بالأمس أصدر البنك المركزى «حزمة قرارات»، لضبط بوابة الاستيراد التى كتبت عنها سابقا تحت عنوان: «بوابة الخراب»!!
وصباح النشر تلقيت اتصالات ومواعيد لمقابلات، مع أعلى الأجهزة فى الدولة.. ومع وزير التموين الحالى (الناجح جدا).. ومع رئيس الحكومة.. وقتها شرحت بالساعات خطورة ترك أبواب الاستيراد (سداح- مداح) على مصراعيها.. وحذَّرت من مافيا الاستيراد، على استنزاف احتياطى مصر من النقد الأجنبى، وعلى خراب بيوت المنتجين المحليين.. خاصة أن عمليات التهريب من الجمارك، والتهرب الضريبى، وتزوير الفواتير ببلاد المنشأ، كانت قد وصلت إلى حد لا يحدث إلا فى مصر.. وطالبت بالتدخل الفورى، تفاديا لاضطرابات اجتماعية كانت على الأبواب.. والحمد لله سمعوا الكلام، وتدخَّلت أجهزة الدولة بالاستيراد المباشر لكسر الدوائر المغلقة للمحتكرين من عصابة المستوردين.. فانخفضت الأسعار.. وتم إجهاض مخطط حريق الأسعار لعملاء الإخوان من المستوردين والتجار الانتهازيين، والذى كان سيؤدى إلى انفجار المجتمع من الداخل، ونزول الناس للشارع!!.. و«الفكرة» التانية التى طرحتها كانت: الأسواق الثابتة والمتنقلة منها: سيارات نُص نقل للشباب، وأسواق نص جملة فى أماكن الإنتاج (من المُنتجين إلى المستهلكين مباشرة) بعيداً عن الوسطاء والسماسرة، وهو ما سيحدث الآن!!
السؤال:
بما أن الدولة اهتمت ودعمت فكرة إنشاء سلاسل تجارية عالمية فى كل محافظات الجمهورية.. بغرض وفرة كل أصناف السلع أمام المواطنين.. أين السلع والمنتجات «المحلية» التى ستعرضها على كل هذه الأرفف، ونحن نستورد 62% مما نستهلكه منها فقط (بـ21 مليار $ أكل وشرب ودخان)؟!!
مين يصدَّق اننا بنستورد مكونات الكشرى: العدس (من كندا)، الحمص (من الشام)، دقيق المكرونة (من روسيا)، وزيت قلية البصل (من شرق آسيا).. وورق عنب مجمد من الهند، 340 ألف طن نفايات أسماك من فيتنام وأوكرانيا.. و30 مليون كتكوت بط من فرنسا.. والقائمة بطول مصر وعرضها!!
والسؤال الأهم:
هل دور الدولة هو: الاستمرار فى «الاستيراد» لهم وللمجمعات الاستهلاكية، لضمان التحكم فى أسعار البيع، فنظل نستورد أكلنا وشربنا مدى الحياة؟
أم نبحث عن حلول حقيقية؟
والحل الذى عرضته على الأجهزة المعنية، وأكرره هو: أن نقرأ «قائمة الاستيراد».. ونمسك بندا- بندا.. ونسأل أنفسنا عن سبب استيرادنا كل سلعة.. وما المعوقات المانعة لإنتاجها محليا؟
مثال (1): الفول.. لماذا يمتنع المزارع المصرى عن زراعته؟
الإجابة: لأن إنتاجية الفدان أقل من طن واحد.. وفى إيطاليا- إسبانيا- الصين 3 أطنان للفدان.. فلديهم «تقاوى» منتقاة من أصناف عالية الإنتاجية!!
إذاً.. سبب استيرادنا الفول هو: عدم وجود تقاوى منتقاة!!
والحل: ندعم بحوثنا الزراعية، ليستنبطوا لنا «تقاوى» تنتج 3 أطنان من الفدان.. ونلزمهم بمدة زمنية سنتين، ثلاث، خمس (خلالها نستورد «تقاوى» تحقق الغرض مؤقتا)!!
مثال (2): لماذا نستورد 340 ألف طن أسماك؟
الإجابة: كما سبق أن كتبنا عشرات المرات.. آخرها تحت عنوان: «السمك للتماسيح والفول للمصريين».. فى المقال ستجد حلولاً وأفكاراً ومقترحات، تجعلنا نُصدِّر أسماكا (مش نستورد نفايات)!!
مثال (3): لماذا نستورد «تبغا للسجائر» بمليار $؟
الإجابة: لأن هناك قانونا منع زراعته، منذ أيام الهيمنة العثمانية، حتى نستورده من تركيا، رغم أن أيام محمد على كنا نزرعه ونُصدِّره لكل الدنيا!!
والحل: نلغى القانون.. ونزرع ما نستهلكه، أو نمنع استيراده ونوفر «ألف مليون $» سنويا!!
مثال (4): القطن.. عندنا الفدان بينتج أقل من 6 قناطير فى المتوسط.. فى بوركينافاسو وإسرائيل 14 قنطارا.. أين المشكلة؟.. التقاوى..
والحل: تانى بحوث زراعية (ثم خطط تسويقية، وتنشيط لملحقاتنا التجارية فى العواصم العالمية)!!
وهكذا نقف عند كل مشكلة.. نبحث، ونحل!!
الخلاصة:
أولا: إغراق الأسواق بالنفايات المستوردة التى كانت عائقا أمام المنتجين، الحمد لله قرارات «المركزى» ستحد منها وتُغربلها، لتُفسح المجال أمام الإنتاج المحلى، الذى كان على أبواب الإفلاس نهائيا وجماعيا!!
ثانيا: التوسع الذى سيحدث فى إنشاء سلاسل ومجمعات ستحتاج أرففها إلى سلع ومنتجات هو «فُرصة» للمنتجين المحليين، وحتى للمستوردين، الذين اضطرتهم الظروف إلى التحول من الإنتاج إلى عالم الاستيراد، لتحقيق أرباح سهلة بالملايين!!
ثالثا: لدينا سوق واسعة من 90 مليون مستهلك، بياكلوا الزلط.. وكل دخلهم إلى الاستهلاك مفيش ادخار.. هذه السوق تحتاج مئات الآلاف من المنتجين.. وهذه «فُرصة» هائلة لشباب الخريجين!!
السؤال: يروحوا لمين؟ وما المطلوب؟
المطلوب:
1- إزالة كافة معوقات الإنتاج، بدءًا من التراخيص والموافقات والإجراءات العقيمة.. وهذا لن يحدث إلا «بالشباك الواحد، والموظف الوحيد».. (نستفيد من تجربة المغرب، ولن أقول دبى)!!
2- «وزارة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة»: لترعى كل شاب راغب فى إنشاء مشروع، تُقدم له «أفكارا» لمشروعات مدروسة الجدوى، طبقا لخصائص كل محافظة وميزاتها.. تساعده بالتدريب والتأهيل، والتسويق لمنتجاته.
(نقرأ تجربة هذه الوزارة فى فرنسا، وكيف أنشأت نُص مليون مشروع للشباب، خلقت مليون ونُص فرصة عمل فى 36 شهراً)!!
3- كل هذا يحتاج بداية إلى «رؤية»، ثم «خطط»، و«سياسات»، و«برامج»، و«آليات».. فهل برنامج الحكومة التى ستتقدم به لنواب الشعب يحتوى على هذه «الخطط» «والرؤى» التى نتحدث عنها، خاصة بعد حذف المشروعات الصغيرة من المسمى الجديد لوزارة الصناعة والتجارة؟!
فى كلمتين: لدينا فُرصة تاريخية الآن لنقفز بالناتج المحلى ونُضاعفه، فلا نحتاج لنقد أجنبى للاستيراد، والأهم أمننا الغذائى، فهو أمننا القومى.. بعد أن وصل بنا الحال لاستيراد 90% من الفول (منين؟) من إثيوبيا.. والقطن (منين؟) من بوركينافاسو!!
عموما: البكاء على اللبن المسكوب ليس هو المطلوب.. المطلوب: أن نجعل من 2016 عام مضاعفة الإنتاج.. وأمامنا الآن «فُرص» بلا حدود!!