x

صلاح منتصر فاروق ظالمًا ومظلومًا (14) الحرب التى دخلتها مصر بعد غياب 109 سنوات! صلاح منتصر الإثنين 09-11-2015 21:29


كانت حرب فلسطين عام 1948 أول حرب يخوضها الجيش المصرى منذ موقعة نصيبين عام 1839، عندما هزم بقيادة إبراهيم باشا القوات التركية وأصبح على أبواب إستانبول بعد أن سيطر على بلاد الشام. ووجدت الدول الأوروبية أن مصر بقيادة محمد على باشا أصبحت أكبر مما يجب وتمثل خطرا على سلامها، فكان التآمر الذى انتهى إلى معاهدة لندن (15 يوليو 1840) التى أرضت محمد على بجعل حكم مصر وراثيا فى أسرته، مقابل أن تعود مصر إلى حدودها قبل حروبها بما يلغى فتوحاتها الواسعة التى حققتها فى جزيرة العرب والشام وكريت!

وقد فتر الاهتمام بالجيش بعد محمد على إلى حد إلغائه بمرسوم من الخديو توفيق عام 1882، وبعد ذلك أعيد إنشاؤه فى حدود ثلاثة آلاف فرد، فلما جاءت معاهدة 1936 التى تحدد بقاء القوات البريطانية مدة عشرين سنة فى منطقة قناة السويس، تقوم مصر خلالها بتقوية جيشها وزيادة أعداده، تم فتح أبواب الكلية الحربية لاستقبال أبناء الطبقة المتوسطة لتخريجهم ضباطا بعد أن كان دخولها مقصورا على أبناء الذوات من الأثرياء والوجهاء ليتخرجوا ضباطا، فى الوقت الذى ظل فيه الجنود من الأميين والفقراء. ولم يتغير هذا الوضع إلا بعد نكسة 67 عندما تطورت الأسلحة المستخدمة تكنولوجيا وأصبح معظم المجندين من خريجى الجامعات، مما أحدث طفرة فى مستوى جنود الجيش المصرى كانت نتيجتها المعجزة التى تحققت بكل المقاييس فى حرب 73. (ملاحظة: تأخر تنفيذ معاهدة 36 بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية وظل الإنجليز فى الدلتا وفى القاهرة فى ثكنات القلعة وقصر النيل مكان فندق هيلتون وجامعة الدول العربية حاليا وفى الإسكندرية فى ثكنات مصطفى كامل، وفى يوليو 1946 تم جلاء الإنجليزعن القلعة وبعد ذلك فى عام 49 استمر إخلاء ثكناتهم فى مصر فيما عدا التى فى منطقة قناة السويس).

هكذا فإن فاروق كان واقعيا فى اعترافه بصعوبة أى حرب يخوضها الجيش، كذلك كان رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى الذى صارح النواب فى جلسة سرية بعدم مقدرة مصر دخول الحرب. إلا أنه ما إن اقترب الأسبوع الثانى من مايو 48 حتى تغيرـ نتيجة للمشاعر العاطفية التى سادت الشارع العربى ـ رأى فاروق والنقراشى باشا رئيس الوزراء الذى عاد وأكد لمجلس النواب أن الجيش المصرى يملك الإمكانيات التى تمكنه من دخول حرب تمكنه من طرد العصابات اليهودية من فسطين. هكذا أصبحت كلمة الحرب على كل لسان رغم أن الجيش المصرى مثل جيوش الدول العربية كان بعيدا عن أى تدريبات عسكرية، فى الوقت الذى كانت فيه الحركة الصيونية قد نجحت فى أن تجلب إلى فلسطين أعدادا كبيرة من اليهود الذين اشتركوا فى معارك الحرب العالمية واكتسبوا منها خبرات، أصبحت أساسا فى إنشاء الجيش الإسرائيلى، وقبل ذلك فى تشكيل عصابات الترويع التى كونوها لإرهاب العرب وتحريضهم على الهرب من أراضيهم ليحتلها اليهود.

وقد كان ملاحظا أنه رغم التعاطف الشعبى الواضح مع الفلسطينيين والمظاهرات الكبيرة التى كانت تهتف ضد إسرائيل إلا أن الشعب فى مصر ظل ولسنوات يفرق بين عدائه للحركة الصهيونية التى تخطط لإقامة دولة إسرائيل وينسب إليها المجازر التى ارتكبتها ضد الفلسطينيين، وبين اليهود الذين كانوا يعيشون منذ سنوات طويلة بين المصريين، ولهم حى يضم معظمهم يسمى «حارة اليهود» فى أول شارع العباسية (الجيش حاليا) من ناحية العتبة الخضراء، بالإضافة إلى أن اليهود كانوا يملكون أكبر محال التجارة مثل شملا وشيكوريل وداود عدس وبنزايون وهانو وغيرها، وقد ظلت جميعها تعمل آمنة فى مصر حتى فى فترة حرب 48 وبعدها، ولم تتعرض لأذى إلا فى حريق القاهرة يوم 26 يناير 1952.

مع اقتراب يوم 15 مايو لم يستطع الملك فاروق وهو الذى بدأ بتجميع العرب ودعوتهم فى أنشاص، أن تقف مصر بعيدة عن سوق مزاد الحرب الذى انفتح على مصراعيه، مما كانت نتيجته صدور التعليمات بسرعة إرسال قوات من الجيش إلى فلسطين، إلى جانب عدد من المتطوعين الذين سبقوا بصورة غير رسمية لتكون مصر رسميا فى حرب مع إسرائيل مع «جيوش» الدول الأخرى. وهى حرب يمكن القول إن العرب خسروها قبل أن تبدأ.

وكان أول أسباب ذلك أن جميع الدول التى تظاهرت بالاشتراك فى هذه الحرب كانت مخترقة من الإنجليز أو الفرنسيين الذين كانوا يعرفون تماما كل أسرارهم، إن كانت هناك فى الأصل أسرار.


وكان السبب الثانى أن قدرات جيوش هذه الدول العربية مرهونة بقدر ما تمنحها وتبيعها الدول المنتجة للسلاح، وهى دول منحازة لإسرائيل. ونتيجة لذلك فقد لجأت مصر مدفوعة بعنصر السرعة إلى أسواق بيع مخلفات الحرب العالمية مما سهل الوقوع فى أيدى السماسرة الذين باعوا لمصر، بحسن أو بسوء نية، أسلحة جرى الادعاء عاليا بعد الحرب أنها كانت أسلحة فاسدة يطلقها الجنود على الأعداء فترتد إلى صدورهم وهو ما اشتهر بقضية «الأسلحة الفاسدة» التى أثارها الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس على صفحات مجلة روز اليوسف وأحدثت ضجة كبيرة. وكانت هذه الأسلحة الفاسدة أحد الموضوعات التى تضمنتها منشورات الضباط الأحرار. وفى خلال حكم فاروق وتحت ضغط الرأى العام أجرى النائب العام وقتها تحقيقا لم يتوصل إلى نتيجة. وبعد ثورة يوليو 52 أثيرت قضية الأسلحة الفاسدة وذكرها جمال عبدالناصر فى كتيبه «فلسفة الثورة» الذى صدر عام 54، لكن الدكتور ثروت عكاشة وكان أحد ضباط ثورة52 وكان يعمل ضابطا للمخابرات أثناء الحرب هدم ما قيل عن هذه الأسلحة الفاسدة قائلا فى كتابه «مذكراتى فى السياسة والثقافة»: إن ما قيل عن سبب هزيمة الجيش المصرى فى فلسطين عام 48 هو فساد الأسلحة والذخائر التى كانت فى أيدى الجيش، حديث أراه متجاوزا الحقيقة، وكل ما حدث انفجار أربعة مدافع 25 رطلا عن خطأ فى تعبئة ذخيرتها الإنجليزية. ولا أعنى بتسجيل هذه الحقيقة تبرئة عهد فاروق مما استشرى من فساد، فقد فرض عدد من رجال الحاشية والقصر لأنفسهم عمولات على صفقات شراء الأسلحة والذخائر.. وتحولوا إلى الاتجار بأرواح الشعب إلى جانب الاتجار بقوته».

حشدت الجيوش العربية لحرب فلسطين 37 ألف جندى و30 طائرة بينما حشد الإسرائيليون 78 طائرة و81 ألف مقاتل معظمهم تدربوا فى الحرب العالمية. وكان المفروض أو المتصور أن الجيوش العربية عندما دخلت فلسطين قد ذهبت بمفهوم دخول الأرض التى أعطاها قرار التقسيم لليهود لطردهم منها وإعادتها للفلسطينيين، لكن الذى حدث أن جميع «الجيوش العربية» لم تقترب من الأرض التى فيها إسرائيل، وبقيت داخل الأرض المخصصة للفلسطينيين، مما سمح لإسرائيل تجاوز حدود التقسيم ومهاجمة «الجيوش العربية» فى مواقعها، وهكذا فإنه عندما توقفت هذه الحرب باتفاقية هدنة عقدت فى يناير 49 كانت إسرائيل قد ضمت فى شهور الحرب 22% جديدة مما زاد من مساحتها إلى 78% من كل فلسطين.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية