أربع صفات حددها لنا الرسول، عليه الصلاة والسلام، للمنافق.. إذا اؤتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر.. وهو المعنى الذى أكدته كتب الأخلاق والسلوك وعلم النفس، التى أشارت كلها إلى أن الإنسان لا تتكشف حقيقته عند الوفاق معه والاتفاق، وإنما عند الاختلاف والخصام والغضب.. فكل الذين معك وإلى جوارك سيبدون فى منتهى النبل، لكن الأهم هو من منهم سيبقى محتفظا بهذا النبل حين يقع صدام ويبدأ خلاف ويصبح كل منكما فى طريق.. وكل التعاليم والوصايا الدينية والإنسانية الأخلاقية والاجتماعية تدعو لعدم الحكم على أى إنسان وهو قوى ومنتصر وفائز، لأن حقيقة هذا الإنسان لا تتكشف دون أى أقنعة ورتوش وخداع إلا عند الخسارة والأزمات والجروح والخلافات..
ومهما كان رأيك فى بلاتر، رئيس «فيفا»، أو ميشيل بلاتينى، رئيس الاتحاد الأوروبى لكرة القدم، وأياً كان حكمك عليهما بالفساد.. فإنهما ليسا من المنافقين الذين يفجرون عند الخصام أو يبدأون فى إهالة التراب على كل أحد وكل شىء عند أول وجع أو خسارة.. فقد فوجئ بلاتر وبلاتينى بقرار لجنة القيم بـ«فيفا» بمنعهما من ممارسة أى نشاط يتعلق بكرة القدم فى أى مكان فى العالم وبأى شكل ودور ومنصب لمدة ثمانى سنوات.. وإذا كان هذا القرار الأقرب إلى حكم بالإعدام الإعلامى والكروى قد لا يراه كثيرون يمثل إزعاجا كبيرا للعجوز بلاتر، الذى توالت فضائحه وتم إرغامه على الاستقالة من رئاسة «فيفا».. إلا أنه يبقى فى النهاية قرارا قاسيا وموجعا ومهينا أيضا، حتى لو كان بلاتر لا يريد العودة لرئاسة «فيفا».. فالفارق كبير جدا بين ألا تريد منصبا أو مقعدا وأن تكون ممنوعا حتى من السعى لهذا المنصب أو حلم الجلوس فوق ذلك المقعد..
أما بالنسبة لبلاتينى فهذا القرار يعنى خسارة وضياع كل شىء.. سواء رئاسة «فيفا»، التى كان هو أقرب الجميع إليها، أو رئاسة الاتحاد الأوروبى، التى يشغلها حاليا.. غير الشهرة والأضواء والمكانة الكروية الرفيعة واهتمام واحترام الكثيرين جدا فى العالم كله.. وعلى الرغم من كل ذلك فإنه لا بلاتر أو بلاتينى فقد أى منهما أعصابه أو اتزانه.. لم نر أحدا منهما تفرغ فى الأيام القليلة الماضية للشتيمة ونثر الاتهامات والإهانات على الجميع.. وعلى الرغم من قسوة المرارة وخسارتها لايزال الاثنان يؤكد كل منهما براءته وإصراره المهذب على استعادة الحقوق والبراءة والكبرياء.. ولم يتعرض زملاء ورفقاء بلاتر وبلاتينى لأى نوع من الأذى.. بعكس الحال عندنا، حيث نرى كثيرين عند الخلاف والخسارة والأزمة وهم يخلعون كل أقنعة التهذيب والوقار والاحترام ويمارسون الخصومة بكل فجر وقبح ورداءة.. ونسمع الاتهامات التى تظهر فجأة وتهديدات بكشف المستور، سواء كانت حقيقية أم كاذبة.. تهديدات هى صورة أخرى مختلفة للقبح والنفاق.. فالذى يرى فسادا ولا يكشفه أو يشير إليه حتى تصادفه أزمة أو تلحق به خسارة ليبدأ حربه المزيفة على الفساد.. هو فى النهاية رجل فاسد وشيطان يسكت عن الحق من أجل مصالحه الخاصة.