x

ضياء رشوان دعوة أبوالفتوح لانتخابات رئاسية مبكرة: انقلاب على الدستور ضياء رشوان الأحد 22-11-2015 21:05


ما أعلنه الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، رئيس حزب مصر القوية، قبل يومين، من المطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لا يعكس فقط محاولة ليس لها سند من الواقع لاستعادة سيناريو عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى فى ثورة 30 يونيو 2013، والذى يجب أن نُذَكِّر الدكتور بأنه وحزبه قد شاركا فيه، ولكن يعكس أيضاً اتجاهاً «انقلابياً» ليس على الرئيس، ولكن على دستور البلاد.

فللتذكرة فقط، أدلى بصوته فى الاستفتاء على دستور 2014 بداخل البلاد وخارجها 20613677 مواطناً بنسبة مشاركة بلغت 38.6% ونسبة موافقة 98.1%، لم يكن من بينهم حزب الدكتور أبوالفتوح، الذى قاطع الاستفتاء قبل إجرائه بيوم واحد. وللتذكرة أيضاً، فقد أدلى بصوته فى الاستفتاء على «دستور الإخوان عام 2012» نحو 16755012 مواطناً بنسبة مشاركة 32.9% وبنسبة موافقة 63.8% واعتراض 36.2% يمثلون 6061101 مصرى. وبالتالى، ووفقاً لهذه الأرقام، فإن خروج المصريين وإسقاطهم حكم رئيس الإخوان ونظامه لم يكن فقط وليد يوم 30 يونيو، بل كانت هناك نواة لهذه الثورة تمثلت فى ثلث المصريين الذين رفضوا منذ البداية دستوره بأصوات ما يزيد على 6 ملايين منهم. ووفقاً لنفس الأرقام، فإن الموافقين على دستور 2014 يصلون لنحو 20 مليون مصرى، يرتضون بأحكامه ومواده فيما يخص كل شؤون البلاد، بما فيها إمكانية إجراء انتخابات رئاسية مبكرة،

فالدكتور أبوالفتوح تجاهل متعمداً المادة (161) من الدستور التى تنظم هذا الأمر، وهو على الأرجح يتجاهل بقية مواد الدستور ويريد إسقاطه بأكمله. وهنا تظهر أهمية هذه المادة فى مواجهة مثل تلك الدعوات والادعاءات بالحديث باسم غالبية المصريين وما يريدونه، فالمادة وُضعت لكى تقى المصريين منها وتضع قواعد دستورية ديمقراطية لمثل هذا الأمر الجلل، ولا تتركه فى يد أو على لسان مَن يزعم تمثيل إرادة المصريين، وهم لم يفوضوه بهذا عن طريق صندوقى الانتخاب والاستفتاء، فالمادة تنص على أنه: «يجوز لمجلس النواب اقتراح سحب الثقة من رئيس الجمهورية، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بناء على طلب مسبب موقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب على الأقل، وموافقة ثلثى أعضائه. ولا يجوز تقديم هذا الطلب لذات السبب خلال المدة الرئاسية إلا مرة واحدة.

وبمجرد الموافقة على اقتراح سحب الثقة، يُطرح أمر سحب الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة فى استفتاء عام، بدعوة من رئيس مجلس الوزراء، فإذا وافقت الأغلبية على قرار سحب الثقة، يُعفى رئيس الجمهورية من منصبه، ويُعد منصب رئيس الجمهورية خالياً، وتُجرى الانتخابات الرئاسية المبكرة خلال ستين يوما من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء، وإذا كانت نتيجة الاستفتاء بالرفض، عُدَّ مجلس النواب منحلًا، ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس جديد للنواب خلال ثلاثين يوما من تاريخ الحل».

فالدكتور أبوالفتوح وحزبه وصحبه ممن لم يشاركوا فى انتخابات مجلس النواب، لأنهم على الأرجح أدركوا نتائجهم فيها وموقف المصريين منهم، فضلاً عن رفضهم المبدئى للنظام القائم كله، يتجاهل فى دعوته لانتخابات رئاسية مبكرة، ألا أحد يملك التقدم بها وفقاً لهذه المادة سوى أغلبية أعضاء مجلس النواب، أى 300 نائب على الأقل، وبطلب مُسَبَّب. وإذا توافر هذا الشرط الأولى، يكون هناك حاجز آخر دون استخدام هذا الحق الخطير، وهو موافقة ثلثى أعضاء مجلس النواب، أى أكثر من 400 نائب، على طلب سحب الثقة من الرئيس. ويأتى القرار والحاجز الأخير من أغلبية الشعب المصرى، الذى تتم دعوته للاستفتاء على هذا الطلب، فإذا وافق صار منصب رئيس الجمهورية خالياً، وإذا رفض عُدَّ مجلس النواب منحلاً، وتُجرى انتخابات جديدة له.

والذى تجاهله الدكتور أبوالفتوح بدعوته هو الالتزام بنص هذه المادة المهمة من الدستور، والتى لا تترك منصب رئيس الجمهورية المنتخب مباشرة من أغلبية المصريين فى انتخابات حرة فى يد كل مَن يزعم الحديث باسمهم أو باسم غالبيتهم، بل تُحيل الأمر فى مرحلته الأولى إلى مجلس النواب الذى انتخبه الشعب أيضاً لكى يقرر بنسبة عالية هى الثلثان مدى جديته واستحقاقه أن يُحال لصاحب القرار الأول والأخير فيمَن انتخب الرئيس والمجلس، وهو الشعب المصرى، الذى بيده برفض سحب الثقة من الرئيس أن يحل مجلس النواب نفسه.

إن تجاهل هذه المادة الدستورية المهمة، التى يبدو اليوم أن واضعيها قد استشرفوا مثل تلك الدعوات للتلاعب بإرادة المصريين وباسمهم، لا يُعد فقط تجاهلاً لها، بل رفضاً واضحاً من صاحب دعوة الانتخابات الرئاسية المبكرة للمراحل الثلاث من خريطة طريق 30 يونيو- 3 يوليو، أى الدستور ورئيس الجمهورية المنتخب ومجلس النواب الذى ستنتهى الأسبوع القادم انتخاباته، فالمادة (161) من الدستور المُشار إليها تضع وتنظم هذا الحق فى سحب الثقة من رئيس الجمهورية ضمن استكمال هذه المراحل للخريطة، وتجعل قيامها ووجودها شرطاً ضرورياً لاستخدامه من داخلها وليس من خارجها. أما الدكتور أبوالفتوح، فإن دعوته تأتى خارج المراحل الثلاث، وبالتناقض مع الدستور، وبرفض الاعتراف بحقوق مجلس النواب فيه، وتتجه مباشرة إلى رئيس الجمهورية المنتخب بهدف إعادة إنتاج ما لا يمكن اليوم إعادة إنتاجه، وخلق كرة ثلج صغيرة يتصور صاحب الدعوة أن أطرافاً أخرى بداخل مصر وخارجها سوف تتلقفها وتدحرجها، لكى تكبر تدريجياً وتتحول إلى كرة كبيرة تُطيح بكل ما لا يرغب فيه مَن يقفون ضد 30 يونيو- 3 يوليو.

وبهذا المعنى، فإن ما أعلنه الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح ليس رأياً فى مسار أو قرار سياسى أو تشريعى، وليس اقتراحاً من رئيس حزب فى شأن عام يحق لكل الأحزاب إبداء آرائها فيه، بل هو خروج صريح وعلنى على الدستور الذى أقره 20 مليون مصرى، وهو وحده الذى يضع القواعد والآليات التى تنظم النظام السياسى وإجراء أى تغييرات أو تعديلات فيه. ولاشك أنه أيضاً من حق الدكتور أبوالفتوح وحزبه وصحبه أن يرفضوا مواد وأحكاماً وردت فى الدستور، ولكن هذا يكون فقط قبل الاستفتاء عليه، أما بعده فهذا الرفض يُعد «انقلاباً» على الدستور فى أى دولة تحترم إرادة شعبها الذى أقر دستورها. ومن هنا، فإن ما هو مطلوب الآن من رئيس حزب مصر القوية أن يعلن موقفه وحزبه وصحبه من دستور البلاد بأكمله بصورة واضحة وعلنية، لأن الأمر اليوم يتعلق بأساس الحكم فى البلاد ومصدر شرعيته، أى الدستور، وليس فقط برئيس الجمهورية المنتخب على قدر أهميته.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية