x

أيمن الجندي تأملات فى مستقبل الإنسان أيمن الجندي الإثنين 23-11-2015 21:39


العلوم التى تتعلق بالإنسان لم تتطور مثل العلوم الطبيعية، بالذات الفيزياء والكيمياء اللتين تدين لهما البشرية بتقدمها الهائل فى القرنين الماضيين. أما البيولوجيا فإن فهمها لم يتقدم بالدرجة الكافية. والدليل أننا البشرية هبطت على القمر وجاوزت مركباتها الفضائية بلوتو الكوكب المسكين الواقع فى أطراف المجموعة الشمسية، وبرغم ذلك التطور الذى لا يستوعبه العقل فإننا ما زلنا عاجزين عن علاج نزلات البرد التى تلزمنا الفراش. لم نستطع أن نتغلب على الصلع ولا البدانة ولا الشيخوخة.

دعك من المخ، ذلك الكيان الهلامى الغامض، ذروة الخليقة التى توجت بالإنسان. المخ الذى يجعلنا نحس ونشعر، ونكره ونحب، ونخاف ونأمن، ونؤيد ونعارض. المخ الذى يجعلنا نرى هذه المرأة جميلة والأخرى عادية. المخ الذى يجعلنا نحب هذا العطر ونسترجع الذكريات.

ولكن ماذا لو استطاعت البشرية أن تفك غموض المخ. إن العقل ليدور عندما يفكر فى الاحتمالات الممكنة التى يمكن أن يبلغها البشر لو استطاع العلماء فض قمقم الغموض. خذ عندك مثلا. الخبرات التى مررت بها، كيف أصبحت جراحا، مهندسا، فلاحا، معلما. أين تم ترتيب هذه الملفات؟ إنها موجودة فى لفائف المخ طبعا! هى التى تجعلك تقود السيارة حتى وأنت نصف واعٍ. هى التى تجعلك قادرا على السباحة، وتقود الدراجة دون أن تفقد الاتزان.

ماذا لو استطاع العلماء أن ينقلوا هذه الخبرات لشخص آخر لم يمر بها. الخبرات موجودة فى المخ الأول واكتسبها بالتدريب المستمر، وهى محفوظة فى صورة مواد كيمائية، أو شحنات كهربائية، أو بواسطة أى شىء آخر لا يخطر على بالنا تصوره. فماذا لو استطاعوا أن يربطوا مستقبلا بين المخين، المرسل والمستقبل، بأقطاب كهربائية أو حتى بـ(البلوتوث).

فى ساعة زمان سوف يتعلم المخ الثانى كل ما تعلمه المخ الأول. سوف يصبح جراحا بارعا دون أن يمسك مشرطا فى حياته، أو يصبح أمهر سباح فى العالم دون أن ينزل للماء. أو يقرض الشعر أو يبرمج الكمبيوتر أو ويخطط مدنا أو يُنشئ ناطحات سحاب! سوف يعرف كل ما عرفه أينشتين ونيوتن ومدام كورى وشكسبير وتولستوى وفان خوج وبتهوفن.

وما هو المقابل لنقل الخبرات؟ ما مقدار النقود الذى يقابل عملا جليلا كذلك؟ وهل سيكون هناك نقود أصلا فى عالم هكذا؟

ولكن، دعنا نسترسل فى الخيال قليلا، هل من الممكن أن تتحول البشرية بأسرها إلى شعوب من العباقرة؟ أم أن الرغبة فى الاستئثار وكسب النفوذ سوف يتيح ذلك فقط للنخبة؟ لاستخدام كما يقال الآن أن أسرار الفراعنة كانت مقصورة على الكهنة، ولم يكن مسموحا بتسربها للعامة. ربما كان السبب وقتها أنهم يودون استخدام العامة فى الأفعال اليدوية، ولكن– فكر معى- حينما تبلغ البشرية هذا القدر من التطور ستكون قد بلغت من اكتمال الأدوات ما يجعلها تسخر الآلات.

هل حياتهم ستكون سعيدة فى هذه الحالة؟ ولم لا؟ لماذا لا يتحول البشر إلى شعوب من السعداء؟

آه لقد دار رأسى من الاحتمالات المهولة فى حالة كشف غموض المخ البشرى. من الممكن أن يجعل العلماء المرأة التى لا تبالى بك تذوب غراما فيك. والرجل الذى تمنيته– سيدتى- سوف يجعله العلماء كالخاتم بين أصابعك.

آه أيها المخ المبهم؟ هل جئت من عالمنا حقا؟ أم أنك هبطت من عوالم أخرى على أجسادنا الآلية فجعلتها تنبض بالحب والحياة والتطلع بلا حدود؟

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية