■ أكبر خطأ وقع فيه الإخوان وحلفاؤهم بعد ثورة 25 يناير هو «تطفيش الأصدقاء وحشد الأعداء» بعد أن كانت سياستهم دوماً كسب الأصدقاء وتقليل العداوات.. حتى أصبح لهم عداء مع الجيش والشرطة والأجهزة السيادية والقضاء والإعلام والقوى السياسية.. وكان ذلك سبباً رئيسياً فى حشد كل مؤسسات الدولة ومعها أكثر العائلات والعصبيات الموالية للحزب الوطنى مما أضاع مشروع الإخوان السياسى.
■ واليوم تكرر الدولة المصرية نفس الخطأ.. فتفقد كل يوم حليفاً من حلفائها.. وتصطنع خصماً دون مبرر منطقى.. وتشك بين الحين والآخر فى حلفائها أو تعطيهم ظهرها.. أو تجعلهم بأوهى الأسباب يبتعدون عنها وينأون عنها أو تقصيهم دون مبرر.. أو تقصى المخلصين منهم وتقرب المزيفين.. أو تقصى العلماء المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة فى كل ميدان، وتدنى من يحسنون التملق والمداهنة وزيف الحديث.
■ أصاب بعض الإخوان وحلفائهم غرور كبير بعد ثورة 25 يناير حينما دانت لهم الدنيا وخضع الجميع لهم وأصبحوا سادة للناس جميعاً فغفلوا عن عيوبهم وأخطائهم السياسية.. والدولة المصرية قد يصيبها ذلك الغرور بين الحين والآخر فتغفل عن عيوبها وأخطائها وتحب تمجيد حسناتها وتكره من يدلها على أخطائها أو ينقدها نقداً بناءً بغرض الإصلاح دون غرض أو مرض.. ويضيق صدرها بذلك وتصنف الناس على أنهم إما معها فى كل شىء مهما جانبها الصواب أو تتخذه عدواً رغم نزاهته ووطنيته.. وقد حدث ذلك الغرور مرات ومنها غرور الستينيات حينما كان يتصور المصريون أن لديهم أعظم صناعة وزراعة ومطار وجامعات واقتصاد وقوة وسلاح، وأن العالم الثالث كله معهم.. وإذا بهم يفاجأون بأننا أقل من دول كثيرة وأن أموراً كثيرة كانت تحتاج إلى إصلاح جذرى ولم يتم الإصلاح فيها إلا تحت وقع الكوارث وما أدراك ما الكوارث وآلامها وأحزانها على البسطاء الذين يتحملون الفاتورة دائماً.
■ وأرى أن غرور الدول أخطر من غرور الجماعات والأفراد.. إذ يقعدها عن الإصلاح والبناء والنظر لمن هو أعلى منها شأناً فى الحضارة والتقدم.
■ واليوم نحن لا ننظر إلا إلى سوريا وليبيا واليمن ومثل هذه البلاد التى أصبحت «شبه دول» أو «أثراً بعد عين».. كما أصابنا الغرور بعد بعض النجاحات السريعة التى تحققت أخيراً مثل بناء الفرع الثانى لقناة السويس.. وأنا أخشى على الدولة المصرية الآن من الغرور أو النشوة أو النظرة إلى الدول المتخلفة حولنا.. دون النظر إلى ما ينبغى أن نكون عليه أو تكون عليه الحضارة المصرية فى إقليمها العربى والشرق أوسطى وهى صانعة الحضارة الأولى فى هذه المنطقة.
■ أكبر خطأ وقع فيه الإخوان وتحالف دعم الشرعية هو اعتمادهم على الخطاب العاطفى فى مخاطبة الملايين التى اجتمعت إليهم واستخدام الخطاب الذى يدغدغ العواطف ولا ينبنى على العلم المنضبط أو الحسابات الدقيقة أو فقه المراجعة أو فقه المصالح والمفاسد أو فقه الأولويات.
■ لقد استخدم معظم دعاة التحالف، خاصة فى رابعة الخطاب الحنجورى الذى لا يعتمد على الواقع ولكن الحشد الدعائى.
■ والمتأمل للخطاب الآن فى القنوات المصرية يجده خطاباً يعتمد على دغدغة العواطف والحشد الجماهيرى والكلمات المطاطة الرنانة دون دراسة علمية دقيقة لكل مشكلة من علمائها ومختصيها الثقات ويضعون الحلول العملية والعلمية الدقيقة لها.
■ نظرية المؤامرة هى أكبر نظرية عطلت العقل العربى والإسلامى ردحاً طويلاً.. وقد دخلت هذه النظرية البائسة المنطقة العربية عن طريق اليساريين الذين صدروها للاشتراكيين والناصريين والذين حولوها بدورهم إلى الإخوان ثم الحركة الإسلامية كلها.. ومن بين من يؤمن بنظرية المؤامرة الدولة المصرية فى عصور كثيرة من تاريخها.
■ ونظرية المؤامرة تريح أصحابها.. فنحن بخير.. ونحن الأفضل والأحسن والأطهر.. ونحن أصحاب الريادة والقيادة فى كل شىء.. ومشكلتنا الوحيدة فى الذين يتآمرون علينا وقد أضاعت هذه النظرية الإسلاميين.
■ واليوم تجد أن خطاب المؤامرة هو الغالب على معظم المقربين «فكل أخطائنا ومشكلاتنا التعليمى والسياحى والصناعى والزراعى والدعوى والتربوى والأخلاقى يعلقونها على المؤامرة».
■ فالمؤامرة موجودة ولكنها لا تصنع الكون ولا تديره ولا تنصر أحداً أو تهزمه ولا تقدم أحداً أو تؤخره.. فالأسباب لا تجامل مؤمناً ولا تظلم كافراً.. فمن أخذ بأسباب النصر انتصر ولو كان كافراً.. ومن أخذ بأسباب الهزيمة انهزم ولو كان مؤمناً.
■ سياسة الجزر المنعزلة كانت واضحة لدى الإخوان وحلفائهم فى السنوات التى أعقبت الثورة، فتصريحات د. حلمى الجزار حكيمة ومنصفة وتصريحات غيره ممن لا أريد ذكرهم تأدباً فيها نزق وطيش.. وهذه السياسة تراها الآن واضحة فالدولة كلها تتحدث عن تشجيع الاستثمار، وفى نفس الوقت يمكن أن تصادر أموال البعض ممن لا علاقة لهم بأى تنظيمات بطريقة صادمة أو يقبض على بعضهم بطريقة لا تتناسب مع سنه أو مكانته أو الغرض المطلوب له.. أو يقبض على فتيات صغيرات ويحكم عليهن بأحكام قاسية تضر الدولة ثم تخفف ثم تفرج عنهن.
■ صدر الإخوان والتحالف على منصة رابعة شخصيات غير مرغوبة فأنتجت خطاباً شرساً صعباً وظنت أنها تحتكر الدين والحقيقة.. واليوم تقع الدولة فى نفس الخطأ فتصدر شخصيات مكروهة تنتج خطاباً يليق بفترة الستينيات وتعتقد أنها تحتكر الوطنية وكل من سواها عملاء وخونة.. وتكيل السباب والشتائم للآخرين.. وتعتمد خطاب الحشد الجماهيرى الذى يخاطب غرائز الجموع لا عقولهم.. مما يشبه خطاب المليونيات والعاطفة الجمعية الغريزية.
■ فمشاكل مصر لن تحل بخطاب الحشود الجوفاء أو الغرائز أو الحماسة غير المتبصرة ولكن خطاب العلم والعقل والحكمة والهمة والعزيمة.. وهذا لن ينطبق إلا على الشباب النظيف مع الحكماء الشرفاء والعلماء الأتقياء الأخفياء.