x

وجيه وهبة لسانك حصانك وجيه وهبة السبت 28-11-2015 21:07


الخطاب الرسمى للدولة يؤكد كل يوم أننا نخوض حربا حقيقية ضد الإرهاب، وهذا وصف دقيق، نقره، لأننا نعيشه، فعلا، لا مجازا، بل نزيد على ذلك بأنها حرب فى جميع الميادين تُستخدم فيها جميع الأسلحة، المادية والسياسية والاقتصادية والإعلامية، فهى حرب شاملة حقا، سواء بالأصالة أم بالوكالة. حرب تُنفَق فيها المليارات، من أجل إزالة نظام اختاره الشعب وارتضاه، فما أحوجنا إلى مواجهة ذلك بكل الوسائل، وأولاها الإعلام القوى الكفء. فى هذه الحرب أعداؤنا المباشرون، فى الداخل والخارج، واضحون وضوح الشمس، منهم دول تشن علينا نوعا من الحرب، فعليا. عندك مثلا تركيا «العثمانية الجديدة»، وعندك «قطر» الشقيقة (شقيقة جدا، إلى حد يبعث على القىء)، وعندك أيضا، الشقيقة الأخرى «إمارة حماس الإخوانية بغزة»، ولا تنسَ بعض منظمات حقوق الإنسان المحلية والإقليمية والدولية (المخترقة ماليا وأيديولوجيا). وغنى عن القول أن حقوق الإنسان، بالنسبة لهم، هى حقوق الإنسان الإرهابى فقط، ولا ذكر لمئات الضحايا، من المدنيين ورجال الشرطة والقوات المسلحة، وآلاف المصابين وملايين المروعين.

هذا هو المشهد العام، مشهد صعب، فكيف نواجهه ونواجه غير ذلك من قادم الأمور؟

نحن فى أشد الحاجة إلى إعلام قوى كفء، إلى مسؤولين يستطيعون مخاطبة الداخل والخارج بألسنة فصيحة مبينة. ولا أقصد بالفصاحة فى هذا المقام الفصاحة التقليدية للغة، بل فصاحة الوضوح، سواء بلغة عربية كلاسيكية سليمة أم بلغة «عامية مصرية» سهلة مبينة، والأهم أيضا فصاحة «الأفكار» لا مجرد فصاحة «الألفاظ»، فكما توجد «ألفاظ» خادشة للحياء توجد أيضا «أفكار خادشة للحياء.. ولذكاء الناس». والدول التى تجتاز مواقف عصيبة فى تاريخها تشتد حاجتها لتلك الألسنة البليغة الفصيحة، لخوض مواجهات الداخل والخارج، ولشرح مواقف الدولة وقراراتها، ولحشد الجماهير خلف قيادتها. وكم نتمنى أن يتميز كل مسؤول سياسى وقيادى فى الدولة بالفصاحة المطلوبة- أو حتى بعضهم- وفقاً لمفهوم الفصاحة السابق ذكره، فنحن بلد «الفلاح الفصيح». علينا أن ندرك الأهمية الشديدة لوجود «وزير إعلام»، فى أوقاتنا الصعبة هذه، تلك الوزارة التى تم إلغاؤهاـ وفقا لفتاوى ثورية- فى الوقت الخطأ تماما، فالدول فى الأوقات الصعبة، أوقات الحروب، لا تستغنى عن تلك الحقيبة، حقيبة الإعلام- باختلاف أسمائهاـ مع ضرورة أن يتميز مَن يشغلها تميزا شديدا، ففى زمن الحرب العالمية الثانية، على سبيل المثال، كان فى «بريطانيا» وزير للإعلام، مع وجود «تشرشل» على رأس الوزارة، وهو مَن هو (حاز تشرشل على جائزة نوبل فى الآداب فيما بعد 1953)، بل إن النظام النقيض «ألمانيا النازية» لم تكتف بهتلر وقدرته الخطابية على حشد الجماهير، فأتت بوزير «دعاية»، دارس للتاريخ وحاصل على دكتوراه فى الأدب، هو «جوبلز». وحتى نظامى ناصر والسادات، وهما من الخطباء البلغاء الفصحاء، كان لديهما وزراء إرشاد وإعلام. بالطبع لا أطالب بوجود وزير إعلام بمؤهلات «جوبلز» ولا بنازيته. ولكن بالتأكيد لا أريد أن يستمر الوضع الهلامى، ونظام إعلام «اليوم بيومه» مرتبكاً ومتلعثماً، إعلاماً بلا رأس، نعم.. قد يكون هناك متحدث رسمى للرئاسة، ومتحدث رسمى لرئيس الوزراء، ومتحدث رسمى لكل وزارة، ولكنهم جميعا للأسف ليس لهم وجود حقيقى بين الناس، عامة الناس، يجب أن يكون لإعلام الدولة رأس سياسى، له حضور، مؤهل ومسلح بكل أدوات العصر، يعرف كيف يواجه الصحافة العالمية والمحلية، ويعرف كيف يعبر عن سياسات وقرارات الحكومة، بل الدولة، يسد ثغرات زملائه، وزراء «التكنوقراط». وأكم من وزراء «ارتكبوا» تصريحات كارثية، ليس أولهم وزير عدل استقال، ولا آخرهم وزير سياحة مازال.. يصرح.

هفوات الضمير

فى عام 1993، أثناء تنامى العمليات الإرهابية فى مصر، حاول بعض الإرهابيين اغتيال وزير من وزراء مبارك، فشلت المحاولة، وإن راح ضحيتها أحد حراسه، أما الوزير فمجرد إصابة طفيفة فى يده، وظهر فى «التليفزيون» ليطمئن «الجماهير» على سلامته ونجاته، مستشهدا بقوله إن نجاته هى الدليل على «أننا على حق»!!. يعنى الفاصل بين الحق والباطل هو سلامة سيادته!!. هفوات اللسان تعبر أحيانا عن أفكار مستقرة فى اللاوعى، فهل الضمير.. ضمير المتكلمين «نا» فى قوله «أننا» يعود عليه هو وحكومته وأركان نظامه ودوائرهم القريبة، وعليه قد تناسى الحارس الضحية، أم أن الحارس المسكين كان على باطل هو والعشرات من ضحايا الإرهاب، على مدار السنين قبل ذلك؟! لا يمكن أن نقطع بأن الوزير كان يقصد ما أسلفنا من معان، ولكننا نؤكد أنه كان وزير إعلام مصر، الناطق باسمها، ولم يكن وزيرا للرى، وشغل منصبه هذا لمدة أكثر من عشرين عاما. إنها هفوات الضمير.. المتصل.. «نا».

من السخف أن أكرر ما يعرفه الجميع، ولكن يبدو أننا مضطرون قبل إبداء الرأى فى أى قضية يُذكر فيها الرئيس اسما أو منصبا، أن نقر ونعترف بأننا ضمن غالبية شعبنا المصرى لا يمكن أن ننسى دوره، كقائد لجيش مصر، لبى مع زملائه نداء عموم شعبه، وأنقذ البلاد من مصير أغبر. رئاسة مصر مسؤولية جسيمة، ولهذا فإن كلام رئيسها يوزن كل حرف فيه بميزان حساس، وعلى سبيل المثال فإن مخاطبة الرئيس لعموم الشعب مسألة دقيقة، تختلف عن مخاطبته فئة من الفئات، فمن الممكن أن تخاطب جمعا من المهندسين بقولك: «إنتوا أيها المهندسين مبدعين... إلخ، إنتوا يا رجال الصاعقة تاكلو الزلط... إلخ»، ولكن لا يُفضل أن يخاطب الرئيس شعبه بقول: «إنتوا.. إنتوا يا مصريين.. إنتوا جايبينى هنا... إلخ»، فقد يُفهم المعنى خطأ، والمتربصون كثيرون، والضمير هنا يفصل بين «كيانين»، ولفظة «إنتوا» تستدعى لفظة «إحنا» فى المقابل.. نحن لا نطالب بفصاحة الرؤساء لغويا، كشرط صلاحية، فبعض الأنبياء كان لهم مَن يتحدث باسمهم، مَن يحلل لهم عقدة من لسانهم. ونقدر ونحترم رئيسنا، رئيس مصر، ونريد أن نراه فى أحسن صورة، ولهذا فإننا لا نحبذ الارتجال- لغة وأفكاراًـ فى خطابنا السياسى، على كل مستوياته، نظراً لمخاطر ذلك علينا جميعا، شعباً وحكومةً ورئيساً.. «إحنا المصريين».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية