أشكر صحيفة الأهرام لدعوتى للمشاركة فى ندوة الأهرام لمناقشة وزير التعليم العالى الدكتور هانى هلال حول استراتيجية الدولة لتطوير التعليم العالى والبحث العلمى، والتى تمتد خطتها التنفيذية بين عامى 2003 و2022. لقد سبق أن أكدت هنا فى عدة مقالات وفى حوارات مع صحف أخرى أننى لا أرى احتمالا لتحقيق نهضة مصرية شاملة دون النهوض بالجامعة، باعتبارها عقل الأمة العلمى وضميرها المشع بالقيم الرفيعة على حد سواء، كذلك أكدت أن الأستاذ هو القاطرة الحقيقية للجامع ة وبالتالى للنهضة الوطنية وأنه دون توفير بيئة العمل المناسبة لهذا الأستاذ التى تمكنه من أداء وظائفه البحثية والتعليمية داخل الحرم الجامعى ودون إعفاء هذا الأستاذ من الجرى على الرزق الأساسى خارج الجامعة بتوفير مرتب عادل وخدمات اجتماعية مناسبة -فإنه لا أمل فى تنفيذ صحيح لأى مخططات نظرية نضعها على الورق.
كذلك أكدت مرارا أن الحديث من جانب المسؤولين الذين ناقشتهم عن عدم توفر التمويل والموارد اللازمة بميزانية الدولة هو أمر يسير العلاج إذا أحسنا التصرف فى الثروة الوطنية وحاربنا الفساد الكبير الذى يلتهم حصة كبيرة من موارد الدولة، بنهب الأراضى العامة والاستيلاء عليها بمبالغ زهيدة، وهذا مجرد مثال واحد لإهدار الثروة الوطنية، لقد ذهبت إلى الندوة محملا بهذه الرؤية وأيضا محملا بإحساس إيجابى تجاه الوزير هانى هلال نتيجة للجهود التى بذلها العام الماضى مع الحكومة لتوفير التمويل اللازم لمواصلة مشروع رفع دخول الأساتذة مع ربطها بالجودة بعد أن كان هذا المشروع قد تجمد. لقد تواكبت جهوده مع مناشدات وتحركات قمت بها مع كبار المسؤولين فى الحزب الوطنى وفى نوادى هيئات التدريس بالجامعات مما أثمر أجواء إيجابية بين أساتذة الجامعات الحكومية.
أيضا ذهبت إلى الندوة محملا بفكرة الدفاع عن الجامعات الحكومية باعتبارها جامعات الشعب بشرائحه المختلفة التى تتحمل العبء الرئيسى فى تعليم 90٪ من مجموع طلاب الجامعات فى مصر والبالغ عددهم مليونين ونصف المليون طالب، وباعتبارها الجامعات صاحبة الرسالة العلمية والوطنية والاجتماعية بعيدا عن حسابات الربح والخسارة المالية التى تحكم الجامعات الخاصة. إذن لقد بدأت الاستماع إلى الشرح الذى قدمه الوزير هانى هلال متحفزا، وبعد انتهاء الشرح حل إحساس التفاؤل محل إحساس التحفز وبدأ نقاش موضوعى فى حالة من الاسترخاء ناتج عن اتحاد الرؤى العامة بينى وبين الوزير.
فلقد أكد أن الجامعات الحكومية ستبقى الركيزة الرئيسية للتعليم العالى والبحث العلمى، وأن المخاوف من تعرضها للخصخصة لا محل لها على الإطلاق، بل إن الاستراتيجية الموضوعة تهدف إلى زيادة عددها بحيث يكون لكل محافظة على الأقل جامعة حكومية واحدة، وإنه لدينا حاليا 17 جامعة حكومية سيرتفع عددها بعدد محافظات مصر.
عندما سألت الوزير عن المخاوف التى سبق أن أثارها طرح مشروع التشريع الموحد للجامعات الحكومية والخاصة ودلالته فى موضوع الخصخصة أجاب بأن الجامعات الحكومية ستبقى كما هى تابعة بالملكية والإدارة للدولة ولن تتخلى عنها. أما الجامعات الخاصة فستبقى كما هى محكومة بقانون إنشائها، وكل ما سنفعله هو وضع تشريع جديد يضم كل ما فى قوانين الجامعات الحكومية والخاصة والمعاهد العليا فيما يخص العملية التعليمية لتخضع لنظام واحد وموازين واحدة. وأضاف الوزير قائلا: ومن أجل المزيد من الشفافية وعلى عكس المتبع بعرض مشروعات قوانين على مجلس الشعب بادرنا بعرض الأفكار الأساسية على لجنة التعليم بالمجلس للمناقشة واستطلاع الرأى. وقد بدأنا هذا منذ عام 2007 لنجرى التغيير بالتدريج.
وعندما سألت الوزير عن تحسين دخول الأساتذة التى أصبحت مدعاة للسخرية، حيث يصل آخر مرتب للأستاذ قبل خروجه إلى المعاش وبعد أربعين عاما من الجهد المضنى إلى أربعة آلاف جنيه، وهو أول مرتب يحصل عليه الخريج الجديد فى أى بنك أو منشأة قطاع خاص ليبدأ حياته -أجابنى الوزير: إننا بدأنا عملية تحسين الدخول بدءا من العام الماضى وسنستمر فيها إلى أن يصل إلى المستوى الملائم.
ولقد ازداد اطمئنانى لموقف الوزير عندما أكد أكثر من مرة فى تعقيبه على بعض المشاركين فى الدولة وإدراكه لصعوبة الوضع المالى للأساتذة واضطرارهم للعمل خارج الجامعة لاستكمال حاجاتهم المعيشية والإنسانية. وأرجو أن نلمس تطورا فى هذا الموضوع على نحو عاجل يواكب موجات التضخم وارتفاع الأسعار التى تعصف بمستويات معيشة الأساتذة، خاصة من لا يعملون خارج الجامعة. إن هذه المسألة يجب أن تحتل الأولوية ليمكننا تفريغ الأساتذة لعملهم داخل الجامعة ولنفعّل طاقاتهم للنهوض بالجامعات.
لقد أوضح الوزير أن هدف التعليم العالى هو إعداد خريج متميز بمهارات عالية قادر على المنافسة فى سوق العمل المحلية والإقليمية والدولية، والمساهمة فى تحقيق خطة التنمية بالدولة، وإنه لكى نصل إلى هذه المنظومة التعليمية المتطورة فإنه لابد من التخطيط الاستراتيجى لمنظومة التعليم العالى، وضرب مثلا بكليات الحقوق التى يجب خفض عدد خريجيها حتى عام 2022، ويجب ضبط جودة العملية التعليمية بها.
كذلك لابد من التشريعات الحاكمة وهى ضرورة لضبط المنظومة وتحقيق أهدافها وهذا يستلزم دراسة التشريعات الموجودة حاليا وهى متشعبة حيث يوجد القانون رقم 49 الذى يحكم الجامعات الحكومية وقد صدر عام 1972 وهو جيد ولكنه قد لا يواكب العصر والآليات المستحدثة، وقد طرحنا مشروعا عام 2006 خضع لمناقشات عديدة وسنطرحه بعد إتمامه للمناقشة خلال هذا العام، وينقسم التشريع الذى يعد حاليا إلى ثلاثة أقسام: الحوكمة أى كيفية إدارة المنظومة التعليمية وتمويل خطة التنفيذ وهياكل الأقسام. وأوضح الوزير أن حوكمة الإدارة تستوجب وجود منظم للخدمة وهو وزارة التعليم العالى وآخر لوضع السياسات وسيقوم بهذا مجلس أعلى للتعليم العالى يشكل من الجامعات الحكومية والخاصة والمعاهد العليا العامة والخاصة.
أما بالنسبة للتمويل فقد أشار الوزير إلى اكتشاف عيب فى القانون 49 لسنة 72 أدى إلى مشاكل عديدة منها الخلل فى رواتب أعضاء هيئة التدريس، حيث يوجد لكل جامعة هيكل تنظيمى أساسه القسم العلمى بالكلية الذى يضم عددا محددا من الأساتذة لايزيد إلا إذا أضيف تخصص جديد، لكن التعديل الذى جرى على القانون أدى إلى زيادة العدد عن المقرر وأصبحت توجد أقسام فى معظم الكليات بها أضعاف العدد، ومثال ذلك أن كلية الطب بجامعة القاهرة يوجد بها 3500 عضو هيئة تدريس بينما عدد طلابها عشرة آلاف بواقع أستاذ لكل ثلاثة طلاب فى حين تعانى كليات الحقوق والتجارة من نقص الأساتذة ولذا لابد من عودة القسم إلى هيكله وهذه إحدى الصعوبات ويجب أن تحدث خلال فترة انتقالية.
لقد أشار الوزير إلى خمسة تحديات رئيسية، الأول هو الوصول إلى التنافسية العالمية والثانى متطلبات سوق العمل وتحقيق أهداف التعليم المتعددة مثل التعلم للتعلم والتعليم للثقافة العامة والثالث هو الزيادة السكانية التى تؤدى إلى زيادة الطلب على التعليم العالى، وتحويل هذا العامل إلى عامل إيجابى بفتح مسار التعليم الفنى الثانوى ليصل بالطالب إلى الحصول على البكالوريوس والدكتوراه إذا أراد وبالتالى التوسع فى هذا التعليم وتغيير نظرة المجتمع له. أما التحدى الرابع فهو التمويل والخامس فهو مقاومة التغيير.
إننى أعتقد أن المجتمع كله صاحب مصلحة فى مناقشة هذه الاستراتيجية ولذا أرجو من الوزير طبعها وتوزيعها على الجامعات وجميع الصحف لبدء نقاش واسع حولها لإثرائها بالأفكار المتنوعة.