ما أظن أن هناك أقل قدر من المبالغة إذا قلت إن هذه المنطقة التى نعيش فيها من عالمنا الواسع هى أكثر مناطق هذا العالم تخلفاً واضطراباً. وأعتقد أن هناك صلة منطقية بين هذين الوصفين: التخلف والاضطراب.
ودعنى الآن أحاول تحديد عن أى منطقة أتكلم تلك التى أعتبرها أكثر مناطق العالم تخلفاً واضطراباً. فى تصورى إنها المنطقة التى تمتد من حدود العراق الشرقية إلى حدود ليبيا الغربية.
وأحب أن اقول هنا إن هذه المنطقة الشاسعة فى قلب ما يسمى الشرق الأوسط ليست كلها على درجة واحدة من التخلف والاضطراب. فقد يزداد التخلف هنا عن هناك، وقد يزداد الاضطراب فى وقت عن وقت، ولكن الصفة الغالبة على المنطقة هى صفة التخلف والاضطراب.
وقد يجوز أن نثير تساؤلاً هنا هو هل تقديم صفة «التخلف» عن صفة «الاضطراب» له حكمة معينة فى هذا المقال؟
أعتقد أن لذلك حكمة.
والآن أنتقل إلى صلب المقال: لماذا أصف هذه المنطقة بهذين الوصفين؟
هذه المنطقة تدين أغلبيتها بدين الإسلام والبعض يدين بالمسيحية وقلة قليلة فى غير دولة إسرائيل هى التى تدين باليهودية.
والذى لا شك فيه عندى عن دراسة موضوعية وليس عن عاطفة وطنية فقط أن الإسلام والمسيحية دينان يدعوان إلى السلم وإلى التسامح ولا يدعو أى منهما إلى كراهية الناس وأخذهم بالشبهات ولا يمكن تصور أن التنظيمات الإرهابية الإسلامية بدءاً من الإخوان المسلمين وانتهاء بداعش وأخواتها، يمكن أن تكون نتاجاً طبيعياً لدين ابتعث الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ليكون رحمة للعالمين. تقول الآية الكريمة «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، فهل من الممكن تصور أن الدين الذى يقصد به أن يكون «رحمة للعالمين» هو الذى ينتج هؤلاء الذين يقتلون ويخربون ويهلكون الأخضر واليابس والحرث والنسل.
أظن أن ذلك أمر مستحيل.
ومع ذلك فإن الأمر لا يقتصر على داعش فقط، فإلى جانب داعش هناك علل أخرى كثيرة. العراق تقسمها الطائفية إلى شيعة وسنة. ويقسمها الجنس إلى عرب وأكراد ويزيديين وتعبث فيها سلالة الإمبراطورية الفارسية بكل أنواع العبث لكى تحول دون وحدتها ورجعتها إلى أمتها العربية التى هى ضلع ومكّون أساسى من مكوناتها. ولعله يحسن بى هنا أن أوجه التحية إلى المرجع الشيعى الكبير الإمام السيستانى الذى يدعو الجميع فى كل وقت وحين إلى التمسك بوحدة العراق وعروبة العراق.
وإذا كان هذا هو حال العراق فإن حال سوريا أكثر بؤسا وأسوأ قيلا. لا أحد يستطيع أن يقول أين الحق وأين الصواب فى هذا الجانب أو فى ذاك الجانب. بل ما هو أو من هو ذلك الجانب وذلك الجانب. لقد اختلطت الأمور فى سوريا اختلاطاً يصعب معه الفهم من مع سوريا ومن يدمّر سوريا. هل بشار الأسد وشيعته هم الذين يريدون الحفاظ على سوريا – قبل المناصب والمغانم – أم أن الذين يريدون الحفاظ على سوريا هم جبهة النصرة ومن والاها وذهب مذهبها. وعشرات الآلاف من القتلى من الذين قتلهم، وملايين المهاجرين من الذين هجرهم.
ودمشق العزيزة الحبيبة التى كانت النفس ترتاح إليها وكان العقل العربى يحس الطمأنينة عندما يعتلى هضابها أو ينزل إلى وديانها – أين دمشق هذه التى كنا نقول عنها «وعّز الشرق أوله دمشق» أو كنا نقول «سلام من صبا بردى رق: ودمع لا يكفكف يا دمشق»، حينما غزاها الغزاة وما أكثر الغزاة الذين وجدوا كثيراً من بقاع الوطن العربى لقمة سائغة.
وإذا كان هذا هو حال العراق وحال سوريا فهل حال اليمن أكثر إشراقاً. أظن لا أحد يستطيع أن يقول ذلك. «اليمن السعيد» لا يعرف معنى السعادة والطمأنينة والاستقرار منذ عقود. والإمبراطورية الفارسية هنا أيضاً- وكأنها تريد أن تنتقم من العرب كل العرب – تعبث باليمن وشعب اليمن وتغذى «الحوثيين» وتحرضهم على هدم بلدهم وهم لا يشعرون.اليوم هدنة وغداً خرق للهدنة. والمراقبون يقولون إن الطريق إلى الاتفاق والسلام طويل طويل.
واليمن لا يكتفى بأن تكون أحواله بهذا القلق والاضطراب بل إنه يريد ما استطاع أن يصدر القلق والاضطراب إلى الجارة الكبيرة – المملكة العربية السعودية – وإلى الإخوة الآخرين فى الخليج. وكأن الذين يخططون لتدمير المنطقة العربية وتشتيت أهلها يحرصون الحرص كله على ألا يتركوا أحداً فى مأمن أو فى حاله كما يقول عموم الناس.
وإذا تركنا ذلك الجزء من الوطن العربى – فى شرق مصر المحروسة – وتوجهنا إلى الغرب فإننا سنجد ليبيا وما أدراك ما ليبيا التى يقول البعض إن داعش وجدت «لجيشها» موئلاً فيها وأن غازها ونفطها هو الذى يمدّ داعش وأخواتها بماء الحياة واستمرارها. ومع هذا كله فإن قبائلها مازالت تتقاتل مع بعضها ولا تعرف لها عاصمة ولا أين توجد مؤسساتها إذا كان هناك ما يمكن تسميته مؤسسات.
أليس هذا هو حال هذه المنطقة من العالم وأليس من الصواب وصفها بأنها أكثر مناطق العالم تخلفاً واضطراباً.
أظن أن ذلك صحيح.
و أظن أن لبنان والسودان لا يختلف حالهما كثيراً عما سبق.
وهنا ألا يجوز لى أن أقول مع الشاعر:
«شعوبك فى شرق البلاد وغربها * يعيشون كأصحاب كهف فى عميق ثبات»، وكما يبين من العرض السابق فإن هناك جيوباً فى هذه المنطقة تتمتع بقدر من الإستقرار وتحاول أن تبنى وأن تثبّت العمران وتثبّت وتتطلع إلى العالم وتريد أن تعيش وكأنها جزء منه.
وأتصور أن فى مقدمة هذه الجيوب – على اختلاف فى الدرجة – السعودية والإمارات والكويت ومصر المحروسة.
ومن وراء ذلك كله فإن الحلف الصهيونى الأمريكى يسعى إلى تخريب المنطقة لكى لا يبقى غير إسرائيل تسيطر على الأرض من النهر إلى البحر.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
[email protected]