في خطوة تاريخية، أعلنت المملكة العربية السعودية، ظهر الثلاثاء الماضي، زيادة استثماراتها داخل مصر لـ30 مليار ريال سعودي (نحو ٨ مليارات دولار)، فضلاً عن تعهد المملكة بتوفير احتياجات الحكومة المصرية من البترول لمدة 5 سنوات مقبلة.
وفتحت الإجراءات السعودية الأخيرة وتأكيدات المملكة على مضاعفة استثماراتها مع الحكومة المصرية، الباب أمام بورصة التكهنات بتحسن أوضاع الاقتصاد المصري خلال أشهر معدودة، بعد الخسائر النسبية التي تكبدها قطاع السياحة وتراجع الاستثمار الأجنبي، جراء إقدام عدد من الدول الأوروبية، على تعليق الرحلات الجوية مع مصر، في أعقاب حادث سقوط الطائرة الروسية في سيناء.
وتأتي الإجراءات السعودية الأخيرة، بعد أزمات اقتصادية متلاحقة في مصر، وركود مستمر للعام الخامس على التوالي، وانكماش للقطاع السياحي بعد أزمة «الطائرة الروسية»، وانخفاض لإيرادات قناة السويس، ومحاولات من جانب الدولة بتشجيع وجذب الاستثمارات بمؤتمرات اقتصادية ورحلات خارجية للرئيس، وحلول لم تشفع للبلاد في ختام العام، بغير الحصول على مساعدات خارجية من المملكة العربية السعودية، ومفاوضات حول المزيد من القروض من المؤسسات الدولية.
وبدأ عام 2015، بتخفيض البنك المركزي قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي بنحو 3.5%، وقفز سعر الدولار لمستوى 7.39 جنيه في عطاء البنك المركزي 22 يناير، مقابل 7.14 جنيه.
ويرى محمد فتحي، رئيس مجلس إدارة شركة «ماسترز لتداول الأوراق المالية»، أن الانعكاس الإيجابي لخطة الدعم السعودية ظهرت سريعا على البورصة المصرية التي ارتفعت مؤشراتها تفاؤلا بتداعيات إيجابية أكبر في الفترة المقبلة في العلاقات الاقتصادية «المصرية-السعودية»، مما سيكون لها آثارا إيجابية على الاستثمارات المتدفقة لمصر.
وأضاف «فتحي»، في تصريحات لوكالة الشرق الأوسط، الأسبوع الماضي، «أن مؤشرات البورصة سجلت صعودا جماعيا قويا، مما انعكس على عموم الـسهم التي قفزت بنسب تراوحت بين 3 و5 في المائة»، مشيرا إلى أن سوق المال ستكون أكثر القطاعات استفادة من هذا التوجه من المملكة العربية السعودية.
وشهد، أكتوبر الماضي، الارتفاع الثالث لسعر الدولار مقابل الجنية المصري، خلال العام الجاري، فبعد أن استقر عند 7.73 في يوليو 2015، وظل ثابتا نحو 3 أشهر، حتى ارتفاع إلى 7.783، في عطاء البنك المركزي، ليعود للارتفاع مرة آخرى، إلى 8.03 جنيه في عطاء التالي يوم 19 أكتوبر.
ويقول الدكتور مدحت نافع، خبير الاقتصاد، «إن الاوضاع الإقليمية تفرض على الجانبين المصري والسعودي العمل سويا نحو المزيد من تطوير العلاقات الاقتصادية البينية للتصدى لتحديات الفترة المقبلة، خاصة لما يمر به العالم من تباطؤ اقتصادي ينذر بمزيد من التراجع في أسعار النفط التي بلغت هبوطا غير مسبوق منذ سنوات، وسجلت 38 دولارا للبرميل.
ويشير إلى أن تراجع أسعار النفط يدفع دول الخليج، وفى مقدمتها السعودية، إلى مزيد من التنويع في هياكلها الاقتصادية، خاصة وقد بدأت تلك الدول في تلقى العديد من الصدمات مع تراجع التصنيف الائتمانى للمملكة للمرة الأولى منذ سنوات.
ويضيف: «الاقتصاد المصري يعد من أكثر الاقتصادات العربية تنوعا وتتوافر به فرص كبيرة للتنمية الزراعية والصناعية والخدمية، كما تتوافر به العمالة الماهرة المدربة والطاقات البشرية الكبيرة الأقل تدريبا، إلى جانب موارد كبيرة غير مستغلة في قطاعات السياحة والتجارة والخدمات اللوجيستية والزراعة والصناعات الثقيلة، ليصبح من الضرورة بمكان إعادة إحياء فكرة التكامل الاقتصادى العربي».
وتوقع «نافع» أن يكون للمجلس التنسيقي «المصري-السعودي» دور كبير لهذا التعاون الوثيق بين مصر والمملكة العربية السعودية، فقط إذا نجح في ترجمة الوعود السعودية إلى واقع بزيادة الاستثمارات السعودية المباشرة في مصر فوق مستوى الـ8 مليارات دولار إلى مشروعات ذات جدوى مع إحياء كثير من المشروعات البينية المعلقة منذ سنوات، وفى مقدمتها الجسر البري، والإنتاج المشترك للطاقة.
وأكد «نافع» أن المستثمر السعودي أصبح أكثر اطمئنانا على استثماراته في مصر، بعد أن اهتمت مؤسسات الدولة بحل الكثير من المشكلات، معتبرا أن تنمية إقليم قناة السويس يمكنه أن يصبح النموذج الأبرز لتحقيق التعاون الاقتصادي المنشود بين البلدين باستقباله استثمارات سعودية تحقق مصالح البلدين على مستوى محلى محدود قابل للتوسع والتعميم في عموم إقليم القطرين الشقيقين.
وجاءت حزمة الدعم السعودي في وقت يمر فيه الاقتصاد المصري بمفترق طرق في ظل نقص الموارد الدولارية، وتزايد احتياجات مصر من المواد البترولية المستوردة، مما يزيد الضغوط على الاحتياطي النقدي، فضلا عن دعم الموازنة العامة للدولة، وتقليص العجز وتحسين ميزان المدفوعات.
ورغم أن التصور العام هو أن خطة الدعم السعودي التي وجه بها العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، لزيادة استثمارات المملكة في مصر، بجانب مساهمتها في توفير احتياجات مصر من المواد البترولية لمدة خمس سنوات مقبلة، ستعزز بشكل كبير من موقف الاقتصاد المصري وقدرته على تجاوز التحديات الصعبة التي يواجهها في الفترة الحالية، فنؤكد ذلك بمتابعة حجم التبادل التجاري بين مصر والسعودية خلال 8 شهور من العام الجاري نحو 3673 مليون دولار، منها 2195 مليونًا صادرات سعودية إلى مصر، و1478 مليونًا صادرات مصرية إلى المملكة، نرى أن زيادة استثمارات السعودية داخل مصر لـ30 مليار ريال سعودي، تتحرك صعودا في محاولة لإنقاذ الاقتصاد المصري.