«المصرى اليوم» تواصل اكتشاف مدينة «كليم الله»، وترصد حالة التسامح والعناق بين الأديان، ورسالة السلام التى يرصدها السائح عندما يطأ بقدميه تلك البقعة المقدسة.
الحياة فى دير سانت كاترين لا يوجد مثيل لها فى العالم. مسلمون بدو يعملون فى خدمة الدير: من الحارس وزارع الزيتون ومستقبِل الزوار، لا يوجد مسلم فى سانت كاترين لا ترتبط حياته ومعيشته وعمله بدير سانت كاترين، فالبدوى المسلم يؤدى صلاة الفجر، ثم يتوجه بجمله إلى الدير، لحمل السائحين القادمين من جبل موسى فى رحلة منتصف الليل إلى الدير.
الأطفال البدو يحملون الأحجار والصخور من الجبال والمشغولات البدوية التى صنعتها أمهاتهم لبيعها للسياح القادمين لزيارة الدير، تجد داخل الدير المسجد الفاطمى يصلى به البدو المسلمون، والرهبان يؤدون صلاتهم بالكنيسة بجوار القديسة كاترين، وآخرين بجوار الوادى المقدس طوى يرتلون الأدعية، فى مشهد لا يتكرر فى العالم.
تعانق مئذنة المسجد الفاطمى برج أجراس كنيسة الدير، وفى رحلة روحية لجبل موسى، يصعد السياح لقمة الجبل فى 4 ساعات متواصلة، فى منتصف الليل يقدم لهم البدو المساعدة والمشروبات والأغطية فى استراحات الجبل ليصل المسلمون من السياح للمسجد، والمسيحيون للكنيسة، واليهود لمعبدهم.
الدير يرعى أكثر من ألف مسلم من بدو قبيلة «الجبالية»، حيث يساعد الفقير ويعالج المريض ويشارك الأهالى أفراحهم وأعيادهم.
يقول الشيخ أحمد محمد الجبالى، شيخ قبيلة الجبالية بسانت كاترين، إن البدو المسلمين ارتبطوا بالدير منذ القرن السادس الميلادى منذ قدموا من الجبل الأسود بصربيا والصحراء الغربية بمصر قبل ظهور الإسلام، بمواثيق وعهود توارثتها الأجيال حتى اليوم، وعندما دخل الإسلام مصر واعتنقوه أصبحت علاقتهم بالدير أكثر عراقة واحتراما، وأصبح الدير للبدو المسلمين مثل القبيلة، يساعد المحتاجين بالقبائل ويرعى الأيتام ويقدم المساعدة لكل محتاج.
وأشار الجبالى إلى أن الدير يستقدم أطباء من اليونان شهرا كل عام لعلاج المسلمين البدو، ويقوم بعلاج البعض فى الخارج، وأوضح الجبالى أن هناك 85 عاملا مسلما يقضون حياتهم داخل الدير، ويؤدون صلاتهم بداخله، والدير يقدم لهم إفطارا وسحورا فى شهر رمضان، ولفت إلى أن القبيلة تقدم للدير منذ القدم الحطب والفاكهة الشهية، وتشاركهم الاحتفال بأعياد القيامة، وأضاف أن القساوسة والرهبان وإدارة الدير تقدم فى أفراح البدو الخراف، ويساعدون فى بناء بيوت البدو بنسبة 50%، وتابع الجبالى أن العمالة الموجودة بالدير مقسمة 65 فردا داخل الدير و15 خارجه، علاوة على ألف وخمسين عاملا من أدلة للدير وجمَّالة تحمل الزوار لجبل موسى، منهم 400 عاملاً بالدير وسائقون و600 من الجمَّالة.
وأضاف الجبالى أن الدير استقدم 20 من العمالة، بعد تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلى، من أقباط الصعيد لأعمال لا تتفق مع البدو المسلمين والخاصة بالكنائس، احتراما لمشاعر البدو، وأشار إلى أن المسلمين البدو يؤدون صلاتهم داخل الدير، وفى شهر رمضان يقدمون لهم الإفطار والسحور.
وأشار الشيخ محمد سالم، أحد مشايخ قبيلة الجبالية، رئيس محلى مدينة سانت كاترين، إلى أن العلاقة بين الرهبان اليونانيين والبدو المسلمين علاقة أزلية توارثتها الأجيال من الأجداد حتى الأبناء، وهم يعيشون ويموتون ويُدفنون فى سانت كاترين.
يقول حمادة بهلول، مدير مركز الزوار بسانت كاترين: «تظل العلاقة بين الدير والبدو الجبالية علاقة حميمة ومترابطة وتاريخية، ففى الماضى اعتمد الجبالية على المؤن والخدمات التى يوفرها الدير، بينما كان الدير معتمدا على البدو المسلمين فى العمالة اليدوية والحماية فى الجبال، فهم سلالة الجنود الذين أرسلهم الإمبراطور (جستنيان)، لبناء وصيانة الدير منذ 1400 سنة، وتزاوجوا وتعايشوا ما بين المسيحية والإسلام، وأصبحت تقاليدهم مستقاة من التقاليد الإسلامية السمحة والمسيحية الكريمة، وأصبح الدير يستخدم الجبالية فى كل أعماله».