الطبع والمونتاج وتسجيل الصوت وهى تكلفة عالية جدا،
صحيح أننى لم أربح ماديا، لكن ربحى الوحيد هو ما حققه الفيلم من رد فعل جيد حتى الآن، وأننى خرجت من التجربة غير مدين. وحول إمكانية العرض التجارى للفيلم قال ثابت: كان من المفروض أن يعرض الفيلم جماهيريا وفقا لاتفاقى مع مسؤولى «دريم» مثل أى فيلم روائى حتى لو كان عددا محدودا من دور السينما، لأن أصحاب دور العرض يميلون بالطبع للأفلام التجارية،
وأن تكون التجربة هى الحكم من خلال مدى إقبال الجمهور عليها ولايزال هذا الاتفاق جاريا، و«دريم» لم تتأخر فى ذلك بدليل ما عرضوه مؤخرا من عرض الفيلم فى إحدى دور العرض المملوكة لهم فى مدينة 6 أكتوبر، لكننى أخشى من حرمان الجمهور الذى يصعب أن يتوجه من قلب القاهرة إلى 6 أكتوبر، كما أننى لم أتلق من إدارة القناة أى عروض مشابهة لعرض الفيلم فى الأقاليم.
وعن الخلاف الذى نشأ بين «دريم» والموزع محمد حسن رمزى لتوزيع الفيلم قال ثابت: محمد حسن رمزى شاهد أول نسخة من الفيلم تخرج من المعمل وأعجبه جدا، وعرض شراء الفيلم وتوزيعه، وقد فوجئت بهذا العرض، وطلبت منه الاتفاق مع مسؤولى «دريم» لأنهم أصبحوا أصحاب الحق وملاك الفيلم، إلا أننى فوجئت أيضا بعدم الوفاق المالى بينهما وحزنت كثيرا لهذه النتيجة.