x

علاء الغطريفي لقد مات محمد إبراهيم منصور..! علاء الغطريفي الأحد 06-12-2015 21:41


أغلق الهاتف بعد أن اتفقنا على اللقاء، ولكن لن يتم اللقاء، فقد تأجل لآخرتنا عندما توفَّى النفس أيامها على البسيطة، ذهب إلى خالقه قبل أيام، ولم يكتب لنا القدر حديثاً آخر عن هموم وطنية شغلته دوماً، وأحاديث أخرى لا تنفصل عن مشاعر أبوية لابد أن تحتويك بالسؤال عنك وعن العمل والمسير فى حياة صاخبة لا تنتهى أتراحها، جاءنى الخبر هناك فى رحاب مدينة باردة خارج البلاد، تذكرت أسئلتك الدائمة عن المستقبل، مشروعك الذى رسمته لذاتك، وحاولت كثيرا ليكون مشروعا وطنيا، وغلبتك البيروقراطية والإدارة المريضة الكسيحة للبلاد.

«دراسات المستقبل» كان الإقليم يطلبك دوما لتتحدث عنها ويستمع إليك من بيروت إلى الخليج إلى الشمال الأفريقى، أما مصر فقد كان كلامك حبيس أدراج قصر الأميرة فريال، «حيث مقر الحكومة»، هل فعلا ننظر للمستقبل؟ سألتك يوما ما، فقلت: كتبت وقدمت لهم ما نخشى من مخاطر على الوطن فى مسائل عدة، أتذكر كلماتك عن سد النهضة: عند الإعلان عن سد النهضة استدعت الذاكرة يوميات زيارة قصيرة لبلد أفريقى طموح واعد هو إريتريا يرقد على طرف القرن الأفريقى، وعلى خط التَّماسّ مع الخطر البازغ فى الجنوب، واستحضرت مقابلة طولها خمسون دقيقة مع رئيسها أسياس أفورقى، سمعت فيها نصيحته الغالية لنظام مغتر سد أذنيه عن كل نصيحة، واستصحبت الشاعر العربى دريد بن الصمة يلوم قوماً تلكأوا، «فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد!».

تلكأنا، فخسرنا، وهكذا فى ملفات عدة، نصحت وتجولت بين العواصم، أملا فى غد مختلف عن يوم ملىء بالخيبة وتداعِى الأمل، ولهذا نظرت إلى الخريطة هناك لتتجاوز الوادى إلى «سيناء»، التى جعلتها المصادفة الجغرافية فى واجهة الخطر، شغلتك تنميتها ووضعت ورقة تلو الأخرى وبحثا وراء بحث، واستقرت الأوراق كما اعتدنا فى زوايا مكاتب الكبار، تأخر حلم التنمية الذى أكدت أنه السبيل إلى حماية بقعة أرضنا العزيزة.

لا تسع كلماتى ما فعلت، ولن تصف بعضا من علمك، لقد قصرت كثيرا أن أكتب عنك فى الحياة، فأفكارك التى وسعتها كتبك ومؤلفاتك كانت تلزمها إعادة قراءة، فسلوانا كانت مقالاً فى الأهرام أو الوطن أو صحيفة عربية، جديتك وتواضعك وتركيز العلماء لم تدفعك إلى المكلمات الفضائية، فقد كنت مهتما فقط بأن تدون تراكمك وخبراتك من أجل هذا البلد، «وأخفيت آلامك ولم تكتبها إلا مؤخرا عندما ذهبت كما قلت إلى سفينة مجدى يعقوب.. القلب العليل تعرض للإنهاك من رحلة حياة دستورها الكد والشرف، عندها قلت: هناك لن تجد مَن يسألك عن دينك أو عن كيس نقودك، وإنما تجد الكل يسألك عن ألمك، لا تحتاج أن تميز نفسك بهوية أو تربط نفسك بنسب أو تستجير بطائفة، لا ترفع السفينة أعلاماً أو شارات أو صلباناً معقوفة، وبين سفينة مجدى يعقوب وسفينة نوح وجوه شبه كثيرة، فهما سفينتا «إنقاذ» ونجاة، وسفينتا «تنوع» خلاق! ومن فوق سفينة مجدى يعقوب تستطيع أن ترى مصر تتكافل وتتكامل وتتعافى.

مصر ظلت فى مركز الذات المأخوذة بالتفاصيل المقلقة على بلاد تخشى المستقبل، فى حين تتجاهله فى إنكار بدا منظما، هروب من سؤال فى امتحان الغد، لم يَفُتْك أن تنقش عنه على جدران الكلمة رؤى ووجهات نظر لخصتها، قائلاً فى مركز دراسات الوحدة العربية: «فمازلنا نعانى غيابا شبه تام للرؤية المستقبلية، وفى كثير من مظاهر حياتنا، بل فى بينة تفكيرنا»، وأنت اليوم تغيب، ونحن لم نراوح المكان ولا نرغب أن نذهب قليلا لنتفكر فى زمن مقبل لنسأل أسئلة مصيرية عنا وعن الآخرين، فالعالم يرسمه المنظمون المتحسبون للقادم كما آمنت.

غِبْتَ عنا، ولكن لن تغيب كلماتك، نلتمسك على صفحات كتبك، نحادثك بأبحاثك، نخاطبك بخواطرك فى الصحف، نهاتف تلاميذك ونلتقى أولادك، فهم بعض منك، وداعاً عالمنا الجليل، وندعو الله أن يُسكنك فسيح جناته ويلهمنا صبراً على صبر، فكم من شريف غادرنا، وقد كنتَ أحدهم.. وداعا محمد إبراهيم منصور.

كلمة أخيرة: هذا الرابط يتضمن تفاصيل عن سيرة عالمنا الجليل وعناوين لمؤلفاته ودراساته وأبحاثه: https://www.facebook.com/Assiut.University.Commerce1/posts/655553217833648

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية