الأرقام تقول إن أمريكا فيها فرد من بين كل ٢٢ يملك مليون دولار فأكثر، أما النسبة فى مصر فهى واحد من كل ٣٨٥٠، وهناك «مليون» طريقة لقراءة الأرقام الخاصة بعدد المليونيرات فى دول العالم، لكن آخر ما يحب المليونيرات استخدامه من طرق هو تلك التى تحدث عنها المفكر الاقتصادى الليبرالى الفرنسى «توماس بيكيتى» فى كتابه الذى هزّ الدنيا، والذى عنوانه «الرأسمالية فى القرن الواحد والعشرين». بيكيتى رأى أن معدل الزيادة فى ثروة الأغنياء يفوق بشكل مستمر، ومنذ مائتى عام- باستثناء أوقات الحروب - معدل الزيادة فى الناتج المحلى بدول أوروبا والولايات المتحدة، ورأى أيضا أن وتيرة تركز الثروة فى أيدى أقل مستمرة على طول السلسلة الزمنية الممتدة التى فحص وثائق الملكية فيها.
هُوجم الرجل بضراوة فى كل الصحف الغربية الكبيرة مدعية الحياد المهنى، واتُّهم بالشيوعية والماركسية ما اضطره أن يحلف ألف يمين أنه ليس كذلك، وأن كل خوفه أن يقود تركز الثروة إلى الهيمنة على السياسة وقتل الديمقراطية، بل والليبرالية ذاتها، موضحا أن كل ما يطلبه ضريبة تصاعدية عالمية على الثروة وليس التحول عن النظام الرأسمالى. قراءة أخرى قد ترى فى بيان المليونيرات المرفق أن أمريكا هى بلد الفرص، وأن الحلم الأمريكى حقيقى بدليل أن النظام الاقتصادى سمح بهذا العدد من المليونيرات ولايزال يسمح، وأن الدول الأكثر تحريرا للاقتصاد كأمريكا وإنجلترا وألمانيا هى الأكثر إنتاجا للأغنياء.
طريقة ثالثة ستطلب بيانا عن عدد المليارديرات فى كل بلد لأن هذا هو العنوان الحقيقى على فتح الفرص للجميع أو تركز الثروة فى أيدى قلة.
وكما نعلم فالمليون النهارده لم يعد يعنى الكثير. طريقة رابعة ستقول العكس وتسأل عن عدد من يملكون نصف مليون دولار ونسبتهم فى المجتمع كدليل على وجود طبقة متوسطة قوية وتوازن اجتماعى من عدمه، وخامسة سترى أن الأهم من العدد، وهل هو صغير أم كبير فى هذا البلد أو ذاك، هو مشروعية الثروة ومصدرها، وهل هو الريع والمضاربات أم الإبداع والمخاطرة والابتكار والتجديد؟. وسادسة ستنشغل بعدد المعدمين فى المجتمع وهل هناك علاقة بين زيادتهم أو نقصانهم وبين زيادة أو نقص عدد المليونيرات.
وسابعة ستترك هذا كله وتقول إن الأهم من العدد والمقارنات هو مدى وجود ثقافة المسؤولية المجتمعية من عدمه، وهل يشارك المليونيرات بما يكفى فى مؤتمرات «اليورومنى» أو حتى «المال جى تى إم»؟. وثامنة قد تأتى من واحد خلى البال ونفسه يعرف هل يحقد المليونير على الملياردير، وكيف وما تأثير هذا الحقد الطبقى المليونيرى على المجتمعات؟.
وبالنسبة لتاسع قد يرى أن الأفضل عدم نشر هذه الأرقام تفاديا لآثار «القر» والضغائن فى المجتمع وحفاظا على وحدة الصف!. والعاشر قد لا يعنيه من هذا كله، وانطلاقا من الحرص على سمعة ومكانة مصر، إلا أن يعرف كم مليونيرا بالزيادة عن القائم يلزم لبلدنا حتى يحتل مكانته المليونيرية بين الأمم؟ وقد يصل به الحماس إلى أن يبدى استعداده للتبرع من أجل هذا الهدف القومى. صحيح كم مليونيرا يا ترى؟ آخذين فى الاعتبار أن عددهم البالغ ٢٣ ألفا قد لا يوافق حال الغنى الظاهر والباطن فى البلاد.