منذ الصغر وأنا أعشق السفر. أحب التجول والسير على الأقدام فى بلاد الله. خصوصا المتقدمة منها. كباريس ولندن وروما والمدن الأمريكية. دائما فيها جديد. تُشعرك بالحيوية والدفء رغم مناخها شديد البرودة فى أغلب أيام السنة. شعور ما بالأمان يختلج مشاعرى. ينتابنى. لمجرد أننى إنسان. القانون هناك سند للجميع. حصن لأى إنسان. القانون يُطبق على ملكة إنجلترا ورئيس وزرائها مثلما يُطبق على أى إنسان بسيط. هذه هى القاعدة. طبعا لكل قاعدة استثناءات. حتى لا يتهمنى البعض بالمبالغة. صحيح أننى لست مواطنا هناك، ولا أحمل جنسية وطن غير وطنى. إلا أن القانون فى تلك البلاد منصف للجميع. هذا الإحساس وذلك الشعور كفيلان ببعث الطمأنينة فى النفس. هذا ما لا أستطيع أن أشعر به عندما أزور أى بلد عربى. أنا على أى حال أفتخر ببلدى. أرض الأجداد. أرض الميلاد. فيها سيكون المصير، والمآل.
طموحى لوطنى كبير. فى الواقع هو بلا حدود. لا أرى شيئاً أكبر من تطبيق القانون وإنفاذ روحه ونصه. هو القاعدة. ليس العكس. هذا هو مفتاح النجاح فى كل شىء. الاستثمار. سيجد أماناً. السياحة ستنتعش وتتدفق. لن يُؤخذ أجنبى من فندقه بشبهة التجسس. لن يُطارد مستثمر ببلاغ كيدى من مجهول. القاعدة عندنا أننا نبذل جهودا كبيرة كى نلتف على القانون. كى نتحايل على نصوصه. كى نسلبه روحه. لتغيب عدالته. الحكومة تفعل ذلك. المواطن يفعل ذلك. المؤسسات. الشركات. حتى الأجانب وشركاتهم تجد أنه فى كثير من الأحيان. أن التحايل على القانون هو الطريق الأسرع لتحقيق مصالحها. لإنجاز أعمالها المتعطلة فى أروقة الحكومة بسبب الروتين. وما أدراك ما الروتين؟ الذى هو بالأساس تطبيق لنص القانون بشكل جاف وجامد. تجاهل لروح القانون، فى أفضل الأحوال. هذا إذا حسنت النوايا لدى الموظف الذى يقدم الخدمة. ويتقاضى مرتبه فى مقابل ذلك.
إذا تأملت لدقائق فى حال حكومتنا وهيكلها الإدارى. فسوف تجد أننا لدينا مثلا شرطة وقطاع كامل منها لمكافحة سرقة الكهرباء. شرطة لمكافحة التهرب من سداد الضرائب. شرطة للآداب والأخلاق العامة. شرطة لمكافحة عدم الالتزام بقواعد المرور. وكل ذلك لا يمنع شيئاً. وكل التقارير العالمية والمحلية تؤكد أننا فى ذيل الأمم فى عدم احترام القانون. رغم أن العالم المتقدم لا يوجد لديه عساكر فى كل الشوارع لتنظيم المرور. فأين الخلل؟
الخلل أراه فى الاستثناءات. فى تهميش القانون. فى الالتفاف عليه.
لن نكون بلداً متقدماً إلا إذا أصبح القانون محترماً. من الجميع. الكبير قبل الصغير. الوزير قبل الغفير.
عندما يصبح القانون سيداً. سيصبح كل مواطن معه سيداً فى بلده.