x

«المصري اليوم» داخل ميناء الإسكندرية بضائع مكدسة فى انتظار الإفراج عن «الدولار»

السبت 31-10-2015 12:48 | كتب: محمد أبو العينين |
ميناء الإسكندرية ميناء الإسكندرية تصوير : اخبار

حركة ونشاط مستمر لا يتوقفان نهائياً طوال أيام الأسبوع، ناقلات عملاقة تأتى من جميع أنحاء العالم تضع حمولتها على الأرصفة، بينما تتأهب الرافعات الضخمة وعمال النقل لاستقبال الحاويات التى تزن أطناناً من البضائع التى لا تجد أحياناً مكاناً لها فى ساحات الاستقبال وينتهى بها المطاف فى الساحات الفرعية إلى حين إيجاد مكان لها.

مع كل حاوية تفرغ حمولتها على أرصفة ميناء الإسكندرية، يبدأ عمل العشرات من عمال نقل، وتفريغ، وسحب عينات، بينما يسعى مستخلصو الجمارك لإنهاء الأوراق الخاصة بالإفراج عن تلك الشحنات فى تلك الأثناء.

محمود رزق، وهو اسم حركى لأحد هؤلاء المستخلصين، والذى فضل عدم الكشف عن هويته، يقف أمام أدوار مرتفعة من الحاويات المصنوعة من الحديد الصلب، بعد أن قامت السفينة العملاقة القادمة من البرازيل بتفريغ شحنتها على أحد أرصفة الميناء، يراقب «محمود» عمل فريق سحب العينات من الحجر الصحى، والذى سيرسل العينات بدوره إلى معامل وزارة الصحة للتأكد من مطابقة العينة للمواصفات وصلاحيتها للاستهلاك الآدمى.

بينما كان «رزق» ينتظر إنهاء الأوراق الخاصة بالإفراج عن الشحنة، جاءه هاتف من مدير شركته يخبره بأن المستورد لم يتمكن من توفير مبلغ النصف مليون دولار ثمن الشحنة لعدم وجود العملة الأجنبية فى السوق. تنتهى الإجراءات، ويستكمل «رزق» رحلته فى تأمين «البضاعة» وتشميعها لحين تدبير المستورد المبلغ المطلوب قبل انتهاء فترة السماح المقررة بأسبوع وبعدها سيتم فرض مبالغ إضافية كـ«أرضية» على كل «كونتينر».

محمود، واحد من مئات المستخلصين الجمركيين العاملين فى ميناء الإسكندرية الذين تتكرر معهم تلك المشكلة يومياً؛ فقرارات البنك المركزى بوضع حد أقصى للسحب والإيداع الدولارى المحدد بمبلغ 50 ألف جنيه يومياً أصاب حركة الاستيراد بـ«شلل» كما يقول.

شكاوى المستثمرين من تكدس بضائعهم داخل الموانئ المصرية بشكل عام، وميناء الإسكندرية بشكل خاص، قابلها نفى من هيئة الميناء بعدم وجود تكدس، ما دفع «المصرى اليوم» لمحاولة توثيق الوضع داخل ميناء الإسكندرية.. زيارة ميدانية كشفت عن وجود آلاف الحاويات المُكدسة التى شغلت جميع الساحات خاصة منطقة الحاويات.

تشديدات أمنية مكثفة على بوابات الميناء، سيارات وشاحنات عملاقة تتحرك من الداخل والخارج محملة بأطنان من البضائع أغلبها سلع غذائية، بالإضافة إلى ناقلات السيارات المستوردة، تستقبلك البوابة الرئيسية بلافتة عليها شعار الميناء، يحدها يساراً ساحة انتظار كبيرة، رصدت «المصرى اليوم» فيها مئات الحاويات المرصوصة فوق بعضها، ووصل ارتفاعها فى بعض المناطق إلى 5 حاويات لأعلى، يقابلها فى اليمين بعض المبانى الإدارية ومكتب للأمن، بالإضافة إلى مكاتب تخليص الأوراق، وفى الناحية المقابلة يمتد خط سكة حديد ليربط الميناء بخطوط السكك الحديدية ومنها تتجه القطارات المحملة بالبضائع إلى القاهرة وسائر المحافظات.

بعد ساحة الانتظار تتفرع منطقة الحاويات إلى سبع ساحات عملاقة هى (أ، ب، ج، د، و)، بالإضافة إلى ساحة الخطر، وتضم كل من هذه الساحات 56 حارة طولية مرقمة بالترتيب، وفى أول كل حارة كاميرا مراقبة موجهة على الحاويات المغلقة المرصوصة على الأرصفة.

يقول «رزق» إن هدف هذه الكاميرات هو التأكد من عدم فتح الحاويات أو سرقتها، بالإضافة إلى تأمين المكان من خلال كاميرات أخرى تم تثبيتها على أعمدة مرتفعة، بالإضافة إلى تلك الساحات يوجد ساحات فرعية هى «المفروزة» و«أوشن» والساحة الصينية، والساحات الخارجية.

داخل الساحات السبع، وثقت «المصرى اليوم» فى رحلة مصورة تكدس العديد من الحاويات، إذ تتسع كل حارة لستة «كونتينرات» بالطول، بينما وصل ارتفاع الحاويات إلى 5 وضعتها الرافعات العملاقة المنتشرة بين الحارات فوق بعضها بإجمالى ثلاثين «كونتينر» تقريباً فى كل حارة.. ثمانى رافعات تنتشر داخل منطقة الحاويات تسير فى خطوط مستقيمة لا تحيد عنها، يتم التحكم فيهم بشكل آلى، ومهمتها حمل الحاويات الحديدية ورصها فى ترتيب متناغم.

خلف ساحات الاستيراد، تقع «ساحة الخطر» بالمجاورة لخط السكك الحديدية، والتى يتم استقبال المواد الخطرة والقابلة للاشتعال فيها، يجاورها على بعد خطوات ساحة «الثلاجات» والمخصصة لثلاجات حفظ الأغذية واللحوم والبضائع المرتبطة بتاريخ صلاحية مُحدد.

داخل الأرصفة البحرية، رسى عدد من السفن إحداها قادمة من دولة «توجو» على رصيف رقم «11» قامت بتفريغ قرابة 4528 طنا من «الصودا»، وأخرى أوكرانية قامت بتفريغ 3820 طنا من البضائع منها «تراب سيراميك معبأ»، بالإضافة إلى سفن أخرى من تركيا وأخرى من مالطة قامت بتفريع 33185 طنا من أسود الكربون، وسفينة من بنما قامت بتفريغ 32986 طنا من السولار، بالإضافة إلى عشرات السفن الأخرى، وفقاً للبيانات الرسمية لهيئة ميناء الإسكندرية.

«من ساعة ما مسكوا كونتينرات فيها مواد متفجرة وهما مشددين الإجراءات والحاويات تكدست خاصة المحملة بمواد كيمائية»، يقول «رزق» موضحاً سبباً إضافياً لتكدس الحاويات داخل الميناء، بالإضافة إلى أزمة الدولار وفشل العديد من المستثمرين فى توفيره، ويؤكد أن هيئة الميناء بعد تلك الواقعة قررت سحب عينات من جميع الشحنات التى تحمل مواد كيمائية وإرسالها لمعامل التحليل، ويقول إن نتيجة تحليل العينات تستغرق من شهر ونصف إلى شهرين فى بعض الأحيان.

يفسر «رزق» ماهية «الشحنات الكيمائية» بأنها كل الحاويات التى تضم مواد فى صورة مسحوق «بودرة» مثل مواد التلميع ومكسبات الطعم، «حتى بودرة اللبن يتم تحليلها بدقة»، يقول «رزق»، ويؤكد أن شركة التخليص الجمركى التى يعمل لحسابها لديها عشرات الحاويات المتروكة على أرصفة الميناء ولم يتم الإفراج عنها بسبب فشل المستثمرين فى الحصول على الدولار من البنوك، ويشير إلى أن تلك الحاويات تضم أسماكاً ولحوماً وفراخاً مجمدة قادمة من البرازيل محتجزة من شهر يوليو وأغسطس الماضيين، «فى لحمة محتجزة من شهر 8 لسه خارجة من أيام، رغم أن تاريخ إنتاجها فى مايو الماضى، أى أن 5 أشهر كاملة انتهت من تاريخ صلاحيتها المحدد بعام واحد فقط».

يضيف: «الوضع أسوأ فى منطقة مرغم الصناعية، فلا يوجد فى الساحة مكان فارغ بسبب تكدس الحاويات والبضائع، ومنها 250 كونتينر أسماك مجمدة لم تخرج بسبب الدولار، بالإضافة إلى منتجات لحوم وكبدة وفراخ، وكلها صلاحيتها عام واحد، ومحتجزة منذ شهرين، فإذا افترضنا أنها قبل أن يتم تصنيعها وتصديرها لمصر مر عليها شهران، بالإضافة إلى شهرين فى الميناء، وشهر آخر لتدبير ثمنها وإنهاء الإفراج عنها، سنجد أن فترة الصلاحية مر عليها 5 أشهر والمتبقى 7 أشهر فقط، وكلها أمور تسبب خسائر للمستورد؛ لأن السلع المرتبطة بصلاحية حين تباع وصلاحيتها 9 أشهر من عام تباع بسعرها الطبيعى، وإن تقلصت الصلاحية إلى 7 أشهر أو أقل يقل سعرها، لأن التجار يخشون من شرائها خوفاً من تلفها قبل البيع».

ويضيف: «يبدأ عملنا مع شحنات الأغذية بسحب عينات من المنتج، بالإضافة إلى مطابقة بيانات الشحنة بالبيانات الموجودة فى الميناء، ويتم إرسال العينات إلى معامل وزارة الصحة، وإذا أظهرت العينات أنها مطابقة للمواصفات يتم الإفراج عنها بعد دفع الرسوم، وإن لم تكن مطابقة يتم إرسال عينات أخرى للتأكد منها فى المعامل، وفى حال ثبوت أن العينات فاسدة تتم إعادة تصديرها مرة أخرة». «لو ثمن الشحنة الفاسدة أقل من سعر إعادة تصديرها مرة أخرى يتم إعدامها، والفيصل بين المستثمر وصاحب البضاعة هو معامل وزارة الصحة»، يقول المستخلص الجمركى.

ويوضح «رزق» كيفية إعدام الأغذية والمنتجات الفاسدة التى انتهى صلاحيتها عن طريق شحنها إلى «المدفن» فى منطقة «شبرامنت» فى القاهرة، ودفنها فى الرمال ووضع جاز وجير عليها، على أن يقوم «الكلارك» بدهسها وتحطيمها.

أحمد شيحة، رئيس شعبة المستوردين، بالغرفة التجارية للقاهرة يقول إن أزمة الدولار وارتفاع سعره فى السوق الموازية «السوق السوداء» بالإضافة إلى فشل المستثمرين فى الحصول عليه من البنوك بسبب سياسات البنك المركزى، أدت إلى تكدس البضائع فى الموانئ، خاصة ميناء الإسكندرية. ويضيف: «ما يحدث داخل الميناء وتكدس البضائع هو أكبر تجسيد للأزمة التى يعانى منها المستوردون، بالإضافة إلى الغرامات والأرضيات التى يتم دفعها على البضائع».

يروى «شيحة» عن وجود أحد المستوردين فى الشعبة احتجزت له هيئة ميناء الإسكندرية 12 ألف طن سكر استوردها من الخارج منذ 55 يوماً، بسبب عدم تدبير البنك المبلغ المطلوب، ويضيف: «البنك بالكاد دبر له ثمن 4 أطنان فقط، وتبقى 8 أطنان لا تزال محتجزة، ويتم دفع أرضيات عليها». ويضيف: «السكر المحتجز خام، تأخذه المصانع لتقوم بتكريره وبيعه، أى أنه مادة خام من مستلزمات الإنتاج المهمة فى تشغيل المصانع، وتوقفها فى الميناء يؤدى إلى توقف خطوط الإنتاج».

ويقول إن تأخر المستوردين المصريين فى الوفاء بمستحقات الشركات الدولية الموردة أدى إلى ما سماه «تراجع مصداقية المستورد المصرى» فى الخارج، ويضيف: «الموردون فى الخارج على دراية بما يحدث بشأن أزمة الحصول على الدولار، وبسبب تأخر المستوردين فى سداد مستحقات الشحنات غيرت الشركات الدولية طريقة تعاملها مع المستورد المصرى، وبدلاً من تسديد ثمن الشحنة بعد إرسالها واستلامها، تطالب الشركات الدولية الآن بمستحقاتها قبل أن تبدأ فى تصنيع المنتج الذى طلبه المستورد المصرى خاصة فى التعاقدات الطويلة».

يشكو «شيحة» مما سماه عدم التزام البنك المركزى باحتياجات المستثمرين، ويقول: «رغم أن البنك وضع أولويات للطعام والأدوية فى الاستيراد، إلا أنه عجز عن تغطيتها أيضاً، ولا ننكر أننا نلتمس العذر للبنك المركزى والحكومة، لكن سياسات العملة فى مصر يجب أن تتغير بسبب احتياجات السوق».

وقال: «المُصدرون يتلاعبون بسوق العملة، من خلال التلاعب بالفواتير وأرقام الصادرات، عن طريق كتابة أرقام أقل من الحقيقية فى فواتير التصدير حتى لا يلتزم بتحويل الحصيلة للبنك المركزى، فمثلاً حين يُصدر تاجر بضاعة بمليار دولار يكتب فى الفواتير التى سيتم توريدها إلى الخزانة أنه قام بتصدير منتجات بنصف مليار دولار لتوريد هذا المبلغ من العملة الصعبة للدولة، فى حين يأخذ هو المبلغ الباقى ويقوم ببيعه فى السوق السوداء للدولار ما يؤدى لخلق أزمة، ولابد للدولة أن تقوم بضبط تلك العملية مثل السياحة والتى لا نعرف أين إيراداتها وما حجمها». ويضيف: «كل الموارد التى تجلب عملة صعبة يجب ضبط آلية عملها مثل قناة السويس التى تعلن بشفافية عن مصادر دخلها من العملة الصعبة».

يربط «شيحة» بين ارتفاع أسعار بعض السلع خاصة الغذائية فى الأسواق وبين تكدس البضائع فى الميناء، ويقول إن تلك الزيادة سببها فرض غرامات وأرضيات على المستوردين بسبب احتجاز البضائع فى الميناء، ويضيف: «الأرضية على الكونتينر تبدأ فى اليوم الواحد بـ 50 دولارا بعد تجاوز فترة السماح الخاصة بالتفريغ، وبعد أسبوعين تصل الأرضية إلى 200 دولار للطن الواحد».

ويضيف: «أنا مستورد، وهدفى فى المقام الأول الربح، وحين تزيد تكلفة المنتج بالطبع سأقوم برفع سعره للوصول إلى هامش الربح المطلوب، فالأرضيات والغرامات تزداد عليّ، وأنا بدورى أقوم بزيادتها على المستهلك لتحصيل المصاريف التى قمت بإنفاقها واستخراج رواتب العاملين، واللى يقولك أنا مستورد وما بكسبش يبقى نصاب وكداب».

ويقول: «نحن نستورد احتياجات وزارة التموين من السلع الغذائية والمواد التموينية، وجزء كبير منها أيضاً محتجز فى الموانئ، والسلع الغذائية استنفدت كل الحصيلة الدولارية من البنك المركزى، رغم أنها لا تمثل سوى 25% من الاحتياجات، ومع ذلك لا تتم تغطيتها بسبب وجود مافيا تتلاعب فى السوق المصرفية لمصالحها الشخصية».

يُرجع «شيحة» أزمة تكدس البضائع فى الموانئ إلى ما سماه «السياسات الخاطئة» للبنك المركزى والمجموعة الاقتصادية فى الحكومة المصرية، ويقول: «الحكومة عمالة تعوم فى الجنيه، والبنك مش قادر يوفر الدولار، وخربوا البلد، وكله فى النهاية بيتحمله المستهلك الغلبان الذى لا يتمكن من تلبية احتياجاته من خلال دخله المتواضع، فمصر لا يوجد بها أزمة دولار وإنما أزمة ضمير».

ويضيف: «بعض السلع الغذائية تتلف وصلاحيتها تنتهى، فمثلا اللحوم حين يكون صلاحيتها 12 شهرا، ويمر منها 6 أشهر ما بين تصنيع وشحن لمصر وتوريد ونقل واحتجاز فى الميناء، وإجراءات إفراج عن الشحنة، وبالتالى يرفضها التجار، فإذا لم يكن متبق من الصلاحية 9 أشهر يكون من الصعب تسويق تلك اللحوم، وشركات الاستيراد لا تقوم بالتأمين على الصلاحية، لأن التأمين قاصر على سلامة وصول المنتج وليس صلاحيته».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية