مع تعثر مفاوضات سد النهضة الذي تنفذه إثيوبيا، ومن المنتظر أن يؤثر على حصة مصر من مياه النيل، ذهب البعض إلى القول بأن الحل العسكري قد يكون الخيار الأخير لهذه الأزمة، التي تتداخل فيها العديد من القوى الدولية.
في المقابل استبعد مراقبون إمكانية تنفيذ الخيار العسكري بسبب وجود ما وصفوه بـ«اللاعبين الدوليين في إثيوبيا»، في إشارة إلى وجود نفوذ قوي للعديد من القوى الدولية الفاعلة عالميا وإقليميا، والتي تتفاوت علاقاتها بمصر من العداء إلى التحالف.
وتأتي تركيا ضمن أبرز اللاعبين الدوليين في إثيوبيا، حيث تعتبر الاستثمارات التركية الأكبر بين الاستثمارات الأجنبية المباشرة في إثيوبيا، متفوقة بذلك على الصين والهند. ووصل حجم تلك الاستثمارات إلى 3 مليارات دولار أمريكي عبر 350 شركة، أتاحت نحو 50 ألف فرصة عمل، وفق وكالة الاستثمارات الإثيوبية الحكومية.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أكثر من 420 مليون دولار أمريكي 2013، حيث تستورد إثيوبيا الآلات والمعادن والمنتجات البلاستيكية والأدوية ومنتجات المصنع، وتقوم بتصدير الحبوب الزيتية والفواكه والخضراوات والحبوب والنسيج.
كما أن خط السكك الحديدية الذي يتم بناؤه من مدينة «أواش» إلى مدينة «ولديا» (شمال شرق) تنفذه الشركة التركية يابي ميركيزي، وسوف يخلق أكثر من 10 ألف فرصة عمل.
وخلال زيارة أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إثيوبيا، العام الماضي، بدا التفاوض حول إقامة منطقة تجارة حرة بين البلدين، مع تعهد تركي بزيادة التمويل والقروض المقدمة لإثيوبيا لتسريع وتيرة المشروعات التنموية.
وتبدو السعودية من أبرز اللاعبين في إثيوبيا، لا سيما من خلال شركات رجل الأعمال السعودى الشيخ محمد العامودى، التي تعد الداعم الأول والشريك الرئيسى لإدارة الإنشاءات في مشروع السد مع شركة «سالينى» الإيطالية، من خلال مصنعين للأسمنت يتم توريد معظم إنتاجهما إلى سد النهضة، بتكلفة استثمارية بلغت 800 مليون دولار، بحسب ما ورد في تقارير صحفية نشرت مؤخرا.
وتعتمد إثيوبيا في استثماراتها في قطاع الأسمنت على الخليج والصين بشكل أساسى وفقا موقع «جلوبال سيمنت»، ففضلا عن إلى استثمارات العامودى، تم التعاقد مع شركة قطرية لاستثمار 550 مليون دولار في إنتاج الأسمنت دون الإعلان عن تفاصيل الخطة المقدمة إلى الحكومة الإثيوبية.
وبخلاف العامودي تمتلك السعودية استثمارات في إثيوبيا تقدر بنحو 5.5 مليار دولار، فضلا عن أراضي زراعية هائلة بين مرتفعة ومنخفضة وموارد مائية هائلة حسب تقرير «دليل الاستثمار في إثيوبيا» الصادر عن الحكومة الإثيوبية، وقد عقدت المملكة العربية السعودية نحو 16 اتفاقية زرعت بموجبها 1.713.357 هكتار خمس اتفاقيات منها في إثيوبيا وحدها.
وتظهر الإمارات كلاعب دولي ومهم في إثيوبيا، باستثمارات تبلغ 817 مليون دولار، بحسب وزير الاقتصاد الإماراتي سلطان بن سعيد المنصوري، الذي قال إن إجمالي حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين نحو 788 مليون دولار خلال 2014.
أما الصين، فهي من أبرز اللاعبين هناك أيضا باستثمارات مباشرة بلغت 910 مليون دولار امريكى في نهاية عام 2014، وارتفعت التجارة الخارجية إلى 3.4 مليار دولار امريكى العام الماضى.
أما إسرائيل، فلها باع كبير، حيث تعمل مئات الشركات الإسرائيلية هناك في مختلف المجالات وخلال العام الماضي فقط، تقدم نحو 250 رجلا أعمال إسرائيلي بطلب ترخيص للعمل في إثيوبيا، كما تمكن مؤخرًا أكثر من 50 رجل أعمال إسرائيلي من الاستثمار في قطاعات مختلفة، خاصة في القطاع الزراعى.
وهناك شركات إسرائيلية بارزة في إثيوبيا، مثل شركة «سوليل بونيه» في رصف الطرق، وشركة «تاهل» في القيام بدراسات حول تطوير التزود بالمياه، وشركه النفط الإسرائيلية في التنقيب عن النفط، وانشات شركه «آسيا والدا» مصنعًا لإنتاج الأدوية، وعملت شركات أخرى في تربية أسماك الزينة، ودباغة الجلود وغيرها.
كما أن إثيوبيا وافقت على اختيار شركة كهرباء إسرائيل لتولي إدارة قطاع الكهرباء في إثيوبيا، بما في ذلك تقديم الاستشارات وإلادارة لمشروعات إنشاء محطات طاقة جديدة، وكل هذه المحطات ستقام على نهر النيل الأزرق.
أما الولايات المتحدة فتبلغ حصتها في الاستثمار الاجنبي المباشر بإثيوبيا 2.5 مليار دولار في 2015.
وفي مطلع العام بدأ رجال الأعمال القطريين إنشاء مشاريع استثمارية بقيمة 500 مليون دولار في إثيوبيا، لانشاء مصانع للأسمنت؛ والسكر؛ وأعلاف المواشي، وغيرها من المجالات.
ويأتي ذلك فيما تبلغ الاستثمارات المصرية في دول حوض النيل أكثر من 12 مليار دولار، منها 8 مليار دولار في السودان فقط، والباقي موزع على الدول الأخري (11 دولة)، من بينها إثيوبيا، بحسب الدكتور شريف الخريبي، المنسق العام للمؤتمر الدولي الثاني للتكامل الاقتصادى بين دول حوض النيل.
وتؤدي كل هذه المعطيات في النهاية إلى القول بالصعوبة الشديدة في اللجوء إلى الخيار العسكري لمواجهة أزمة «سد النهضة»، نظرا لما سيمثله ذلك من ضرر مباشر على استثمارات أجنبية كبيرة هناك، اللهم إلا إذا أدت أعمال الفوضى والمصادمات بين أجهزة الأمن وبعض الطوائف الإثيوبية إلى وقوع عمليات إرهابية، تؤثر على بنيان السد.