x

د.أسامة الغزالى حرب يكتب: حصاد الحرب العربية - الإسرائيلية السابعة (3) قائمة الخسائر

الخميس 12-02-2009 00:00 |

لدى رصد حصاد الحرب العربية - الإسرائيلية السابعة (أو حرب غزة!) والتى ذكرت - وأكرر- أنها كانت حربا خسرها الجميع، بدأت (المصرى اليوم: 26/1) برصد الخسارة الإسرائيلية، مؤكدا أن ما تصوره الإسرائيليون انتصارا حققوه لم يكن سوى وهم كبير، فهم لم يحققوا انتصاراً عسكرياً ولا سياسياً، فضلا عن أنهم كشفوا للعالم عن وجه عنصرى كريه، عبر استهدافهم المشين المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ، وتدمير جميع المؤسسات والمنشآت المدنية فى غزة.

أما فى المقالة الثانية (المصرى اليوم: 3/2) فقد تناولت خسارة حماس، وارتباط هذه الخسارة - أولا - بتناقضها المبدئى، أى دخولها فى العملية السياسية الفلسطينية، ورفضها - فى الوقت نفسه - للأساس الذى قامت عليه، أى اتفاقية أوسلو وتوابعها، ثم ارتباطها - ثانياً- بالعجز عن التفرقة بين متطلبات المقاومة ومتطلبات الحكم، أو بين اعتبارات الثورة واعتبارات السلطة، الأمر الذى يضع حماس - حتى هذه اللحظة - فى مأزق تاريخى لا يمكن إنكاره.

فإذا كان طرفا الحرب المباشران - أى إسرائيل وحماس - هما أول الخاسرين، فإن الخسارة شملت - فى الواقع- الجميع، أو أنه - بتعبير أكثر دقة - لم يكسب فيها أحد، اللهم إلا الشعبية التى حظى بها الرئيس الفنزويلى «هوجو شافيز»، ورئيس الوزراء التركى «رجب طيب أردوغان» بسبب إدانتهما القوية للعدوان الإسرائيلى على غزة.

وعلى أية حال، فليس من المفيد كثيراً حساب الخسائر أو المكاسب التى حققتها هذه الدولة أو تلك أو هذه المنظمة أو غيرها.. إن خسائر هذه الحرب ثبتت بشكل واضح لا شك فيه، من زاوية الضربات القاسية التى وجهت لقضايا كبرى مثلت طوال نصف القرن الماضى أهدافا عزيزة لدى الشعوب العربية كلها:

* الشقاق العربى:

فتلك الحرب أحدثت - أو هى فى الواقع كشفت، وعمقت بشدة - شرخا وانقساماً عربياً عميقاً، بين ما سمى دول أو قوى الممانعة!! ودول أو قوى الاعتدال!. المجموعة الأولى شملت بالأساس سوريا، وحماس، وقطر (إلى جانب إيران؟!) وقد حضر مؤتمرها،الذى عقد فى الدوحة فى 16 يناير 2009، رؤساء السودان والجزائر، ولبنان وموريتانيا وجزر القمر، فضلا عن تمثيل أدنى من جانب بعض الدول الأخرى (العراق - المغرب - ليبيا - جيبوتى).

لقد كان من الطبيعى أن يعيد هذا الانقسام (بين محورى الممانعة والاعتدال) إلى الأذهان الانقسام الذى وقع فى العالم العربى قبل ثلاثين عاماً إزاء قضية أخرى مرتبطة بفلسطين - هى مبادرة الرئيس السادات للسلام مع إسرائيل واتفاقيات كامب ديفيد عام 1978- بين ما سمى فى ذلك الحين دول الصمود والتصدى، وبين مصر بقيادة السادات.

والنقطة الحيوية هنا أن قطبى الانقسام فى الحالتين كانا هما: مصر وسوريا! (وهذا يرتبط فى الواقع بإحدى السمات الأساسية للعالم العربى المعاصر والعمل العربى المشترك!).

فى الحالة الأولى (الصمود والتصدى)، وقفت مع سوريا كل من العراق وليبيا والجزائر واليمن الجنوبى ومنظمة التحرير الفلسطينية. أما فى الحالة الثانية (الممانعة!)، فإن المهم ليس عدد أو ثقل الأطراف العربية التى وقفت معها، (فقد شملت أساسا حماس وقطر!)

وإنما هو أن الدعم الأساسى، الذى تلقاه هذا الطرف أو هذا المحور، كان هو الدعم الإيرانى الذى هو - أولاً- دعم غير عربى، ثم إنه - ثانياً- دعم محمل بأبعاد ومخاطر مذهبية، لها تأثيراتها الخطيرة بعيدة المدى على العالم العربى، والعالم الإسلامى، من خلال ما يمكن أن يثيره من استقطاب سنى - شيعى مقيت، فتنته لم تعد نائمة، بل هى كامنة ومتحفزة..

 لقد انعكس هذا التعميق للشرخ العربى،الذى أحدثته حرب غزة،على مجريات ونتائج قمة الكويت (التى كان مقرراً عقدها منذ فترة طويلة) وخلصت القمة - فيما يتعلق بالوضع فى غزة - إلى بيان يعتبر نموذجاً للبيانات التى لا تقول شيئا! فتجاهل كل المؤتمرات، وكل المبادرات،بما فيها مبادرة السلام العربية، والمبادرة المصرية التى اعتمدت دوليا كمرجعية لترتيبات وقف إطلاق النار.

وبعبارة موجزة، فإن حرب غزة سجلت نكسة للعمل العربى المشترك، وأعادته إلى مرحلة توهمنا أنه تجاوزها نهائيا، أى مرحلة البيانات والمظاهر الشكلية للتضامن التى تخفى تناقضات بل صراعات حادة.

* الشقاق الفلسطينى:

ربما كان الشقاق بين الفصائل الفلسطينية هو أخطر ما تمخضت عن حرب غزة على الإطلاق. وإذا كان الشقاق العربى قد عاد بالعمل العربى المشترك إلى الوراء، فإن الشقاق الفلسطينى - الفلسطينى يهدد - على نحو جاد وخطير - ما أنجزه النضال الفلسطينى من مكاسب عبر تاريخه الطويل، والمرير.

وابتداء، فإن تعدد فصائل المقاومة الفلسطينية ليس نقيصة فى ذاته، بل إنه يعكس التنوع الطبيعى - والإيجابى - فى القوى السياسية والاجتماعية الفلسطينية، وهو ما انعكس على منظمة التحرير الفلسطينية، منذ مولدها كمظلة انضوت تحتها فصائل متعددة (فتح - الجبهة الشعبية - الجبهة الديمقراطية... الخ).

وبالمناسبة، فإن الحركة الصهيونية التى استولت على فلسطين ضمت داخلها قوى عديدة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين... الخ، وكان ذلك عنصر قوة ودعم لها، وليس العكس. وعندما ظهرت «حماس» فى عام 1987 خارج إطار المنظمة، لم يقلل هذا من شرعيتها ولا من شراكتها فى النضال الفلسطينى، جنباً إلى جنب مع الفصائل الأخرى داخل أو خارج منظمة التحرير.

ومع أن انخراط منظمة التحرير الفلسطينية فى العملية السلمية، وتوقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993، أدى إلى جعل الخلاف الفلسطينى - الفلسطينى أكثر حساسية وخطورة، وبالتحديد إزاء رفض بعض الفصائل تلك العملية من أساسها، إلا أن توقف تلك الخلافات تحت سقف معين قلل من تأثيراتها السلبية، بل ربما كان عاملاً إيجابياً لصالح المفاوض الفلسطينى.

فى هذا السياق، وعندما تقدمت (حماس) للمشاركة فى الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، انطوى ذلك بالضرورة على تسليم ضمنى منها بالعملية السلمية التى بدأت فى أوسلو، والتى جرت الانتخابات التشريعية وفق آلياتها وشروطها.

غير أن تفجر الأوضاع على الساحة الفلسطينية، عقب نجاح حماس فى تلك الانتخابات، والصراع المرير مع منظمة فتح (على النحو الذى سبقت الإشارة إليه) والذى تفاقم على نحو مطرد منذ بداية 2006، إلى أن استولت حماس على السلطة فى قطاع غزة فى يونيو 2007 ـ أضفى أبعاداً كارثية على الوضع الفلسطينى برمته، تبدت كلها فى أثناء وعقب حرب غزة المشئومة:

- فقد ألقت ظروف تفجر الحرب ومسؤولياتها ومراراتها بظل ثقيل على الانقسام بين فتح وحماس، خاصة أنها انطوت على مصادمات،وقتل وإهانات من كل طرف لأنصار الطرف الآخر، على نحو يصعب تجاوزه وتجاهله.

- وأرسلت تلك التطورات كلها إشارات للجميع، فى الداخل والخارج، على فشل مشروع ديمقراطى وليد، وعلى وأد لأمل راود البعض فى أن تقدم فلسطين نموذجا عربيا للديمقراطية، يفك نحسها فى العالم العربى من المشرق إلى المغرب!

- أما ثالثة الأثافى (كما يقال!) فهى الإجهاض المبكر للمشروع الأسمى والأهم للنضال الفلسطينى الحاضر، وهو بناء الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف!! فهل هناك حجة لدى إسرائيل ومناصريها للتلكؤ فى الوفاء بمطلب الدولة الفلسطينية، أثمن وأكبر من القول إن على الفلسطينيين - أولا - أن يضموا صفوفهم، ويوحدوا كلمتهم قبل أن يستأنفوا مطالباتهم بالحصول على دولتهم المنشودة؟!

* ثم السلام ؟!!

وأخيرا، وبناء على هذا كله، هل يمكن إنكار أن الحرب على غزة قد وجهت ضربة قاسية لآمال السلام العادل والشامل والحقيقى فى المنطقة؟ وأنا لا أقصد هنا اتفاقيات أو معاهدات السلام (وهى على أى حال ليست مستحيلة الانتهاك أو الاهتزاز!) وإنما أقصد روح السلام،وإيمان شعوب المنطقة بأن هناك بالفعل أملا فى سلام عادل يتيح للجميع الفرصة لبناء أوطانهم وتقدم شعوبهم.

هل فكر مثلا قادة إسرائيل - المنغمسون فى صراعهم على أصوات ناخبيهم - فى أن الأثر الوحيد الذى تركته مشاهد قتل وتعذيب وتشويه آلاف الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير عشرات الآلاف من المساكن والمدارس والمرافق (انتقاما لإطلاق صواريخ حماس!) على مدى اثنين وعشرين يوما كاملاً فى غزة، هو شعور الملايين فى العالم العربى بأنه لا فائدة ولا معنى للسلام مع إسرائيل والإسرائيليين؟!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية