من فضلك ادخل المقال برجلك اليمين وقول فى سرك «أعوذ بك من الخبث والخبائث»؛ لأننى سأتحدث عنهما رغماً عن أنفى، رائحة كريهة قادمة من شارع قصر العينى، رائحة الموالسة من أجل «لا شىء» للناس، ولكن كل شىء لأصحابها، «لا شىء» لمن اختاروا السراب «مستهبل وطن والناشئين الموالسين».
«ميرامار» لنجيب محفوظ وكمال الشيخ صورة من الماضى عن واقع يبدو أننا أسرى له حتى لو مرت السنون، «سرحان البحيرى» الذى يلعب دوره «يوسف شعبان» فى فيلم «ميرامار» شخصية لا تموت، فهى أبدية باقية تخدع الجميع دوماً، ترتدى ملابس جديدة وتحمل أسماء مختلفة، دينُها الانتهازية وعقيدتُها الخداع.
«1» سرحان البحيرى 1969:
«أنا وكيل شركة الغزل، وعضو مجلس الإدارة المنتخب، وعضو الاتحاد الاشتراكى، وإذا حد اتصل بيا من الاتحاد الاشتراكى ياريت تبلغينى» (يقولها بصوت عال لصاحبة البنسيون اليونانية حتى يسمعها جميع النزلاء).
سرحان البحيرى 2015:
باعتبارى أصغر رئيس حزب فى مصر والعالم، وقع الاختيار علىَّ لأكون ممثلاً عن الشباب فى حفل قناة السويس، ومرافقة الرئيس على يخت المحروسة، وهذا شرف عظيم لى وأفتخر به.
«2» سرحان 1969:
«تعرفى يا زهرة أنا أول نوبة شوفتك فيها حسيت إنك بترجعينى لريحة بلدنا.. ريحة الريف اللى اتولدت واتربيت فيه.. أنا من البحيرة فرقاصة»، وترد عليه «زهرة»، أو الفنانة شادية: «وأنا كمان»، فيعود بنبرة طامعة شهوانية تحمل مغازلة لم تخلُ من لكنة «الريف»: «أنا جيت هنا ومش هاشتاق تانى لبلدنا».
سرحان 2015:
أحمد أبوهشيمة ومنصور عامر وهانى أبوريدة يموِّلون الحزب، ولا يتدخلون على الإطلاق، وهذا شرطنا لأى رجل أعمال ينضم إلينا، ويتبرع لأنشطتنا؛ ألا يتدخل فى قرارات الحزب، ولا يتحدث عنه فى الجلسات العامة أو الخاصة.
أحمد أبوهشيمة: «قرار الانسحاب متعجل، القرارات السياسية يجب أن تؤخذ بتأنٍّ، ولا يجب أن تكون قرارات فجائية، بلاش نتسرع، ولازم نفكر، وشايف إن قرار خروج الحزب من الائتلاف سريع». بعدها بأيام.. الحزب يعود إلى ائتلاف دعم «سيف اليزل»..!
«3» سرحان 1969:
«كنت عضواً فى لجنة الطلبة السعديين فى الكلية، ولما اتخرجت انضميت للوفد، وعندما قامت الثورة انضميت لهيئة التحرير» - يعنى كان وفدياً ثم أصبح اشتراكياً - فسأله الشاب «منصور»: «هل آمنت بالاشتراكية قبل الثورة أم بعد الثورة؟»، فرد سرحان: «آمنت بها مع الثورة»، فيتدخل الإقطاعى السابق «يوسف وهبى» ساخراً: «يا سلام يا سلام، على كل حال كلنا بنحب الثورة، حتى زهرة بتحب الثورة».
سرحان 2015:
قبل الحزب: «مثلما اتهموا حمدين صباحى ومحمد البرادعى بأنهما عميلان، اتهمونى بأننى فلول، والحقيقة أننى ليس لى أى انتماء سياسى، لكن كل القوى الثورية والمدنية بالجامعات تدعمنى، ولا بد أن نفتخر بالبرادعى وصباحى».
بعد الحزب: «لم أدعم حمدين صباحى فى حياتى، ولم أشبه نفسى به كما أشيع».
«4» سرحان 1969:
موجهاً كلامه لنزلاء البنسيون بعد أن خدع «زهرة» الخادمة: «ده اللى ناقص، آخرتها عايزة تتجوزنى.. زعلت عشان خطبت المدرسة، كانت متصورة إيه؟.. إنى أخطب شغالة فى بنسيون؟»، فيرد الإقطاعى «يوسف وهبى» : «فلتحيا الاشتراكية»، ويتدخل الثرى «أبوبكر عزت» قائلاً: فركيكو..!
سرحان 2015:
نحن لا نمانع من التحالف مع أى أحد، سواء رجال أعمال أو أحزاب أو أعضاء الحزب الوطنى، فلدينا معايير وشروط ثابتة تنطبق على كل المرشحين، فلابد أن يكونوا ذوى خبرة وكفاءة وقادرين على إحداث ثورة تشريعية.
مصير «سرحان البحيرى» الفشل أو الزوال، كما حدث مع بطل «ميرامار» الذى انتهى به الحال جثة هامدة على رصيف شارع بعد أن فشلت العملية التى شارك فيها لسرقة الشركة التى يعمل بها، ويمثل عمالها فى مجلس الإدارة، الحياة لا تستمر بلا جذور فى الأرض، فالريح تقتلع «الهش» حتى وإن ظن أن هناك «مالاً» أو «ضهر» يحميه ويحمله إلى دوائر النفوذ والبقاء.
نظرية نمو أو تطور أى شىء بسيطة مثل تعليم الأطفال المشى «لابد أن تحبو فى البداية، ثم تحاول الوقوف، وبعدها خطوة أولى تتبعها خطوات حذرة، ثم تأتى خطوة واثقة تنتهى إلى ثبات يعقبه الجرى دون اندفاع»، أما مع حالة «سرحان البحيرى» فى كل العصور فليس لها سوى «فركيكو»، و«طزين.. سبحان العاطى من غير مناسبة» بصوت الراحل «يوسف وهبى».