في بداية العام 1990، كـان يعمل في شركات القطاع العام الصيني 110 ملايين موظف، وكانت هذه الشركات تخصص مساكن لموظفيها ومدارس ومستشفيات، ختى المقابر لم تتأخر عن توفيرها. واجهت الصين مشكلة كبيرة في هيكلة هـذه الشركات بسسب كثرة العمالة وضعف الإدارة، ورغم ذلك استطاعت الحكومة أن تتجاوز الصعاب وتأتي بحلول للأزمة.
تمتلك الصين أصولًا في شركات القطاع العام تقدر بـ20 تريليون دولار، وتحـقق 300 مليار دولار أرباحًا سنويـة، و600 مـليار دولار إيرادات ضريبة سـنوية. كيف هيكلت الصين شركات القطاع العام؟ وكيف يمكن لمصر أن تستفيد من هذه التجربة؟
حددت الحكـومة الصينيـة المشكلات التي تـواجهها تلك الشركات، والمتمثلة في «سـوء الإدارة، تكـدس العمـالة، نقـص سيـولة حـاد لتشغيـل الشركـات وتنميتهـا، ونظم إدارة مقيدة للمديرين».
بهذا وضعت الصين بين 3 خيارات، أولاها الخصخصـة، وتحمل ميـزة جـذب سيـولة سريعـة كـي تستفيـد منهـا الحكومـة في عمـل مشـروعـات أخـرى، وعيبها يتمثل في خسارة الملكية والأرباح التي من الممكن تحقيقها حال تحسن الإدارة.
بينما جاءت الهيكلـة وتحويل الشركات إلى أخرى رابحة ثانيًا في قائمة الخيارات، وجملت ميزة زيادة إيرادات الدولة إذا نجحت الخطة، ولكنها تحتاج إلى تغيير فكر الإدارة.
أما الخيار الثالث والأخير فإنه اعتمد إنشاء شركات جديدة تدفع الاقتصاد إلى الأمام، بجانب هيكلة الشركات القائمة بالفعل، بما مثّل أصعب الاختيارات على الإطلاق.
بعـد مـشـاورات عدة داخـل أروقـة الحـزب الشيوعـي، استقرت الحكومة على الخيار الثالث، الأصعب، وحددت مجموعة من القطاعات لا بد من السيطرة عليها: «الاتصالات، البترول، البتروكيماويات، الكهرباء، النقل البري والبحري والجوي، والدفاع»، بجانب قطاعات أخرى رأت الدولة أن يكون لها تواجد مكثف بداخلها هي «صناعة الإلكترونيات، صناعة السيارات، صناعة المعدات، الحديد، والأسمنت».
بناء على ذلك اتخـذت القيـادة العليـا في الصيـن حزمة قرارات هي: ضـرورة هيكلـة القطـاع العــام وتحقيقـه للربحيـة بكـل شركـاته في أسرع وقت، اعتبــار مجمـوعـة مـن القطـاعات «حيويـة»، تشجيع المحافظات على المنافسة وإنشاء شركات والاحتفاظ بجزء من إيرادات الضرائب، وضرورة الاحتفاظ بالملكية مع ضرورة تغيير الإدارة والعمل بفكر القطاع الخاص.
بعد ذلك بدأت الحكومة هيكلة معظـم شـركات القطـاع العـام، واعتمدت لذلك طريقة تمثلت في: أولًا إدراج الشـركات في البورصة، وبيـع 20-25% مـن أسهـما لتوفير السيولة وزيادة رأس المـال، كل هذا بضمان الملكية مع الدولة.
ثانيًا جـذب مستثمـر رئيسـي عالمـي فـى كـل شـركة للمسـاعـدة في تطـوير النظـم والإدارة، مـثل BP فـى شـركات البتـرول، وGoldman Sachs وJP Morgan في البنـوك.
ثالثًا جـذب أحسـن الكفـاءات الإدارية ومنحهم أسهـمًا مجـانيـة فـي حالـة النجـاح، فمـثلًا شـركـة بتـرول الصـين «Petro China» أعطـت أسهـمًا بالمجـان لأعـلى 300 مـدير فيها، وصممـت حـزمـة مـن الحـوافز للمـديرين الأصغـر.
رابعًا نقـل العمـالـة غـير الضـرورية إلـى شـركـات أخـرى، أو إحالتهم إلـى المعـاش المبكـر، وفيما بين عامي 1990 و2001 قللـت الصـين حـوالـي 40 مليـون وظيفـة فـى شركات القطـاع العـام، وتوقعت الفشل لجميع مشروعات المحالين إلى المعاش، وبالتالي أنشأت صندوقًا لمساعدة الحالات المتعثرة كي تستطيع العيش.
عملت الحكومة بعد ذلك على تشجيع جميع المحافظات على المنافسة وإنشاء الشركات، والآن يوجد 155 ألف شركة تخضع للقطاع العام الصيني، وكلما زاد العدد زادت الربحية. بجانب هذا قادت شركات القطاع العام التنمية في البلاد.
من هنا كان السر في تطور الصين بهذه الصورة «المخيفة»، أعلى من 10% في 20 عامًا، هو الاعتماد على القطاعين الخاص والعام، على أن تظل الملكية للقطاع العام، بينما ترحل الإدارة إلى فكر القطاع الخاص.