x

ضياء رشوان لماذا هذه الحروب المذهبية والطائفية؟ ضياء رشوان الثلاثاء 29-12-2015 21:28


السؤال الكبير الذى يخيم اليوم على الجميع فى منطقتى العالم العربى والشرق الأوسط بكل تركيبتهما المعقدة دينياً ومذهبياً وعرقياً ولغوياً هو: ما الذى أدى إلى اندلاع تلك الموجة الواسعة الخطرة من النزاعات بل والصراعات.. أسس دينية أو مذهبية أو عرقية أو لغوية فيهما؟ ولا شك أن هذا السؤال قد حظى بآلاف المحاولات للإجابة خلال السنوات الخمس الأخيرة التى تزايدت فيها تلك النزاعات والصراعات إلى آماد غير مسبوقة، إلا أن الأمر لايزال يحتمل محاولة جديدة للإجابة.

فأما عن الأسباب والدوافع التى كمنت وراء تلك الموجة الجديدة الواسعة من النزاعات والصراعات الطائفية والمذهبية، فهى عديدة ومتنوعة ومتفاوتة الوزن والتأثير فى إثارتها. فقبل كل شىء يجب الانتباه إلى ذلك العامل الدولى الذى مثلته موجة العولمة الواسعة التى اجتاحت كل مناطق العالم خلال السنوات العشر الأخيرة وسعت إلى دمج كل ثقافات وشعوب ومجتمعات العالم المختلفة ضمن نمط واحد غربى المنشأ والمضمون، وكان الإعلام ووسائل الاتصال وأدوات السياسة وأحياناً القوة المسلحة هى أدواتها للوصول إلى ذلك التنميط الجديد للعالم كله. ومن المعروف لدى دارسى العولمة وتداعياتها السياسية والاجتماعية والثقافية أنها أثارت مخاوف عميقة لدى مختلف الشعوب والجماعات القومية والدينية والعرقية على هوياتها وانتماءاتها الأولية، الأمر الذى دفع بمعظمها إلى المزيد من التمسك بها والعودة إليها بصور مختلفة بما فى ذلك التنازع فيما بينها وصولاً إلى درجات مختلفة من الصراع. وقد عرفت مختلف مناطق العالم تلك العودة للهويات والانتماءات الأولية وما رافقها من نزاعات وصراعات أحياناً، وكانت القارة الأوروبية مسرحاً لذلك عدة مرات، أبرزها الحروب الدامية التى شهدتها مناطق يوغسلافيا السابقة ومناطق عديدة أخرى من شرق ووسط أوروبا. ولم يكن لمنطقتى العالم العربى والشرق الأوسط أن تظلا بعيدتين عن تلك النتيجة لموجة العولمة الغربية العاتية وبخاصة جوانبها الثقافية والاجتماعية.

أما العوامل التى عرفتها المنطقتان بداخلهما، فيبدو فى البداية واضحاً العامل المتعلق بالحضور الطاغى للتاريخ ووقائعه لدى الغالبية الساحقة من الجماعات المختلفة دينياً ومذهبيا وعرقياً وبخاصة تلك المتعلقة بعلاقاتها الصراعية مع الجماعات الأخرى، بحيث أن طروء أى واقعة جديدة فى السياق المعاصر كان كفيلاً باستدعاء أسوأ ما عرفه ذلك التاريخ وإعادة إنتاجه لتبرير وتغذية وتصاعد النزاعات والصراعات الجديدة الراهنة. وهنا يظهر عامل آخر مهم لعب دوراً رئيسياً فيما يحدث اليوم وهو حداثة تجربة الدولة الوطنية الجامعة فى معظم دول المنطقتين، وفشل بعضها فى دورها بدمج كل الجماعات المختلفة بداخلها ضمن هوية وطنية واحدة بصورة توافقية أكثر منها قسرية، الأمر الذى يجعل الانتماء للوطن فى مقدمة الانتماءات ويتلوه بعد ذلك الهويات الفرعية الأخرى التى لا يصح وضعها فى تناقض مع ذلك الانتماء الأشمل والأعمق. ولاشك هنا أن هذا الفشل للدولة الوطنية لم يكن نتيجة لعوامل داخلية بمفردها، فقد لعب التدخل الخارجى وبخاصة الغربى دوراً رئيسياً فيه خلال العقود الخمسة الماضية التى تلت الانسحاب العسكرى الاستعمارى من دول المنطقة.

وهنا يظهر العامل الأكثر أهمية ومباشرة فى نشوء وتصاعد تلك الموجة من النزاع والصراع الطائفى والمذهبى التى يعد العراق بعد احتلاله أمريكياً هو المنبع الرئيسى الذى نشأت منه. فقد أدت السياسة الخرقاء للإدارة الأمريكية فى ترتيب تحالفاتها الداخلية فى العراق وتوسيع هيمنتها على المنطقة، إلى وصول الانتماءات المذهبية والطائفية فى العراق إلى أعمق وأسوأ مستوى وصلت إليه خلال العصر الحديث، وهو ما انقلب بعد ذلك فى الداخل العراقى إلى الحرب الأهلية وفى النطاق الإقليمى إلى العدوى الخبيثة التى راحت تنتشر فى كل مكان. وفى هذا الإطار فلاشك أيضاً أن قيام إيران باستخدام كل الأوراق التى تملكها فى المنطقة، وفى مقدمتها ورقة الكتلة الشيعية الكبيرة فى العراق لتقوية نفوذها فى الإقليم، قد فاقم بشدة من الوضع المذهبى والطائفى فى المنطقة عموماً وفى العراق خصوصاً، ودفع به إلى حلبة الصراع المسلح الخطر. وأتت بعد ذلك الثورات العربية بدءاً من تونس فى نهاية عام 2010 لكى توفر المناخ الأكثر ملاءمة لتنامى واتساع موجة الصراع الطائفى والمذهبى المسلح ووصولها إلى أسوأ مراحلها فى التاريخ العربى الحديث.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية