مَن يلمس طيبة قلب الأنبا موسى، أسقف الشباب، يدعُ له من قلبه أن يشفيه، صلوا من أجله وأضيئوا الشموع لمَن وهب حياته لإضاءة شموع الفرح فى القلوب الحزينة، لم يلعن الظلام أبدا، دوما ينير شمعة، منير هذا الرجل، قلبه يسع آلام البشر، وهن العظم منه ولكن لاتزال روحه شابة تحتضن الشباب.
يوم دعانى إلى محاضرة فى شباب الكنيسة فى «أبوتلات»، تعجبت من دعوته، ولكنه قال تعال، ستجد ما يسرك، شباب الكنيسة يحتاجون أصواتاً طيبة تحتضنهم، وتبدد شكوكهم، وتقف على مشاكلهم، وتصحح كثيراً من أفكارهم عن أخوة الوطن.. وقد كان، بدل المحاضرة محاضرتين، وبدل المشوار مشوارين، كان المشوار طويلا ولكن قطعته حباً فى هذا الرجل المحب لمصر.
اختلف شباب الكنيسة كثيرا من حول أساقفة الكنيسة، ولكن هناك اتفاق على أسقف جليل، محترم، زاهد، بسيط، طيب، لا تغادر الابتسامة وجهه، ويلهج لسانه بطيب الكلم، ويقدم الحب فى كفيه حَبا تلقطه الأفراخ الصغيرة فيمتلئون حُباً للوطن.
علاقة هذا الشيخ الوقور بشباب الكنيسة مثال يُحتذَى، بعيد عن التكبر، والغلظة، عَطوف يذوب رقة، متواضع كخادم فى الكنيسة، معطاء قلبيا، جواد إنسانيا، حصيرته واسعة، للمسلمين المحبين فيها مكان، يجيد الحوار، ينصت للقول، يميز بين الغث والسمين، ثقافة موسوعية تزيده احتراما، يلمس القلب برفق، ويذهب بعلمه الغزير إلى العقل، يملك عقلا متفتحا، يجول بين الناس بالحسنى.
لو خُيِّر شباب الكنيسة بين أسقف شاب لأسقفيتهم (أسقفية الشباب) وأنبا موسى (وُلد فى أسيوط عام 1938)، لاختاروا هذا الأسقف الورع، الشباب شباب القلب ولو ابيَضَّت اللحى، يملك روحاً شابة، خفيف الدم، رقيق القول، عندما يعظ مشوق، وعندما يكتب مقالات ملهم، وإذا اختلف يرق بالقول، وكأنه يعتذر مسبقا، وإذا تأذى من قول، بادر هو بالاعتذار، خليق بالاحترام.
أنبا موسى مريض، شفاه الله وعافاه، وفى مرضه يتقاطر المحبون للزيارة، وتحفه الدعوات الصالحات، تفقد الكنيسة قدرا من طيبتها إذا توعك الأسقف الجليل، وتفقد أسقفية الشباب كثيرا من حيويتها إذا ألم به مرض، ويفقد الوطن مساحة حب إذا غاب هذا الرجل، هو من مسالك الحوار (المسلم/ المسيحى) على أرضية وطنية، هو الحاضر فى قلب الجماعة الوطنية، هو الزاهد فى كرسى البابوية، المتبتل فى خدمة كنيسة الوطن، من خُدَّام الكنيسة العظام.
حتى المختلفون معه، لهم فى قلبه محبة، ولا يترك ما علق فى القلوب ليلا يبرد حتى الصباح، يبادر بمسح الألم، يربت على الظهور، ويمسح الرؤوس، أحبة الأنبا موسى بين إخوته المسلمين ربما تفوق أحبته بين المسيحيين، هو جسر عبور بين أبناء الوطن، ويعرف للناس أقدارهم، ويُنزل الناس منازلهم، ويقف حائط صد منيعا ضد الفتنة الطائفية ما ظهر منها وما بطن.
أسَرَّ لى ذات مرة بأن نفراً من أبناء الكنيسة فى الجامعات ينعزل ويتشكل فى مجموعات كنسية، وطلب منى المساهمة فى علاج هذه الظاهرة، وسعيت سعيا، وكسرنا بمعونة صادقة من حبريته هذه الحلقة الشريرة التى كانت تضيق بشباب الكنيسة فى رحاب الوطن، خشى أن يفارقوا الجماعة الوطنية وهم أبناء هذا الوطن.
بينه وبين الكنائس المصرية الأخرى مودة ورحمة، لم يبتدرهم أبدا بما يُشقيهم، ولم يجادلهم إلا بالحسنى وزيادة، ولم يصدر عنه حرف يؤذى، حادب على جمع الشمل المسيحى، يجمع ولا يفرق، ولا يتأخر عن النداء، ونصب عينيه كل أولاد الكنيسة أبناؤه، وأبناؤه هم أبناء الوطن الذى أحب، حب الوطن ملأ عليه حياته، يصلى للوطن دوما.. صلوا من أجل الأب الطيب فى دير الملاك.