دخلت صناعة السيارات المصرية مرحلة فارقة فى تاريخها، الذى اقترب من 60 سنة، وبعد أسابيع قليلة ستخفض جمارك السيارات الأوروبية بنسبة 10 %، وفقا لاتفاق الشراكة، لتصل الجمارك إلى صفر، بحلول 2020.
«المصرى اليوم» التقت رؤوف غبور، خبير صناعة تجميع السيارات، ضمن فعاليات المبادرة التى أطلقتها الجريدة أمس حول صناعة السيارات.
■ ما تقييمك لصناعة السيارات منذ نشأتها فى مصر.. ولماذا يطلق عليها البعض صناعة «المفكات»؟
- مصر بدأت إنتاح السيارات منذ الخمسينيات، قبل كوريا الجنوبية، والهند وتركيا والمغرب وجنوب أفريقيا، واعتمدت الصناعة، فى بدايتها، على تقديم حافز جمركى حمائى، من خلال فرض رسوم بلغت وقتها 100% على السيارات المستوردة، و25% على المكونات بغرض التجميع، أى أن الفارق بين المحلى والمستورد بلغ 75%، وتمكنت صناعة السيارات، على مدار 50 عاما، من اكتساب ثقة المستهلك، لأنه لا يهتم ما إذا كان الموديل المطلوب مجمع محليا أو مستوردا، ونجحت كثير من صناعات المكونات فى اقتحام الأسواق العالمية، إضافة إلى التصنيع والبيع لحساب كبرى الشركات الأجنبية، إلا أننا فشلنا فى التحول من الصناعات التجميعية إلى الصناعة المتكاملة، وحتى الآن لا نُصنع أهم 3 مكونات؛ وهى الهيكل الخارجى والمحرك وناقل الحركة، ومازالت بعض المكونات المحلية، نسبة القيمة المضافة فيها منخفضة جدا، رغم أن ثمنها قد يكون مرتفعا، مقارنة بالمستورد، بهدف تحقيق نسبة التصنيع المحلى، المحددة قانونا بـ 45%.
■ لماذا لم تنجح سوق السيارات فى التحول إلى التجميع رغم الحماية الجمركية؟
- السبب الرئيسى والأهم أننا طوال تلك السنوات لم يكن لدينا سوق توفر اقتصاديات التشغيل المثلى (الإنتاج الاقتصادى الأمثل)، للتحول إلى التصينع الكامل، ففى عام 1992، عندما بدأت المصانع تجميع سيارات هيونداى، كان عدد المركبات، وفقا للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، 24 ألفا، وبعدها بـ 11 عاما وصلنا إلى 44 ألف، بمعدل 1800 سيارة إضافية سنويا، ما لا يساعد على تطوير الصناعة وتعميقها؛ خاصة أن الحجم الأمثل لمصنع السيارات لا يجب أن يقل عن 200 ألف وحدة سنويا، على أن يوجه نصفها إلى السوق المحلية.
واستمرت السوق، من خلال هذا النمو المتباطئ حتى عام 2005، إلا أنها شهدت طفرة، وبلغ معدل الاستهلاك 200 ألف سيارة، بحلول عام 2008، وتأكد للعاملين فى القطاع أن السوق أصبحت مناسبة لبدء التصنيع المتكامل، فى ظل توقعات بوصول حجم السوق فى 2015 إلى 700 ألف سيارة.
وفى عام 2008، مع بدء الخفض الجمركى على السيارات المستوردة من الاتحاد الأوروبى وتركيا، وفقا للاتفاقيات الموقعة، طالبنا حكومة أحمد نظيف، باستراتيجية متكاملة لمساندة القطاع والصناعات المغذية له، وأعدت الحكومة استراتيجية، لمساندة القطاع، وسط نقاش موسع، حاز رضا الحكومة، ومع قيام ثورة يناير تعطلت، وحبست الحكومات المتعاقبة الدراسة فى الأدراج، بسبب الأحداث السياسية، وسرعة تغيير الحكومات والوزراء حتى عام 2014، وقدم مصنعو السيارات استراتيجية جديدة إلى منير فخرى عبدالنور، وزير الصناعة، وقت ذاك، وتحيز لها بشدة، واتخذ خطوات فعلية لاعتمادها، قبل تغيير الوزارة، وعرضنا الأمر، بعد ذلك، على الوزير الجديد، طارق قابيل، ورفع الأمر إلى مجلس الوزراء.
■ ما النموذج الأقرب لتطبيقه فى مصر؟
- النموذج الأقرب للتطبيق هو التركى والمغربى، وأثناء لقاء جمعنى مع مسؤول إحدى شركات السيارات الأوروبية، دعوته للاستثمار فى مصر، كان رده أنه موجود فى تركيا والمغرب، فلماذا يستثمر فى مصر، وما هو الحافز، الذى سوف تقدمه الحكومة له، وعلى سبيل المثال؛ فالمغرب منحته مزايا لإنشاء مصنعه، توازى 47% من قيمة الاستثمار، وتركيا منحته مزايا توازى 42 %.
وتشمل تلك الحوافز أرضا كاملة المرافق مجانا، ومصنعا يحتاج إلى مليون ونصف مليون متر من الأرض، وقروضا بالعملة المحلية بفائدة مخفضة، معدل فائدة 14 % يمكن تخفيضها إلى 11%، ومنحه الحق فى استرجاع أى أموال ينفقها فى استثمارات التطوير والأبحاث، مع إعداد برامج لإحلال السيارات القديمة بأخرى جديدة مصنعه محليا، فضلا عن مزايا لوجيستية فى الشحن والتفريغ؛ منها توفير رصيف ثابت لإدخال المواد الخام المطلوبة بسهولة.
وهناك دول تمنح الشركة المصنعة حق استيراد عدد من السيارات، خلال فترة إنشاء المصنع، على أن تعامل جمركيا معاملة المصنع محليا، وإذا أخلت الشركة المصنعة بموعد تنفيذ المشروع، يكون من حق الحكومة تحصيل قيمة الجمرك على السيارات المستوردة، والفائدة المستحقة عليها.
فكل ميزة تقدمها الدولة تترجم إلى فلوس، فلو استثمارات المصنع مليار دولار مثلا، تحتسب قيمة المزايا، وقد تصل إلى 400 مليون دولار، وهذه الأموال لا تقدمها الدولة من الخزانة العامة، فهى مجرد خصومات من إيرادات متوقعة.
■ لماذا تتحمل الدولة مزايا هذه الصناعة وما ضمان نجاحها؟
- لا توجد دولة قوية اقتصاديا ليس لديها صناعة سيارات، ومصر بحجمها الحالى، تصلح لدخول هذا المجال؛ لأن حجم السوق يزيد على 400 ألف مركبة، فى ظل أزمة اقتصادية، ومن المتوقع أن يصل خلال 10 سنوات إلى مليون ونصف المليون وحدة، بينما لا يزد الإنتاج المحلى، حاليا، عن 40% من السوق، أى 120 ألف وحدة، لذا على الدولة توفير المناخ والمزايا الجاذبة للمستثمر، وإقرار استراتيجية تهدف تنمية القطاع، وعلى سبيل المثال فالمغرب وهى دولة حديثة فى هذه الصناعة سبقتنا كثيرا، وبلغت معدلات إنتاجها 600 ألف سيارة، وتستهدف إنتاج مليون وحدة سنويا، بعائد 2 مليار دولار.
وأنا متأكد أن كثيرا من الشركات على استعداد تام للاستثمار فور إقرار الاستراتيجية.
■ هل ترى أن مشكلة الدولار وقرارات البنك المركزى تؤثر على الاستثمار؟
- السوق المصرية بشكل عام وصناعة السيارات بشكل خاص، لم تمر طوال تاريخها بأزمة نقص فى الدولار، مثلما حدث خلال الأشهر الأخيرة، ما تسببت فى توقف مصانع قائمة، بسبب عدم قدرتها على شراء الخامات.
■ هل تتوقع ارتفاع حصة السوق المحلية من السيارات المنتجة محليا، عند إقرار استراتيجية جديدة للإنتاج؟
- طوال السنوات السابقة كانت حصة السيارات المحلية لا تتجاوز 40%، وأتوقع مع إقرار الاستراتيجية الجديدة وتعديل القوانين، ارتفاع حصة السوق المحلية إلى 70%.
■ هل تتبع هذه الشركات سياسات سعرية موحدة؟
- بالتأكيد لا، ولكل منطقة سياسات سعرية مختلفة، وفقا للسوق.