x

عبد الناصر سلامة الأسفار المصرية عبد الناصر سلامة الأربعاء 02-12-2015 21:45


أعتقد أن هناك ما يشبه الإجماع الآن شعبياً، حول أن الأسفار الخارجية لمسؤولينا قد استحوذت على القدر الأكبر من الجهد، على حساب الشأن الداخلى، الذى بدا، منذ البداية، أنه كان الأجدر بالاهتمام، بدءاً من أعلى مسؤول، بما يستلزم البدء فى زيارات داخلية بالمحافظات، وربما الأحياء، وأعتقد أن مقالات الكُتاب، ولقاءات المفكرين قد حملت الكثير بهذا المعنى، بعد أن أصبح مطلباً مهماً فى ظل هذه الظروف، التى تردت معها الأوضاع فى مجالات عديدة، تستوجب التعامل المباشر معها على الطبيعة، بدلاً من أسفار الخارج المكثفة، التى لم تُسفر فى مجملها عن فائدة تتناسب حتى مع حجم ما يُنفق عليها.

فى الوقت نفسه، بدا أن تقوية الجبهة الداخلية، باصطفاف واضح، ونهضة حقيقية، هى الطريق القويم لعلاقات قوية مع الخارج، الذى بدا أنه يتعامل فى استقبالاته للوفود المصرية فى مجملها، بما لا يتفق ولا يتواءم مع حجم مصر، ولا تاريخها، ولا جغرافيتها، لسبب وحيد، وهو إدراك هؤلاء وأولئك لحجم الأزمة الداخلية التى يعيشها مجتمعنا، وحجم الانقسام والاستقطاب والخلافات، التى تمثل فى مجموعها آفة حقيقية، يمكن أن تضرب أى مجتمع فى صميم مفاصله.

لا يستطيع أحد أن ينكر أهمية العلاقات الخارجية، وأهمية التنسيق فى المحافل الدولية، وأهمية التبادل التجارى مع دول العالم المختلفة، إلا أن مثل هذه العلاقات، دائماً وأبداً يجب أن تقوم على الندية، ومبدأ التكافؤ فى كل الأحوال، ولن يتأتى ذلك أبداً إلا من خلال مصر القوية والمتماسكة داخلياً قبل أى شىء آخر، بما يضمن أبسط الأمور، وهو احترام جالياتنا فى الخارج لتلك الوفود، قبل أن نطالب الآخرين باحترامها.

فما شاهدناه ويشاهده العالم معنا خلال تلك الزيارات أصبح أمراً مشيناً، لم نحاول التعامل معه بطرق موضوعية، أو علمية، بل أصبحنا نستدعى قوى الأمن فى تلك البلدان للتعامل معه، أو بمعنى أصح للتعامل مع الجالية المصرية فى كل بلد على حدة، وهو الأمر الذى يُعد خصماً من رصيد الكرامة والسيادة والتاريخ، وكل شىء تقريباً، فى الوقت الذى كان يمكن أن نعيد فيه النظر فى تلك الوجوه التى تمثل مصر فى هذه المحافل، سياسياً واقتصادياً، وحتى إعلامياً.

إصلاح البيت من الداخل أيها السادة أصبح مطلباً وطنياً من كل الوجوه، وذلك لأن استمرار حالة الاهتراء هذه سوف يزيد، كما هو واضح من تفاقم الأوضاع، داخلياً وخارجياً فى آن واحد، بل قد تفاقمت بالفعل، وما تدنى نسبة الإقبال على التصويت فى الانتخابات البرلمانية إلا دليل واضح على ذلك، وما حالة الاستنفار العام المتبادلة بين الشرطة والمواطن إلا دليل آخر، وما حالة (الحرب) على مواقع التواصل الاجتماعى، بين الأفراد والجماعات، إلا دليل ثالث، ناهيك عن الدعوات إلى اعتصامات هنا، واحتجاجات هناك، وتتويج ذلك بالدعوة إلى ثورة حقيقية فى الخامس والعشرين من يناير المقبل.

هى إذن أزمة، يجب أن ندركها جيداً، وهى أن المجتمع فى الداخل فى حاجة إلى جهد كبير: مع الفقراء، مع المشردين، مع العاطلين، مع المجرمين، مع الفرقاء السياسيين، مع المرافق، مع الخدمات، بالتأكيد شرق بورسعيد، وجنوب السويس، وغرب الإسماعيلية، وما شابه ذلك، جميعها مشروعات قد تكون فى غاية الأهمية، إلا أن مردودها ليس على المدى القريب الذى يتطلع إليه المواطن عاجلاً، وبالتأكيد أيضاً فإن المشاركة فى اجتماعات تتعلق بالمناخ، أو الأوزون، أو ما شابه ذلك، أمر مهم كذلك، إلا أن الاهتمام بحقوق الإنسان فى الداخل، بما يضمن عدم قتله داخل أحد أقسام الشرطة، هو أمر أكثر أهمية.

هى نصيحة صادقة لأولى الأمر، احترام الآخرين لنا فى الخارج يبدأ من الداخل، ولم يعد مقبولاً أن نشاهد عدم تقدير من أى نوع، لأى مسؤول مصرى، فى أى بلد كان، كبيراً كان أو صغيراً، فنحن الكبار قبل كل هؤلاء، ولن يغفر التاريخ أبداً لأولئك الذين يسيئون إلى تاريخ مصر، داخلياً وخارجياً.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية