x

حلمي النمنم القناة وتنمية مصر حلمي النمنم الثلاثاء 01-12-2015 21:24


أعطى الرئيس عبدالفتاح السيسى، ظهر يوم السبت، إشارة البدء فى مشروع تنمية محور قناة السويس، هذه البداية تأتى بعد أقل من أربعة شهور على إتمام حفر ازدواج قناة السويس، والواضح من هذا أن مصر تعتبر «قناة السويس» مشروعها القومى والتنموى، ولم يكن أمامها بديل عن هذه الخطوة، ذلك أن تاريخ مصر بعد حكم محمد على يتمحور حول هذه المنطقة، منذ الامتياز الذى منحه الوالى محمد سعيد إلى ديليسبس بحفر القناة، مروراً بافتتاحها وقصة الديون زمن الخديو إسماعيل، ثم الدور الذى لعبه ديليسبس أثناء الثورة العرابية واحتلال مصر، والباقى نعرفه جميعاً.

من يعرف جغرافية مصر وأهمية موقعها يدرك حيوية محور القناة لمصر، فى زمن الفراعنة كانت هناك قناة «سيزوستريس» لربط منطقة الوادى بالسويس وما حولها، خاصة سيناء، البوابة الشرقية لمصر، صحيح أن سيناء كان يتم تأمينها طوال التاريخ بالحملات العسكرية ونقاط الحماية، لكن ذلك لم يعد كافياً وحده فى هذا العصر، لابد من التنمية وإقامة تجمعات بشرية وسكانية، تملأ المنطقة حياة وعمراناً.

ستة أنفاق تحت القناة يجرى الإعداد لحفرها وتجهيزها، فضلاً عن نفق الشهيد أحمد حمدى وكوبرى السلام، والمعديات التى تتحرك بين الضفتين الشرقية والغربية للقناة، مما يعنى حرية واتساع الحركة والانتقال، فضلاً عن المشاريع الضخمة التى ستقام فى محور القناة، والتى تفتح آفاقاً واسعة للتنمية وللنهوض الاقتصادى، بما يترتب عليه من تأسيس مجتمعات جديدة، وربما مدن بأكملها، على غرار بورسعيد والإسماعيلية وبورفؤاد وبورتوفيق، فهذه المدن نشأت جميعها حول القناة، أثناء وبعد حفرها؛ والمعول عليه أن تمتد عمليات التنمية إلى أنحاء سيناء، وأن ينعم أهلها بتلك التنمية، وفى ظل التطور العلمى والتكنولوجى الحديث، لم يعد صعباً بناء تنمية وإقامة حياة واسعة فى مناطق صحراوية أو شبه صحراوية.

الغريب أن سيناء اسمها جغرافياً «شبه جزيرة سيناء» وتطل على البحرين المتوسط والأحمر، وعلى قناة السويس، التى تربط البحرين، وأكرر أن القناة جهد بشرى مصرى، خالص، بمقتضاه تم ربط البحرين معًا؛ ورغم ذلك كله تركت طوال التاريخ شبه قاحلة وبات من الضرورى أن تتغير تلك الصورة تماماً، ونحن قادرون على ذلك إذا أردنا.

ومنذ أن بدأت مصر ازدواج القناة فى أغسطس 2014، وهناك من يشعر بالقلق ويتساءل، وهناك من يشكك ويشكك فقط.

بعض القلقين والمتسائلين يصدرون عن حس وطنى، هم يتخوفون ويريدون أن يطمئنوا إلى أن عوائد المشروع تغطى الإنفاق فيه وتكلفته، وأنه سوف يعود بالخير علينا. فى ذاكرة هؤلاء مشروع توشكى الذى بدأ زمن الرئيس الأسبق مبارك، وأنفقت فيه مصر عدة مليارات، وتبين أن عائده ليس كما كان متوقعاً ومن ثم لم يستكمل وتوقف العمل فيه، ومن حق هؤلاء أن يطمئنوا، وعليهم أن يستمعوا إلى الخبراء فى ذلك، بالإضافة إلى القائمين على المشروع، ومن واجب الإعلام أن يقدم معلومات أكثر للرأى العام حول هذه المشاريع.

وهناك فئة أخرى، بعض هؤلاء أقرب إلى «التنطع»، لقد جرى توجيه اللوم الشديد إلى مصر زمن مبارك لأنها لم تستفد جيداً بمحور القناة، وأن هذا المحور يمكن أن ينقل مصر تمامًا من عالم إلى عالم، على غرار «هونج كونج» أو سنغافورة، وغيرها، وكان للانتقادات وجاهتها ومنطقها السليم، وها هى مصر تتدارك ذلك وتشرع فى الاستفادة الفعلية من القناة، وتحولها إلى بؤرة للتنمية، وليس فقط كونها معبرا مائيا لسفن تذهب وتعود، وفى النهاية تضخ فى الخزينة المصرية عدة مليارات من الدولارات سنوياً، الآن مصر تغير ذلك الوضع وتجعل من القناة بداية انطلاقة تنموية وحضارية كبرى ليس لسيناء ومدن القناة وحدها بل لمصر كلها.

ولا يجب أن ننزعج من آراء هؤلاء، هى فى النهاية آراء يجب أن نستمع إليها وأن نتعامل معها بالحوار وبالنقاش، ومع الوقت سوف يتبلور رأى يمكن أن نلتقى حوله جميعاً، حتى وإن بقيت هوامش للخلاف.

غير القلقين «إيجابياً» وبعض المتنطعين، هناك الكاره والحاقد، الذى لا يريد لهذا الوطن أن ينطلق، راح بعضهم يتحدثون عن أن القناة الجديدة عديمة الجدوى، وأنها هدية مصر التى «لا يريدها العالم»، وأن عوائدها سوف تكون جد محدودة، وأن أموال المصريين الذين تقدموا بها لمشروع القناة لن يتم تشغيلها سوف تكون عبئاً على البنوك المصرية و..و..إلخ، ولا يجب أن نفاجأ بهؤلاء ولا حتى أن ننزعج منهم، فهم إلى جوار الكراهية وعدم الحب لمصر والمصريين، يتمتعون بقصر نظر حقيقى، وكل من لا يحب مصر، هو عليل الفؤاد وقصير النظر فكرياً وأدبياً، إن لم يمكن يعبر عن هوى وغرض شخصى أو أيديولوجى، فالقناة الأم بعد افتتاحها مباشرة، ظلت عدة سنوات، ربما حتى سنة 1876، لا يمر بها إلا عدد محدود جداً من السفن، طوال العام، حتى أصاب اليأس والإحباط ديليسبس وشركة القناة، ثم ما لبثت الأمور أن اعتدلت، وصارت القناة مقصدا ملاحياً عالمياً، والمعنى أن المشاريع الكبرى لا تقاس قيمتها بعائدها فى نفس اللحظة، السد العالى لم نشعر بقيمته الفعلية إلا بعد سنوات من تشغيله، حين هبط النيل لسبع سنوات متواصلة.

مصر تواجه الإرهاب وتواجه الكثير من التحديات فى الداخل والخارج، وفى نفس الوقت تخطو بثقة نحو مشروع ضخم للتنمية، سوف يقف عنده التاريخ طويلاً.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية